في "منال عيسى 2024"، للفرنسية إليزابيت سوبران، تتساءل الممثلة اللبنانية الفرنسية عيسى، قبل أيام قليلة من تفجّر الأوضاع في لبنان، عن دور الممثل في الصراعات التي تسود العالم. والفرنسية صوفي برِدييه تُصوّر، في "ضوّ عيوني"، محمود، الذي أصيب في الثورة المصرية، فتشوّه وجهه، وهو يفقد بصره تدريجياً. إنّها عيون عدّة: عينا الشخصية التي لم تعد ترى، وعيون أولئك الذين ينظرون إليها. بينما ركّزت الأميركية، المقيمة في باريس، ماري فالنتاين ريغان، عدستها على الشاعرة والأديبة والفنانة التشكيلية اللبنانية الأميركية إيتيل عدنان، قبل رحيلها، لتقدم صورة تعبيرية لفنانة منغمسة في فنها والعالم، في "عدنان، الوجود والزمن". لا تركيز على الأنا، بل تساؤلات لعدنان عن معنى أنْ تكون حيّة، وأنْ تعايش تجربتي الكارثة والزمن.
ثلاثة أفلام تهتمّ بشخصيات مُعبّرة بخصوصيتها عن هذا العالم، من 37 فيلماً، من دول مختلفة، تعرض الإبداع الوثائقي المعاصر بكلّ تنوّعه، في عروض أولى، عالمية أو دولية أو فرنسية، في مسابقة الدورة الـ47 (22 ـ 29 مارس/آذار 2025) لمهرجان "سينما الواقع".
في برنامج "أربعة صانعي أفلام، ردود فعل"، خيارات محدّدة بتساؤل عن الآفاق، في ظلّ غياب التوقّعات. كُرّس فيه للّبناني غسان سلهب خمس ورشات، تعرض أفلاماً قصيرة وطويلة له: "ما بعد" (2007)، الذي حقّقه بعد فترة قليلة من الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، و"1958" (2009)، عن ولادة طفل في السنغال (المخرج نفسه) تزامناً مع بوادر حرب أهلية في بلد المنشأ لبنان، و"وردة" (2019)، الذي يستعيد قول روزا لوكسمبورغ "في وسط الظلام، ابتسم للحياة، وهو يعبر صور شارع، ساحة، محطة مترو، جسر، جسر للمشاة، نفسه الذي ألقيت منه جثتك، يحمل الآن اسمك"، و"حبر صيني" (2016)، و"النهار والليل" (2020)، وفيه تساؤل عن انتهاء الاحتجاجات في لبنان، و"الآن" (2021).
عروضٌ أخرى، تليها نقاشات مع سلهب لفيلمين: "المنام" (1987) للسوري محمد ملص، المُصُوَّر في مخيمات فلسطينية في لبنان (شاتيلا وصبرا وبرج البراجنة وعين الحلوة) قبل الغزو الإسرائيلي، وينقل ما يقوله الفلسطينيون عن أحلامهم، وهذه أشياء من عالمهم الداخلي، كما تعيد المخيمات إنتاج أزقة ومنازل القرى الفلسطينية؛ و"مجرّد رائحة" (2007) للّبناني ماهر أبي سمرا، عن حرب 2006 نفسها، ووصول سفينة تحمل مساعدات إلى بيروت المحاصرة، التي تلفّها رائحة الموت، ويشيد مكبر الصوت بالركاب الذين يساعدون السكان على انتشال الجثث من بين الأنقاض.
بحسب منظّمي المهرجان، اختير سلهب لانتمائه إلى عالمٍ سادته الفوضى والدمار عقوداً عدّة. وبينما كان الجيش الإسرائيلي يقصف غزة وجنوبي لبنان ومرتفعات الجولان، وفلسطين تشهد مجدّداً كارثة إنسانية حقيقية، ردّ السينمائي على سؤال لهم عن حاله، بأنّه مهزوم، لكنّ ليس مستسلماً. هكذا قرّر المنظّمون طرح سؤال الفعل، مع فكرة أنّ الفعل، في الوقت نفسه، اعتراف بخيبة أمل إزاء عدم فعالية الفنّ، ومحاولة تقديم عناصر إجابات بتبنّي نهج سياسي عبر النصوص والأفكار والإيماءات والصُور. فهل لا يُمكن لكل شيء، في نهاية المطاف، أنْ يولد مجدّداً من بين الأنقاض؟ يتساءل المنظّمون.
في "سينما الواقع 2025"، عروض عدّة لأفلامٍ حديثة أُنتجت العام الماضي: عروض ما قبل إطلاق الفيلم في الصالات، عروض أولى لأفلام فرنسية نالت استحسان مهرجانات فئة أولى، إنتاجات جديدة، لقاءات خاصة مع صناع الأفلام الشباب وذوي الخبرة. صُمّمت العروض الخاصة لتكون منصّات لإطلاق الأفلام قبل عرضها في الصالات، أو بثّها التلفزيوني، وتجمع بين جمهور المهرجان وضيوفه وشركائه. منها: "ألف يوم ويوم للحاج إدمون" (2024) للمغربية الفرنسية سيمون بيتون، عن الكاتب والصحافي والناشط الشيوعي إدمون عمران المالح، الذي له أعمال أدبية غزيرة، يُجسّد فيها، ببراعة، الذاكرة الشخصية والجماعية. يتضمّن الفيلم مقتطفات من نصوص وشهادات وصُور أرشيفية، وكلمات المخرجة نفسها، تبرز ذكرى رجل مُحبّب وواسع المعرفة، ومأهول بالمآسي التي يرسمها الفيلم بالتوازي مع رحيل اليهود من المغرب، وخروج الفلسطينيين من أرضهم.
هناك أيضاً "إسرائيل فلسطين في التلفزيون السويدي بين 1958 و1989"، للسويدي غوران هوغو أُلسون، عن تلك الفترة التي شهدت تقارير نادرة في "هيئة الإذاعة والتلفزيون السويدية العامة (SVT)" لمراسلين حاضرين باستمرار في المنطقة، وثّقوا الحياة اليومية والأزمات الدولية.
