يفضّل سوريون في تونس الحفاظ على موطئ قدم فيها على الرغم من توفّر كلّ إمكانيات العودة إلى الوطن بعد إسقاط نظام الأسد، وذلك لأسباب أمنية وأخرى معيشية يرونها مقيّدة لعودتهم النهائية إلى سورية. وكان سقوط النظام السابق قد فتح الباب على مصراعَيه أمام السوريين لتحقيق حلمهم بالعودة إلى ديارهم، غير أنّ حماستهم خفتت مع استمرار الأزمات المعيشية في سورية، وتوتّر الأوضاع الأمنية بالساحل السوري في الأيام الأخيرة.
ومنذ عام 2011، توافد آلاف السوريين إلى تونس بطرق غير نظامية، هاربين من الحرب. وقد بلغ عدد القادمين من سورية آنذاك نحو أربعة آلاف شخص، بحسب بيانات منظمات المجتمع المدني في تونس، إلا أنّ العدد تضاءل مع الوقت بعد مغادرة أعداد منهم إلى بلدان أوروبية أو غيرها. وأفادت بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بأنّ عدد اللاجئين السوريين في تونس بلغ 2.332 لاجئاً، نصفهم تقريباً (1.159) من الإناث.
في هذا الإطار، أشار المواطن السوري وائل كانجو، المطّلع على شؤون مواطنيه في تونس، إلى أنّ "عدد السوريين هنا لا يتجاوز 1700"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أنّ "كثيرين منهم تمكّنوا، منذ سقوط النظام، من استخراج وثائق عبور من السفارة السورية وعادوا إلى مدنهم في إطار زيارات عائلية أو عودة نهائية". وأوضح كانجو أنّ "أوضاع السوريين المقيمين في تونس تختلف، ولا يمكن اختزال أسباب تأخّر عودتهم إلى الوطن بأسباب أمنية"، في إشارة إلى الأحداث الأخيرة في الساحل السوري.
وتابع كانجو أنّ "الأسباب المادية والتزامات العمل تمنع سوريين كثيرين، كذلك، من الرجوع"، موضحاً أنّ "عدداً كبيراً منهم أسّس أعمالاً في تونس وتصعب تصفيتها نهائياً". ولفت إلى أنّ "الأوضاع المعيشية في سورية وعدم توفّر الكهرباء وعدم صرف الرواتب قد تكون من ضمن الموانع التي تحول دون العودة النهائية". وأفاد، في سياق متصل، بأنّ "ثمّة سوريين مقيمين في تونس توجّهوا إلى بلادهم في زيارات مذ فُتحت الخطوط الجوية، لكنّهم عادوا مجدداً في انتظار حسم قرار إقامتهم".
من جهته، قال رئيس رابطة الجالية السورية في تونس خالد الحمصي لـ"العربي الجديد" إنّ مواطنيه "ينتظرون لحظة العودة إلى بلادهم بفارغ الصبر، منذ لحظة سقوط النظام، على الرغم من أنّ كثيرين اندمجوا اجتماعياً وأسرياً في تونس، وثمّة من أسّس مشاريع خاصة يتعيّن الحفاظ عليها كذلك". لكنّ الحمصي أوضح أنّ "قرار العودة يبقى شخصياً ويخضع لتقييم فردي؛ وكلّ بحسب أوضاعه المهنية والاجتماعية". وأضاف أنّه من جهته سوف يبقى مستقراً في تونس لإدارة مشروعه الخاص، مشيراً إلى أنّ "نقل أعمالي خطوة مؤجّلة".
في سياق متصل، أقرّ اللاجئ السوري، عبد الرحمن أحمد عبد الباسط، بأنّ "حلم العودة إلى سورية لم يفارقني منذ سقوط نظام الأسد"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "أفراد أسرتي الذين كانوا يقيمون في ألمانيا عاد معظمهم إلى مسقط رأسي في مدينة حماة (وسط)"، فيما هو ما زال يؤخّر عودته "لأسباب مادية". وأضاف أنّ الأحداث الأمنية التي وقعت أخيراً في الساحل السوري غربي البلاد "تؤثّر في حماستي بشأن العودة"، مبدياً قلقه إزاء "توسّع الخلافات الطائفية في سورية، الأمر الذي يعيد إليّ شبح الهجرة الأولى التي شتّت أسرتي بين أكثر من بلد بحثاً عن الأمان".
