دخل وفدٌ من سورية يضم نحو مئةِ رجل دين يمثلون الطائفة الدرزية من محافظتَي القنيطرة وريف دمشق، الأراضي المحتلة، صباح اليوم الجمعة، في زيارة وُصفت بالتاريخية والدينية، تلبية لدعوة من الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في فلسطين المحتلة، لزيارة مقام النبي شعيب في الجليل الأدنى، والمشاركة بافتتاح مقرّ ديني في قرية البقيعة شمالاً يوم غد السبت.
وبحسب مصادر "العربي الجديد" في القنيطرة، فقد تجمع الوفد عند أطراف قرية حضر في المنطقة العازلة بمرتفعات الجولان المحتل، تحت مراقبة جنود إسرائيليين، فيما منع جيش الاحتلال الصحافيين من الاقتراب، وحظر على الوفد حمل الهواتف. وهذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ خمسة عقود، وسط تصاعد التوتر الإقليمي، بعد تصريحات لوزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس مطلع الشهر الحالي، هدّد فيها بالرد إذا "مُسَّ الدروز في سورية"، معلناً بدء "دمج الدروز السوريين في سوق العمل بالمستوطنات".
عبر وفد يضم نحو ستين رجل دين من الدروز السوريين خط الهدنة في مرتفعات #الجولان_المحتل إلى #إسرائيل الجمعة في أول زيارة من نوعها منذ حوالى خمسين عاماً وتتضمن الصلاة في مقام النبي شعيب.https://t.co/KJzvAAx3pt #فرانس_برس
✍️ @a__chancellor pic.twitter.com/VSQMCbi2i5
ردود فعل متباينة
وأثارت الزيارة انقساماً في الآراء داخل الطائفة الدرزية في سورية ولبنان، إذ حذرت مشيخة العقل في لبنان، في بيان أصدرته أمس الخميس، من تبعات المشاركة، مؤكدة المحاسبة الدينية على كل مخالف، فيما أصدر أهالي قرية حضر في القنيطرة السورية، بيان استنكارٍ وصفَ الزيارة بالأداة الإسرائيلية لزرع الانقسام، مؤكدين أن المشايخ الذين لبوا الدعوة "لا يمثلون إلّا أنفسهم".
وأكد البيان أن "إسرائيل التي لم تكن يوماً حريصة على حقوق الأقليات"، وأنها "تستغل هذه الزيارة الدينية لاستخدام الطائفة الدرزية خطاً دفاعياً لتحقيق مصالحها التوسّعية في الجنوب السوري"، مشيراً إلى أنّ دروز سورية لم ولن ينسوا "الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق أهلهم في الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة"، وأكد الأهالي أن انتماءهم الوحيد "لطائفة الشعب السوري الأبي".
من جانبهم، عبّر مواطنون سوريون من أبناء الطائفة الدرزية في القنيطرة عن آراء متباينة، فالبعض رأى الزيارة "حقاً شخصياً"، ومنهم من رآها في غير زمانها وظرفها الصحيح في ظل الاحتلال، فيما عبّر آخرون عن تأييد محدودٍ للخطوة، ورفض آخرون إدراجها في إطار "التطبيع والإذعان لإسرائيل والتخوين"، مؤكدين أنها لا تعكس موقفاً جماعياً.
وقال أبو ربيع (مزارع في الخمسينيات من العمر) من حضر لـ"العربي الجديد"، إن الزيارة ليست لإسرائيل، فالجولان أرضٌ سورية، والجليل أرض فلسطينية عربية في النهاية، موضحاً أنه "لدينا أقارب من الدرجة الأولى والثانية في الجولان والجليل المحتلَين، وهذه الزيارة لأهلنا"، متسائلاً: "لماذا لا ننتقد العرب السُّنة من الدول العربية الذين أبرمت دولهم اتفاقيات تطبيع وعلاقات مع إسرائيل وسفاراتها مفتوحة؟".
أمّا علي (45 عاماً) من حضر، فألقى باللوم على حكومة الشرع في دمشق قائلاً: "منذ أشهر، ونحن نناشد الحكومة لتوقف تدخلات إسرائيل، لكن لم تستجب لنا، وأصمت آذانها عن مناشداتنا. لماذا نبرة التخوين حصراً على الدروز؟ دولٌ عربية سنيّة مُواطنوها يسافرون إلى إسرائيل دون أن يُخوّنوا أو يُحاسبوا، ونحن الذين لنا قرابة وجذور في الأراضي المحتلة نُخوّن إذا زرنا أقاربنا!".
من جهته، رأى محمد (شاب في الثلاثينات) الذي يعترض على فكرة الزيارة، أن الوقت مبكر على مثل هذه الزيارات، لا سيّما أن البلاد تحت احتلال، لكنه لا يعتبر ذلك جريمة، قائلاً: "أنا لا أخوّن الزائرين، لكنني ناقم على الاحتلال، وهذا الشيء لا يمنع أن يكون هنالك تواصلٌ مع أهلنا". في المقابل، عبّر أبو حسن عن تحفّظه ورفضه القاطع للزيارة، قائلاً في حديث مع "العربي الجديد": "أنا لست ضد إخوتنا في الجولان، لكنّ الظرف السياسي الحالي لا يسمح بزيارات في ظل الاحتلال".
وأيّد كلام محمد، الشيخ أبو رامي، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "المشايخ بنسبة كبيرة يرفضون هذه الزيارة في ظل الاحتلال، ونحن سوريون نسباً وأرضاً، سواء في القنيطرة أو في الجولان. أقاربنا حافظوا على هويتهم السورية ورفضوا هوية الاحتلال التي رضي بها باقي أبناء الجولان من المكونات الإثنية الأخرى"، وأضاف الشيخ أن ما يخفى على جميع السوريين والعرب أن نسبة الدروز المجنّسين بالجنسية الإسرائيلية، والذين يخدمون في جيش الاحتلال ويوالونه لا تتجاوز عشرين بالمئة من باقي المكونات العربية التي أخذت الجنسية الإسرائيلية وتخدم في جيش الاحتلال، وأردف: "حتى العمالة العربية داخل الكيان والتي يروّج لها اليوم عندنا ويرفضها غالبية الدروز، فهي كبيرة بالنسبة للمكونات العربية الأخرى، فيومياً، وبحسب أقاربي، هناك مصريون وأردنيون من إخوتنا السّنة يدخلون ويخرجون إلى الأراضي المحتلة للعمل فيها، ولكنْ رغم رفضنا لكلّ ذلك بأغلبيتنا فإنّنا نُخوَّن لمجرد تصريح من وزراء الاحتلال لا دخل لنا فيه".
الجولان من 1967 حتى اليوم
احتلت إسرائيل الجولان السوري عام 1967، وشنت حملات تدمير وتهجير طاولت المنطقة من قرية فيق (مسقط رأس رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع)، حتى القرى الشمالية في الجولان، ليهاجر سكان 131 قرية (غالبيتهم من السُّنة)، فيما رفضت أربع قرى درزية (مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا، عين قنية) الهجرة والجنسية الإسرائيلية، ورفض سكان ثلاث قرى يقطنها أبناء الطائفة العلوية كالغجر، الهجرة، لكنهم قبلوا الجنسية الإسرائيلية، في وقت استمرت تظاهرات القرى الدرزية هناك من عام 1967حتى 1974. وعلى إثر ذلك، شنّت قوات الاحتلال موجة اعتقالاتٍ طاولت نساءً وأطفالاً ورجالاً وشيوخاً من هذه القرى، ومنعت حكومة إسرائيل حركة السفر بين الجولان وسورية.
وفي عام 1996 في عهد حافظ الأسد، كانت أول زيارة لدروز الجولان إلى سورية بعد اتفاقية سمحت بزيارات محدودة، وتكررت في عام 2000 خلال عهد بشار الأسد، وأيضاً عام 2013 بعد اندلاع الثورة السورية، إذ زار وفد من الجولان والجليل الأراضي السورية، وقام بجولة في المحافظات السورية كافة حينها.
