يفتح إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، الباب أمام مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي بعد سنوات من العزلة المالية والتجارية. القرار الذي جاء عقب مشاورات دولية مكثفة، يحمل تداعيات مباشرة على التجارة وسعر الصرف وإعادة الإعمار والاستثمارات الأجنبية، حيث لا يقتصر تأثيره على الأسواق المالية والقطاعات الإنتاجية فحسب، بل يشمل أيضًا حركة النقل الجوي، التي كانت معطلة نتيجة القيود المفروضة على الطيران السوري.
ووفق تتبع "العربي الجديد" لانعكاسات قرار رفع العقوبات، تبين أن ذلك لا يعني فقط إنهاء القيود المفروضة على القطاعات الاقتصادية الحيوية، بل يتيح أيضًا تحرير الأموال السورية المجمدة في البنوك الدولية، مما يمنح الحكومة السورية القدرة على توجيه هذه السيولة نحو مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية.
كما يسهم القرار في إعادة دمج سورية في النظام المالي العالمي SWIFT، مما يعزز الاستثمارات الأجنبية في السوق المحلية. ومن أولى الخطوات التي يُتوقع تنفيذها فور رفع العقوبات إعادة تشغيل قطاع الطيران السوري، الذي عانى لسنوات القيود المفروضة عليه، حيث مُنع من الوصول إلى الأسواق الدولية وحُرم من شراء الطائرات وقطع الغيار اللازمة لصيانة الأسطول الجوي.
مع استئناف الرحلات الجوية المنتظمة بين سورية والدول العربية والأوروبية، يُتوقع أن يسهم ذلك في تسهيل حركة السفر، وتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين على دخول السوق السوري، مما يعزز النشاط الاقتصادي ويعيد الحيوية إلى قطاع السياحة، الذي كان أحد أكثر القطاعات تضررًا خلال السنوات الماضية.
تأثير رفع العقوبات على النقل
رفع العقوبات عن سورية سيكون له تأثير مباشر على قطاع النقل البحري، حيث ستتمكن الموانئ السورية من استئناف عمليات الشحن والتجارة الدولية من دون قيود، مما يعزز حركة الاستيراد والتصدير ويخفض تكاليف النقل البحري. وفقًا للتقارير، فإن رفع العقوبات سيدعم تجارة الترانزيت عبر سورية، مما يسهل انسياب البضائع ويقلل كلف الشحن، خاصة عبر الموانئ السورية التي كانت تعاني قيوداً صارمة على التعاملات التجارية.
كما أن استقرار الأوضاع التجارية واللوجستية مع الدول المجاورة، مثل الأردن ولبنان وتركيا، سيسهم في تحسين حركة التجارة الإقليمية، مما يعزز دور سورية بوصفه ممرًّا تجاريًّا مهمًّا في المنطقة. إضافةً إلى ذلك، أن إزالة القيود المفروضة على شركات النقل البحري السورية سيسمح لها بتحديث أساطيلها، وإبرام عقود جديدة مع شركات الشحن العالمية، مما يعيد الحيوية إلى قطاع الخدمات اللوجستية ويزيد من تنافسية الموانئ السورية في المنطقة.
وبإمكان الرئيس الأميركي اتخاذ قرارات تنفيذية برفع بعض العقوبات المفروضة على سورية من دون الرجوع إلى الكونغرس، حيث تشمل هذه الخطوات السماح للبنك المركزي السوري والمصارف العامة باستئناف التعاملات المالية الدولية، مما يساعد في تحرير الأموال المجمدة وإعادة دمج النظام المصرفي السوري عالميًّا.
كما يمكن للرئيس رفع القيود التجارية المفروضة على استيراد السلع غير العسكرية وتصديرها، مما يسهم في استعادة انسيابية حركة التجارة ويخفف القيود المفروضة على المواد الأساسية وقطع الغيار اللازمة للقطاعات الصناعية والخدمية. كذلك، سيمكن رفع العقوبات سورية من استيراد المعدات والتكنولوجيا اللازمة لتشغيل معامل النفط والطاقة، وهو ما سينعكس إيجابيًّا على إمدادات الكهرباء ويقلل ساعات التقنين تدريجيًّا وصولًا إلى إنهائها بالكامل. كما أن إعادة فتح القنصليات والسفارات سيسهل حركة رجال الأعمال والمستثمرين، ويضمن وصول الإمدادات الطبية والغذائية، مما يساهم في تحسين الظروف المعيشية للسوريين.
وتسمح الخطوة للحكومة بالتفاوض على العقود الاستثمارية وتوقيعها، حيث إن رفع العقوبات يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تراوح بين 5% الى 7% خلال العام الأول، بسبب عودة التحويلات الخارجية التي تمثل نحو 18% من الاقتصاد السوري سابقاً، وعودة الاستيراد بشكل أكثر انسيابية، كما يتوقع أن ترتفع قيمة الليرة السورية بنسبة 30% أمام الدولار خلال الأشهر الستة الأولى، بعد أن كانت قد تجاوزت عتبة 20 ألف ليرة للدولار في السوق الموازية، كما أن معدل التضخم قد ينخفض من 120% إلى نحو 60% خلال العام الأول لرفع العقوبات، شرط فتح المعابر وعودة تدفق السلع الأساسية.
وسبق أن أدّت العقوبات، خاصة قانون قيصر، إلى انسحاب الشركات الأجنبية وتجميد المشاريع الاستثمارية، مما حدّ من قدرة البلاد على جذب رؤوس الأموال الخارجية، ومع رفع العقوبات، يتوقع الخبراء أن يشهد الاقتصاد السوري انتعاشًا مصرفيًّا واستثماريًّا، حيث يمكن أن تعود الاستثمارات الأجنبية تدريجيًّا، خاصة في قطاعات الطاقة، والمصارف، والبنية التحتية ومن المتوقع أن يؤدي القرار إلى تحسين بيئة الاستثمار.
كما أن رفع العقوبات عن قطاع الطاقة قد يسمح للشركات الأجنبية بإبرام عقود جديدة في مجالات النفط والغاز، وهو ما قد يسهم في إعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة وتحسين إمدادات الكهرباء.
من المتوقع أن يسهم رفع العقوبات في إحداث تحول إيجابي على المستوى الاقتصادي، حيث يُتوقع أن يؤدي إلى خلق آلاف فرص العمل للسوريين في مشاريع إعادة الإعمار، ويتيح تحرير التجارة الخارجية وعودة التدفقات المالية إمكانية تقليل تكلفة الاستيراد، مما ينعكس إيجابيًّا على أسعار السلع الأساسية.
