سوريون يعبرون النهر... مسار حدودي وعر محفوف بالمخاطر

منذ ٦ أيام ١٤

كانت رحلة الوصول من مناطق الساحل السوري التي تشهد اشتباكات إلى بلدات شمالي لبنان محفوفة بالمخاطر، خصوصاً أنّ من عبروا النهر الكبير الحدودي بينهم الكثير من النساء والأطفال.
وصل أكثر من 7 آلاف شخص من سورية إلى شمال لبنان عبر النهر الكبير الحدودي هرباً من الاشتباكات الدامية في الساحل السوري، وأغلب الواصلين سوريون، ولا سيما من العلويين، إلى جانب نحو 40 عائلة لبنانية كانت تعيش في سورية، وسط ترقب لارتفاع الأعداد خلال الأيام المقبلة في حال استمرار الاشتباكات المسلحة.
ويواجه هؤلاء ظروف عيش صعبة في الأماكن التي لجأوا إليها، في ظلّ شحّ الدعم والمساعدات، والاعتماد على المبادرات ودعم المجتمعات المضيفة، التي فتحت البيوت وساحات البلديات والجوامع والمستودعات لاستقبالهم، وتحاول قدر المستطاع تأمين المستلزمات الأساسية من فرش وبطانيات ومواد غذائية ودواء.
وكانت محافظة عكار الوجهة الأولى بعد عبور الحدود غير الشرعية، رغم أنها تُعدّ من بين الأكثر تهميشاً وإهمالاً وفقراً في لبنان، بيد أن سكانها لطالما فتحوا بلداتهم أمام الباحثين عن بقعةٍ آمنة للعيش، واستقبلت آلاف اللاجئين إبّان الثورة السورية في عام 2011، وها هي تستضيف موجة لجوء جديدة، ولا سيما البلدات ذات الغالبية العلوية.

كانت عكار الوجهة الأولى للاجئين السوريين بعد عبور الحدود غير الشرعي

وبحسب غرفة إدارة الكوارث في عكار، توزعت حتى صباح الاثنين 1777 عائلة تضم 7616 لاجئاً على بلدات تلبيرة، وتلحميرة، والمسعودية، والعبودية، والسماقية، وحكر الضاهري، والعريضة، والحيصة، وضهر القنبر، وتلعباس الشرقي، والريحانية، وعين الزيت، والحوشب، والدغلة، والبربارة، إلى جانب مناطق أخرى في الشمال، على رأسها جبل محسن.
نزحت أميرة (23 سنة) من قرية الشيخ علي كاسون في منطقة سلمية بمحافظة حماة إلى الساحل السوري قبل نحو شهرين، ثم نزحت مجدداً إلى بلدة تلبيرة في عكار، وتروي لـ"العربي الجديد": "دخل علينا عناصر من هيئة تحرير الشام، وسألونا عن طائفتنا، فكان جوابي نحن واحد وسورية واحدة، فكرروا السؤال، فأجبنا أننا علويون. عندها هددونا بالقتل، ووضعوا المسدس على رأس ابن صاحب المنزل الذي كنا نقيم فيه، ثم قالوا إنه يُمنع البقاء في المنطقة، ويجب إخلاؤها فوراً".
وتشير أميرة إلى أنّ "الطريق إلى شمال لبنان كان صعباً، إذ اضطررت وابني وأقاربي إلى المغادرة بالثياب التي علينا من دون أخذ أي أغراض، وفي الطريق رأيت أشخاصاً مقتولين، مع تهديد أي شخص يفكر بالاقتراب منهم. سأبقى في لبنان إلى أن يفرجها الله، ونشعر بالأمان، حينها قد نعود، علماً أنه لم يعد لدينا منازل".
المسار نفسه، تخبر عنه وفاء التي خرجت من خربة الكراد، بعد تهديدات، ووصلت إلى عكار، بعد أن قطعت طريقاً مليئاً بالمشاهد القاسية.
بدورها، وصلت تغريد مع زوجها وطفلين توأمين يبلغ عمرهما خمسة أشهر إلى تلبيرة، وقد كان مسارهم غاية في الصعوبة نتيجة حملهما الطفلين، خصوصاً أنهم اضطروا إلى عبور النهر للوصول إلى البرّ. تقول: "كنت أقيم في ريف حماة، ومن ثم انتقلت إلى طرطوس، لكن نتيجة الأحداث الأخيرة نزحت من جديد، وفي النهاية قررت التوجه إلى لبنان، وعند وصولنا، لم يقصّر معنا الأهالي، وبذلوا محاولات كثيرة لمساعدتنا".
يفترش عددٌ من الأطفال الأرض في قاعة بلدية تلبيرة للنوم في ظلّ البرد القارس، ولا يزال الخوف يرتسم على وجوههم بعد ما رأوه من مشاهد دامية خلال طريقهم إلى الشمال اللبناني، عدا عن صعوبة الوصول إلى البرّ بعدما اجتازوا النهر، ومنهم من نجا من الغرق بعد تدخل أشخاص لإنقاذهم، لكونهم عاجزون عن السباحة.

بأعين لم تفارقها دموع الضياع والخوف، يصف أطفال يعيشون في مقام الشيخ محمد العجمي القريب من مبنى البلدية، والذي يضم عدداً من المقابر، كيف غادروا مسرعين تاركين كل أغراضهم وألعابهم في محاولة للنجاة، وهم اليوم يحاولون التعويض باللعب في الساحة، وتمضية الوقت لمحاولة نسيان ما رأوه من مشاهد ستبقى راسخة في ذاكرتهم.
وحرص الشبّان على عدم ذكر أسمائهم أو إظهار وجوههم تجنباً لأي تداعيات لاحقة، وهم يخبرون كيف تنقلوا من منطقة إلى أخرى خلال الأشهر القليلة الماضية، ثم وصلوا إلى محافظة طرطوس، قبل أن يتعرضوا لمداهمات وضرب وتهديد في الساحل السوري، كذلك قُتل العديد من المدنيين، نساءً وأطفالاً، أمام أنظارهم لمجرد انتمائهم إلى الطائفة العلوية، ما اضطرهم إلى الهرب نحو لبنان، ويطالب بعضهم بحماية دولية، باعتبار أنها الوحيدة القادرة على حمايتهم.
وصل السوري جعفر من ريف حمص الغربي إلى بلدة الحيصة العكارية، ويقول إنّ كثرة المشاكل الأمنية والمداهمات دفعته إلى مغادرة سورية إلى شمال لبنان. ويوضح: "لا أتمنى أن يعيش أحد ما عشته في الطريق إلى هنا، سواء التهديدات أو الإساءة إليّ وإلى طائفتي العلوية. غادرت منفرداً، وأنا اليوم وحيد في بلدة الحيصة، ولم يتمكن أهلي من المجيء معي، وأنا بدوري غير قادر على العودة إليهم في ريف حمص".

في ساحة بلدية الحيصة، تفترش عدد من العائلات الأرض، ومنهم من يجلس على موائد مخصّصة لتناول الطعام، الذي إما أعدوه بأنفسهم، وإما وصلهم عبر مبادرات فردية عملت على إعداد الطعام وتوزيعه على اللاجئين الجدد، من دون أن تغيب أنظارهم عن شاشات الهاتف لمتابعة الأخبار ومستجدات الأحداث، وسط شعور بالغضب من مشاهد القتل التي ارتكبت بحق المدنيين.
يقول السوري نادر إنه غادر ريف حماة الشرقي نتيجة الإشكالات والاعتداءات التي تحصل، والتي تشمل استيلاء على منازل، موضحاً أنهم تعرضوا في أثناء رحلتهم لإطلاق نار قرب الحدود، وقتل 3 منهم بذريعة أنهم من فلول النظام، علماً بأن الجميع كانوا من المدنيين.
يضيف: "ليس الشعب كله من فلول نظام الأسد، والمجازر ارتكبت في كل القرى تقريباً، وقد غادرت مع عائلتي تحت تهديد الرصاص، والغالبية وصلوا سيراً على الأقدام من حمص إلى طرطوس، والبعض جاؤوا من الشام هرباً من المطاردات والمجازر التي ترتكب".
من جانبه، يقول رئيس بلدية الحيصة، محمد حسين، إن "أكثر من ألف شخص موجودون في البلدة، وقد وصلوا إليها من شرق حماة ومن الساحل وغيرها، ونحاول قدر الإمكان تأمين كل المستلزمات من بطانيات وفرش ومواد غذائية، وحتى الساعة لم تسجل أية توترات أمنية في المنطقة".
بدوره، يقول رئيس بلدية تلبيرة (سهل عكار)، عبد الحميد صقر، إن "عدد اللاجئين المسجل يقترب من 1400، لكن هناك أشخاص غير مسجلين أيضاً، ما قد يرفع العدد إلى 1500، والناس يتوزعون على 12 بلدة حالياً. من لجأوا إلى تلك البلدات يشعرون فيها بالأمان، وخصوصاً القرى التي يوجد فيها علويون. هؤلاء إخوتنا، وهناك علاقات مصاهرة معهم، وهم يأتون للبقاء عند أهلهم وأصهارهم. الناس هربوا عبر الحدود ووصلوا إلى الأنهار، وخصوصاً النهر الكبير الفاصل بين لبنان وسورية، في ظل ما تعرضوا له على الطرق وفي المنازل، ونحن مضطرون إلى أن نقدم ما بوسعنا لمساعدتهم".

ويشير صقر إلى أن "هناك عائلات لبنانية بين اللاجئين، وهؤلاء كانوا يقيمون في سورية لعشرات السنين، وكانوا مستهدفين أيضاً، فالأزمة هي الاستهداف على أساس الهوية، بغضّ النظر عما إذا كان سورياً أو لبنانياً. البلدية قدمت القاعة للسكن، ولم تتمكن من تقديم المدارس، لأننا حالياً في خضم عام دراسي، وقدمنا أيضاً قاعة المسجد، وهناك مقامات فتحت أيضاً، وهم ينامون في الغرف التابعة لها، وهناك عائلات فتحت بيوتها لهم".
ويلفت إلى أن "النزوح بدأ قبل شهرين، لكنه كان خفيفاً، وأكثر القادمين كانوا من ريف حماة وريف حمص، وفي الأيام الماضية تزايد أعداد القادمين من الساحل السوري بعد الأحداث الأخيرة، وبدورنا قدمنا ما أمكن من بيوت وأماكن إيواء، وبمبادرات وتبرعات فردية، وأجرينا اتصالات عبر محافظ عكار عماد اللبكي، وحصلت اتصالات مع الصليب الأحمر، وبدأت بعض الجمعيات بالتواصل معنا، لكن مفوضية اللاجئين لم تتدخل بعد، ونطالبها بالتحرك لمساعدة اللاجئين الجدد. أتمنى أن تهدأ الأمور سريعاً، خصوصاً أنه لا قدرة لدينا على استيعاب أعداد إضافية من اللاجئين، وهناك مطالبات بتدخل دولي لحماية الأقليات، ومنهم أبناء الطائفة العلوية".

قراءة المقال بالكامل