"سلام" غامض بين أذربيجان وأرمينيا

منذ ٥ ساعات ٩

ساد الغموض سريعاً، الخميس الماضي، إعلان أذربيجان وأرمينيا انتهاء العمل على نصّ اتفاق سلام بينهما، لا تزال بنوده غير معلنة، ومنها بندان خلافيان، وذلك في محاولة لطيّ صفحة صراع امتد لنحو أربعة عقود بين البلدين الواقعين في منطقة جنوب القوقاز، وتمحور خصوصاً حول إقليم ناغورنو كاراباخ، وهو النزاع الذي حسمته أذربيجان لصالحها نهائياً في سبتمبر/أيلول 2023. إذ بينما أعلنت وزارتا الخارجية الأرمينية والأذربيجانية، الوصول إلى نصّ اتفاق السلام، وقالت يريفان إنها بانتظار تحديد باكو موعداً لتوقيعه، رحّبت أذربيجان بالإعلان، لكنها أضافت أن الشرط الأساسي للتوقيع، لا يزال تعديل الدستور الأرميني، لحذف ادعاءات بحق ضمني بأراضٍ أذربيجانية، مؤكدة "ضرورة إلغاء مجموعة مينسك، التي عفا عليها الزمن وعانت من الخلل، والهياكل المرتبطة بها في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا رسمياً". ومجموعة مينسك أنشئت خصيصاً في عام 1992 لحل نزاع إقليم ناغورنو كاراباخ، برئاسة فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، وهي مجموعة تابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

جهوزية التوقيع تصطدم بالشروط

وأكدت الخارجية الأرمنية، الخميس الماضي "جهوزية" يريفان "لبدء مشاورات مع جمهورية أذربيجان بشأن موعد ومكان توقيع الاتفاقية". وردّت نظيرتها بأن أذربيجان "تشير بارتياح إلى انتهاء المفاوضات بشأن نصّ مسودة مشروع اتفاقية السلام وإقامة علاقات بين أذربيجان وأرمينيا"، مضيفة أن الشرط الأساسي لتوقيعها هو تعديل دستور أرمينيا، ما أبقى على جدول التوقيع غير محدّد. وكان رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان قد صرّح مراراً خلال الأشهر الماضية بأن دستور البلاد بحاجة إلى تعديل، وهو ما يتطلب استفتاء، لكن لم يتحدد أي تاريخ لأي استفتاء.

تطالب أذربيجان بتعديل أرمينيا دستورها وحلّ مجموعة مينسك

ويمكن القول إن المباحثات بين البلدين التي أوصلت إلى الانتهاء من نصّ اتفاق السلام، بدأت فعلياً في 2020، كجزء من وقف للنار في آخر جولة تصعيد بين الطرفين بشأن ناغورنو كاراباخ، الإقليم الذي تسكنه أغلبية عرقية أرمنية، وظلّ لعقود جزءاً من أذربيجان السوفييتية، حتى الانفصال في أواخر ثمانينيات القرن الماضي بدعم من أرمينيا، وسط تاريخ طويل من الصراعات بين البلدين المجاورين لإيران وتركيا وجورجيا. وبعدما دخلت المفاوضات في جمود، عادت واستؤنفت بعدما أصبحت أذربيجان في موقع قوة، إثر سيطرتها على كامل ناغورنو كاراباخ، في عملية عسكرية سريعة في سبتمبر 2023، حظيت كما يبدو بتسهيل روسي، فضلاً عن دعم تركي، وذلك في ظلّ ما بدا استياء واضحاً روسياً من يريفان، ولا سيما لما ترى فيه موسكو إمعاناً أرمينياً في التقارب مع الغرب. وفي يونيو/حزيران 2024، أعلن رئيس الوزراء الأرميني عن عزم بلاده الانسحاب من منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهو تحالف أمني تقوده روسيا ويضم عدداً من الجمهوريات السوفييتية السابقة، وسط تزايد التوتر بين البلدين.

وبعد استعادة أذربيجان للإقليم، وفرار حوالي 100 ألف أرميني إلى أرمينيا، كرّر الجانبان مراراً رغبتهما بالتوقيع على معاهدة لإنهاء الصراع، لكن تقدم المفاوضات ظلّ بطيئاً وبقيت العلاقات متوترة، وصولاً إلى الحديث في أذربيجان بحسب الإعلام المحلي أخيراً، بأن أرمينيا تحضر لهجوم على البلاد بدعم أوروبي. وذكرت وكالة فرانس برس، الخميس الماضي، أن وزير الخارجية الأذربيجاني جيهون بايراموف هو من كشف أولاً، أن "مسار المفاوضات حول نصّ اتفاق السلام مع أرمينيا أنجز، وأن أرمينيا وافقت على بندين كان حولهما خلاف بالمسودة"، لتعود الخارجية الأرمينية بعدها وتؤكد ذلك. وبحسب الوكالة، فإن يريفان انتقدت باكو لإدلائها بإعلان "أحادي"، في حين كانت ترغب بإعلان مشتركاً.

بنود خلافية بين أذربيجان وأرمينيا

وكان باشينيان، قد أكد في يناير/كانون الثاني الماضي، حصول تقدم في مباحثات السلام، متحدثاً عن خلاف فقط بقي عالقاً حول بندين من أصل 17 بمسودة الاتفاق. هذا الأمر أكده وزير خارجيته أرارات ميرزويان، الأربعاء الماضي، أمام برلمان بلاده، دون الحديث عن حلّ المشكلة. وكان باشينيان قد أعلن الاعتراف بسيادة أذربيجان على كاراباخ، كما أعادت أرمينيا العام الماضي، 4 قرى حدودية إلى أذربيجان كانت سيطرت عليها قبل عقود. وبقي عالقاً عدم التوافق على "عدم انتشار قوى ثالثة" على طول الحدود، وفق الحكومة الأرمينية، حيث اعتبر باشينيان أن انتشاراً لقوى ثالثة يفترض أن يكون مشمولاً في البنود المتعلقة بالحدود حيث تجري عملية ترسيم حولها. كما أن هناك خلافاً حول سحب قضايا قانونية مرفوعة من أحد الطرفين ضدّ الآخر في منظمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وغيرها من المحافل، بشأن انتهاكات حقوقية مرتكبة. وتريد أرمينيا إعلان أذربيجان، ليس فقط سحب الدعاوى، بل التخلي عن مضمونها، حتى لا تعود وترفعها أحادياً.

تحدث باشينيان عن خلاف بقي عالقاً حول بندين فقط من أصل 17 بمسودة الاتفاق

وقالت أذربيجان إن أرمينيا وافقت على البندين محل خلاف، وفق صيغة لم تتضح. أما بحسب الخارجية الأذربيجانية، فإن "الخطوة التالية هي تخلي أرمينيا عن بند في دستورها مرتبط بالاستقلال ويشير بصراحة إلى حقّها في ناغورنو كاراباخ". وفي هذا الصدد، فإن باشينيان كان يدفع منذ مدة باتجاه دستور جديد، وتحدث مجدداً في فبراير/شباط الماضي عن أهمية تبني دستور جديد بإطار أيديولوجيا "أرمينيا الحقيقية" التي طوّرتها حكومته. ورغم تأكيد الحكومة الأرمينية أن تعديل الدستور ليس خضوعاً لأي إملاءات خارجية، أعلنت وزيرة العدل سروبهي غاليان، أخيراً، أن التعديل لن يحصل قبل 2026، بعد الانتخابات التشريعية.

ونقلت مواقع إخبارية قوقازية، مثل موقع "أوبن كوقازوس ميديا"، عن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف قوله الخميس الماضي، إن "الثقة بين أذربيجان وأرمينيا قريبة من الصفر، نحن نحتاج إلى وثائق، نريد دستورهم خالياً من ادعاءات بحق الأرض، نريد أن تحلّ منظمة مينسك نفسها". من جهته، نقل عن وزير الخارجية الأرميني قوله أول من أمس الجمعة، إنه "بعد تطبيع العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا فور توقيع الاتفاق، ستعتبر أرمينيا أن النزاع اقترب من نهايته، وعندها يمكننا القول إنه لا حاجة لنشاط مجموعة مينسك، ولكن حتى الآن لا نزال نرى عناصر غير بنّاءة من قبل أذربيجان".

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

قراءة المقال بالكامل