انتقد المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري في المغرب، اليوم الخميس، ما سماه ظاهرة "التراكم الإشهاري (الإعلاني)"، خلال شهر رمضان 2025 في القنوات والإذاعات المغربية. واعتبر المجلس أن برمجة الإذاعات والقنوات التلفزيونية المغربية خلال شهر رمضان لهذه السنة اتسمت بـ"ظاهرة التراكم الإشهاري" لا سيما خلال ساعات ذروة المتابعة، معتبراً أن هذا الفيض الإعلاني يؤثر سلباً على تجربة الجمهور.
وقال المجلس، في بيان له اليوم: "عادة يشهد شهر رمضان فترة ذروة في ما يخص الاستثمارات الإشهارية. وبالنسبة للمتعهدين، فإن أهمية جذب موارد خلال هذه الفترة ذات النشاط العالي، معطى واقعي وضرورة اقتصادية مفهومة. ولكن يتعين أن تكون هذه الوضعية مقترنة باستحضار المصلحة العليا للجمهور، والذي تظل بعض فئاته مثل الأطفال والناشئة معرّضة بدرجة عالية للتواصل الإشهاري". ولفت المجلس إلى أن من شأن هذا "التراكم الإشهاري" أن يؤثر على علاقة وتفاعل الجمهور مع البرامج والمضامين ويمس بصورة وسائل الإعلام، لا سيما تلك الموكل إليها الاضطلاع بمهام الخدمة العمومية.
شكاوى التراكم الإشهاري
من جهة أخرى، قال المجلس إن الإحالات الذاتية وشكايات المواطنين والجمعيات المتوصل بها من طرف الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، تظهر حاجة كبرى "لتقوية التقنين الذاتي للمتعهدين في مجال الاتصال الإشهاري"، معتبراً أن الإشهار غير المعلن عنه، والإشهار الممنوع، والخلط بين المضامين الإعلامية والتحريرية، والخلط بين الإشهار والرعاية، والنقص في شفافية تموقع المنتوجات "كل هذه ممارسات يتعين تجاوزها في المضامين السمعية البصرية خدمة أولاً لحق المواطن والجمهور المغربي في مضامين ذات جودة وموثوقية".
وأشار المجلس إلى أنه فضلاً عن سلطته الزجرية التي لا يتوانى عن إعمالها، يعتبر أن "مخاطر انكفاء المصداقية التحريرية للإعلام السمعي البصري المغربي والتي قد تساهم هذه الممارسات الإشهارية في تفاقمها، لا يمكن حلها بالتدخل الوحيد لهيئة التقنين". ودعا المجلس إلى إرساء ممارسات إشهارية مبتكرة، ملتزمة بالأخلاقيات، وتصون في الآن ذاته الاستقلالية التحريرية لوسائل الإعلام، ومصالح المستشهرين ومتعهدي الاتصال السمعي البصري. وهو ما لا يمكن إعماله إلا في إطار نموذج اقتصادي ناجع ومستدام بالنسبة لوسائل الإعلام السمعية البصرية، "وهو ورش بات استعجالياً في زمن تعرف فيه المنظومات الإعلامية في جميع أنحاء العالم تحولات عميقة رهانها الحقيقي يحيل على قضايا حيوية مثل السيادة الإعلامية والثقافية".
"التراكم الإشهاري" والاحتكار
وصف الناقد المغربي، عادل السمار، في حديث مع "العربي الجديد"، بيان المجلس بأنه "تشخيص جيد للوضعية، خاصة حين يتحدث عن الخلط بين المضامين الإعلامية والتحريرية، والخلط بين الإعلان والرعاية لأننا أصبحنا في وضعية أصبح فيها المعلِن هو المبرمج والمتحكم الرئيسي في البرمجة وصناعة الأذواق بل وحتى الخط التحريري للقنوات". وقال السمار إن المشاهد المغربي يجد اليوم نفسه رهينة لهذه الوضعية حين يجلس أمام التلفزيون، وهو ليس اختياراً بالنسبة لفئة واسعة من الجمهور، بحكم السياق الاجتماعي والثقافي والديني لشهر رمضان.
لكن الناقد المغربي يرى أن سلطة ضبط الإعلام "الهاكا" نفسها تبدو عاجزة عن حل هذه الإشكالية، رغم سلطتها الزجرية المحدودة، لافتاً إلى أن المعضلة الحقيقية هي الحالة الاحتكارية التي تستفيد منها هذه القنوات. وقال إنه في ظل غياب تحرير حقيقي للفضاء السمعي البصري ومنافسة حقيقية بين القنوات لجذب وإرضاء المشاهد، ستستمر قنوات التلفزيون الرسمي في إساءة استغلال هذه الوضعية الاحتكارية.
شهر رمضان فترة ذروة للإعلام المغربي، حيث ترتفع نسب المشاهدة بشكل استثنائي، ما يجعله موسماً مثالياً للإعلانات والبرامج الترفيهية. وتحقق القنوات التلفزيونية أرقاماً قياسية بعد الإفطار على الخصوص، خاصة مع الإقبال الكبير على المسلسلات والبرامج الكوميدية، مما يدفع العلامات التجارية إلى زيادة استثماراتها الإعلانية. في حين تظل القناتان، الأولى والثانية، وجهتين مفضلتين للمشاهدين، ما يعزز جاذبيتهما للمعلنين الباحثين عن أكبر قاعدة جماهيرية.
وتصف دراسة حديثة أجراها مكتب الدراسات التسويقية إنتغريت ووكالة التواصل كوم إند توك أجنسي، ونُشرت نتائجها في فبراير/شباط الماضي، أن شهر رمضان "سوبر بول" إعلاني حقيقي، حيث استهلاكات الوسائط الإعلامية تصل إلى مستويات قياسية، مما يجعل التلفزيون والوسائط الرقمية ثنائياً استراتيجياً يسمح للعلامات التجارية بالتفاعل مع المستهلكين بفعالية أكبر.
