لم تعلن الحكومة السورية موقفاً بشأن الحرب النشطة التي تتبادلانها، إيران وإسرائيل، بعد أن بدأت الأخيرة بالعدوان. حتى كتابة هذه السطور صباح السبت، 21 يونيو/ حزيران الجاري، لم تستشعر دمشق حاجةً إلى قول شيءٍ في أمر هذه الحرب، على غير ما فعلت معظم الحكومات العربية، سيّما في دول الجوار، وقد دعت جميعُها إلى وقف الأعمال العسكرية، وعودة المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني. وأياً كانت الوجاهة في قول من يقولون إن لا نفع ملموساً للبيانات التقليدية مثل هذه، والتي درَج أن تُشهرَها حكوماتٌ قريبةٌ وبعيدة، في أحداثٍ من عيار الحرب المتحدّث عنها، وأقلّ منها حدّةً، فهذا لا يلغي القيمة الاعتبارية والسياسية لمواقف معلنةٍ تُبادر إليها الدول، سيّما فيما يخصّ وقائع لها أثرُها على الاستقراريْن، الإقليمي والدولي، وتضرب مجرياتُها وتداعياتُها في الاقتصادات والأمن والأمان في غير بلد. والقصفُ الجاري بالصواريخ بين إيران ودولة الاحتلال لا يُحدِث مفاعيله في المكسيك وجوارها، ولا في غينيا بيساو ومحيطها، وإنما في سورية وفلسطين والأردن والعراق أولاً، وليس تالياً في الخليج ومصر. ومن هذا الاعتبار، شديدِ البداهة، يُصبح مفترضاً من سورية، سيّما وأنها في مرحلة انعطافيةٍ وبالغة الحساسية، أن تقول شيئاً في الموضوع، وإنْ في البال أنه بالغ الفظاعة والروْع ما أحدثتْه إيران في الجسد السوري المُتعب، 14 عاماً في ظلال بشّار الأسد الذي والاها وارتضى أن يتبعها في كبائر وصغائر، ولا يدفع هذا إلى أي قسطٍ من التعاطف معها، وليس هذا هو المطلوب، وإنما المقصد والمقصود حضور سورية صاحبةَ موقفٍ يشدّد على الأخذ بالدبلوماسية بديلاً عن الحروب، وعلى أولوية الاستقرارعلى كل اعتبار.
ربما يجد صانع القرار في دمشق الصمت أجدى، والحيادَ أنفع، في الظرف الراهن. وقد يكون هذا اجتهاداً في محله، لكن التحسّب هنا من أن يشيع أن صمتاً وحياداً في هذا المقام يوحيان بالرغبة في أن تنتهي الحرب إلى غلبة إسرائيل وانتصار مشروعها في إزاحة النظام في ظهران، مع نجاحاتٍ في تدميرها مقدّرات بلاد فارس العسكرية والاقتصادية. وحاشا وألف حاشا، والعياذ بالله، أن ينحاز أهل سورية، حكّاما ومحكومين، إلى عدوّهم الأول، عدوّ الأمتين العربية والإسلامية، الكيان الذي يحتل أرضاً سورية، ويرتكب الفظاعات بحقّ أبناء فلسطين. وافتراضُ أمر كهذا مرفوضٌ أصلا، ذلك أن التشكيك، لا سمح الله، بوطنيّة السوريين، ممنوع، ولا يمكن التسامح مع كل من يخطر في مداركه ظنٌّ آثمٌ كهذا. ومن هذا المدخل، يكون نافعاً أن يأتي البيان المأمول من الحكومة السورية في شأن الحرب على صفة إسرائيل دولة عدوانٍ واحتلال، وأنها تعطي لنفسها الحقّ في رسم خرائط المنطقة كما تشتهي، ووفق منطقها، وأن سورية تتعرّض منها لاعتداءاتٍ واستباحاتٍ يدينها القانون الدولي. وفي الوقت نفسه، لن يغفل بيانٌ مثل هذا الإتيان على رفض كل مراوغات إيران، وكل ممارساتها التي تتوخّى منها تمدّد مشروعها الخاص في المنطقة، بالتدخّل في شؤون غير بلد، الأمر الذي كابد منه الشعب السوري المرَّ الكثير، وقاومه وانتصر على الآلة العسكرية الإيرانية التي ناصرت نظام الاستبداد والفساد في بلده. وفي الوسع أن يمضي البيان إلى أن سورية تتمنّى للشعب الإيراني الصديق الخير والتقدّم.
يتابع السوريون الحرب الماثلة، ويراقبون في سماء بلادهم عبور صواريخ طرفيْها، وينشدّون إلى تطوّراتها، فهم في طليعة المعنيين بها ومساراتها ونتائجها. وفي الوارد أنهم يتوقّعون من أهل الحكم والقرار في بلدهم أن يتخفّفوا من اعتصامهم بالصمت، ويجهروا بأن سورية من موقعها ومكانتها، وهي في قلب الأمة، لا تمالئ عدوّاً انتقاماً من عدوٍّ آخر، وإنما هي دولةٌ تضع مصالح شعبها أولوية الأولويات، ولا تُغادر انتسابها العربيّ المؤكّد، ولا تتخلّى عن مركزيّتها في العالم الإسلامي. ... وفي المبتدأ والمنتهى، لا تسلك الدول أمزجة الأفراد وأهواءهم، ولا قناعاتهم وخياراتهم، ذلك أنها الكيان الجامع الذي يدقّق في الحسابات والرهانات، ويوازن بين المقدّمات والنتائج، وينظر في المنافع والمخاطر. وصدوراً عن البديهية هذه، له كل الضرورة أن تقول الدولة السورية قولاً حكيماً ووطنيّاً وسياسيّاً وأخلاقيّاً في هذه اللحظة. ... وأهل مكّة أدرى بشعابها، أولاً وأخيراً.
