"سيكو سيكو"... إيرادات شبّاك تذاكر ينافس فيه فيلم واحد

منذ ٨ ساعات ٤٩

مرة أخرى، أثبتت السينما المصرية حاجتها إلى الأفلام الشبابية والأسماء الجديدة، بعد النجاح الاستثنائي لفيلم "سيكو سيكو" للمخرج عمر المهندس، الممتد عرضه من موسم عيد الفطر الماضي إلى أيامنا هذه.
تحول الفيلم إلى ظاهرة سينمائية أكثر من كونه فيلماً تجارياً ناجحاً، إذ دخل المنافسة بتوقعات منخفضة نظراً إلى عدم اعتماده على الأسماء السينمائية التقليدية المسيطرة على شبّاك التذاكر السينمائي المصري لسنوات، وأنهى المنافسة بإيرادات هي الأعلى عام 2025 حتى الآن.

أول الأسباب التي تجعل فيلم "سيكو سيكو" أحدث ظاهرة سينمائية هذا العام، هو منافسته في شبّاك التذاكر في ثلاثة مواسم عرض متتالية، في سابقة لم تحدث في السنوات الأخيرة. بدأ الفيلم رحلته في موسم عيد الفطر في منافسة سهلة مع أفلام قليلة وضعيفة إنتاجياً، أبرزها الفيلم الشبابي أيضاً "نجوم الساحل"، واكتسح "سيكو سيكو" سباق الإيرادات وقتها، ما جعله مستمراً في دور العرض إلى ما بعد موسم عيد الفطر وحتى موسم عيد الأضحى الأخير وبداية موسم الصيف. اللافت أيضاً أن "سيكو سيكو" استمر في جذب الجمهور رغم تغير الأفلام المتنافسة معه في صالات السينما. وحتى الآن، يحتل الفيلم المركز الرابع في قائمة الإيرادات بما يقارب 200 مليون جنيه مصري، خلف فيلم "المشروع X" لكريم عبد العزيز، وفيلم "ريستارت" لتامر حسني، وخلف الفيلم المعروض حديثاً في بداية الموسم الصيفي "في عز الضهر".

إضافة إلى ذلك، عُرض الفيلم على إحدى المنصات الرقمية في موسم عيد الأضحى، تزامناً مع استمرار عرضه في السينما، وهي ظاهرة تحدث لأول مرة أيضاً، ربما لعدم توقع صناع الفيلم هذا النجاح للفيلم في شبّاك التذاكر، ما جعلهم يبيعون حقوق عرضه رقمياً مبكراً، وأصبح بذلك الفيلم متوفراً على الإنترنت وفي السينما في وقت واحد. ومع ذلك، لم يُرفع من دور العرض، واستمر في تحقيق الإيرادات، فماذا لو لم يعرض رقمياً مبكراً؟

رغم ذلك، لم يحقق الفيلم طفرة فنية، وجاء جزء كبير من نجاحه للضرورة فقط، فطوال فترات عرضه لم يشهد منافسة قوية، حتى أن موسم عيد الأضحى، وهو أقوى موسم سينمائي مصري، عُرض خلاله فيلمان فقط، أي العدد الأقل من الأفلام منذ سنوات طويلة، والضرورة الأخرى جاءت لاحتياج جمهور الشباب إلى أفلام سينمائية بأبطال أكثر قرباً منه، وكوميديا بوجوه جديدة وبروح "تيك توك"، بعد انتهاء بريق معظم نجوم الكوميديا في السينما في السنوات الأخيرة، من جيل محمد هنيدي وأحمد حلمي، وصولاً إلى جيل "مسرح مصر".

يتشابه فيلم "سيكو سيكو" مع فيلم "الحريفة"، الذي بدأ الموجة الشبابية الأخيرة في السينما، من ناحية ظروف العرض وطريقة صنع هذه الأفلام، مثل اختيار مجموعة متنوعة من الممثلين الشباب، واختيار مواعيد عرض بعيدة عن أفلام الميزانيات الضخمة، وأخيراً في الابتعاد عن تقديم أعمال كوميدية خالصة، وتقديم محتوى سينمائي مناسب لثقافة التشجيع، التي تجذب الشباب والمراهقين إلى دور العرض، مثلما حدث في فيلم "الحريفة"، بتقديم قصة عن رحلة صعود مجموعة من الأصدقاء المراهقين من طبقات اجتماعية متباينة إلى الفوز بأكبر بطولة كرة القدم، في كوميديا أغلبها ناتج عن الفروقات الطبقية بينهم. السياق نفسه في فيلم "سيكو سيكو"، ولكن بعيداً عن كرة القدم أو حياة المراهقين، إذ يدور العمل حول رحلة شابين يسعيان إلى التصرف في كمية ضخمة من المخدرات، تركها لهما عمهما وصيةً قبل وفاته، وجاءت لتنقذهما من حياتهما الوظيفية التعيسة. ففي "الحريفة"، شكل الأصدقاء فريقاً كروياً من مختلف الطبقات من أجل هدف واحد وهو الفوز بالمكافأة المالية، أما في "سيكو سيكو" فشكل الأصدقاء فريقاً من مختلف الطبقات الاجتماعية أيضاً، ولكن من أجل بيع المخدرات بابتكار، وهي رحلة مليئة بالمخاطر والتحديات، وتحفز على التفاعل والتشجيع مثل مباراة كرة قدم أيضاً.

منح صنّاع الفيلم مساحة لنجوم الجيل الجديد في السينما، وعلى رأسهم عصام عمر وطه دسوقي، بعد مسيرة تدرّجا بها في الأدوار في المسلسلات والسينما، وأثبت العمل أيضاً أهمية البطولات الجماعية والتعاون بين نجوم الجيل الجديد، على العكس من سياسة البطولات المنفردة في الأجيال الأقدم، وهي السياسة التي تسببت في قلة عدد الأفلام وعدم ظهور أجيال جديدة بمعدلات منتظمة في السنوات الأخيرة، ويظهر ذلك في عدم وجود جيل وسط في السينما، وتتضح هذه الفجوة في شكل المنافسة الحالي بين كريم عبد العزيز الذي يقدم البطولة السينمائية بشخصيات شابة منذ 2001، وبين عصام عمر الذي نال أول بطولة سينمائية في 2024.

الملاحظة اللافتة أيضاً هي اتجاه غرفة صناعة السينما أخيراً إلى الكشف عن عدد التذاكر المبيعة لأول مرة، مبينةً، من دون قصد، عن آثار التضخم وتناقص عدد صالات السينما والجمهور في مصر في السنوات الأخيرة، بعد معرفة أن مليون ونصف مشاهد لـ"سيكو سيكو" في السينما، جعلوا العمل في المركز الثاني في قائمة أعلى الأفلام المصرية تحقيقاً للإيرادات في التاريخ بما يقارب 200 مليون جنيه، وفي حال اعتبار أن جمهور "سيكو سيكو" يختلف عن جمهور "المشروع X"، فإن جمهور السينما في مصر لا يتجاوز مليوني مشاهد، في بلد تعداد سكانه يتجاوز 100 مليون مواطن.

التضخم وغياب السينمات الشعبية في مصر يجعلان فيلم "سيكو سيكو" في المركز الثاني بمليون ونصف مشاهد، فيما الفيلم الأكثر نجاحاً سينمائياً في العصر الحديث "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، وحقق ما يقارب 25 مليون جنيه من تسعة ملايين تذكرة تقريباً في 18 أسبوعاً، وعرض في 1998، ما يجعلنا نتساءل: هل نعتبر تحقيق فيلم شبابي لهذا الرقم إنجازاً سينمائياً ودليلاً على ازدهار السينما المصرية، أم نعتبر الرقم فقاعة تخفي عزوف الجمهور عن السينما بسبب قلة عدد التذاكر بفعل التضخم والأزمة الاقتصادية.

قراءة المقال بالكامل