فنانان مغربيان ينتميان إلى جيلٍ واحد ولديهما منظوران معاصران متمايزان للفنون الإسلامية والمغربية منها على وجه الخصوص، من خطوطٍ وزخارف وهندسة وأرابيسك، بالإضافة إلى اختلاف أسلوبهما والوسائط المستخدمة كما يعكسها معرضهما " شفافية" الذي يحتضنه "مطافئ: مقر الفنانين" في الدوحة.
المعرض الذي ينظّمه "غاليري المرخية" لخالد البكاي (1966) وحكيم الغزالي (1963) افتتح مساء الثلاثاء الماضي، ويمثّل حواراً بين تجربتين تمزجان بين الواقع وعوالم روحانية وتعيدان إنتاج مفاهيم ترتبط بالهوية وعلاقة الشرق بالغرب والتقاليد والحداثة.
في أعمال البكاي لا تغيب الشجرة أو أثرها بدلالاتها الجمالية المتعدّدة والمستمدّة من غابات البامبو الصينية، والتي ربّما تتمايل وتصعد إلى السماء كأجساد بشرية، وهي ترمز أيضاً إلى المعرفة وحقائق الوجود والتوق إلى الخلود وغيرها.
الأشجار بأوراقها وغصونها المتشابكة مفردة أساسية، وكذلك الكتابات المأخودة من الأبجدية الصينية والعربية باستعمال تقنية الكولاج، حيث الورق الأبيض والرمادي ومواد مختلطة في هذه الأعمال، مع إبراز لتدرّجات اللون الأصفر والأخضر والأحمر والأسود والأخضر وسواها.
ينتميان إلى جيلٍ واحد ولديهما منظوران متمايزان للتراث
في تقديم البكاي، يستعير المنظّمون مقولات الشاعر والناقد الفلسطيني الراحل محمد الأسعد، ومنها "لا يُذكّر بغيره، هذا انطباعٌ أوّل يثيره الفنان المغربي خالد البكاي في ذهن من يشاهد أعماله الفنية، إلّا أنه سيلمح وراء هذا جهداً يحاول فيه صاحبُه ألّا يُحيل إلّا إلى نفسه أيضاً، تتجلّى هذه المحاولة في إحالة من يشاهد آخر تجاربه فوراً إلى تقانة الرسم والخط الصينيَّين، من ناحية اعتماد المنظور العمودي، ومن ناحية مادة اللوحة، أعواد وأوراق أشجار الخيزران، مجموعة ومنفردة في الفضاء، تتماوج كأنما تمرّ بها نسمات رقيقة".
ويضيف "نجد عمله الفني بعد ما يقارب ثلاثين عاماً، مزيجاً ثقافياً بين ما هو شرقي وغربي، إلّا أنّ شرقيته هي الأكثر خصباً في فنّه"، في إشارة إلى صفاء اللون الأقرب إلى المناخات الشرقية وكذلك ما يقوله الفنان نفسه عن أعماله باعتبارها حوار مع التراب.
مقابل ذلك، تحضر الجدران في لوحات الغزالي في أشكال مختلفة فتارة يرسمه أسود اللون فيه خطوط ذهبية، وتارة أخرى بألوان زاهية، في عوالم تجريدية مفتوحة على الغموض وتجلّي روحي، لذلك يلجأ إلى الحروفيات التي تبرز الفضاءات الصوفية وتعزّز مفاهيم الأبدي والمطلق.
في هذه الفضاءات تتناغم دواخل الإنسان وعوالمه الداخلية مع الخارج بواقعيته وماديته؛ جدلية يكّرسها تكوين عدد من الأعمال التي تنقسم إلى مساحتين متداخلتين في الشكل مع تباين حاد في اللون.
يلفت الناقد والباحث السوري طلال معلا في تقديم المعرض إلى أن "المقاربة بين الجدران، جدار الكهف الأول، جدار الضمير، جدار النور، إشكاليات يطرحها الفنان حكيم الغزالي في البحث عن جوهر ذهني يماثل الحقيقة، مخترقاً المناظير التي تفترض العلم بما نعمل، فاسحاً الإمكانية لتوقع لا يحاول التنبؤ به بقدر ما يحاول إيجاد شروط رؤيته، عبر تفكيكه لا بإطلاق استحالة رؤيته".
ويتابع "وعلى هذا الأساس، فإن الجدران التي يبدعها الغزالي تشكل تناصاً نورانياً مع النصوص الجمالية التي يراها في أجزاء جدران الذاكرة الواقعية، التي تنكشف في تلويناتها على القوة الإبداعية المنزاحة من موقف الملاحظ إلى موقف المجوهر لحقائق معجونة بالأحلام والأساطير والحكايات، يفككها إلى عبارات بصرية متناهية في الصمت الصارم، الذي يستقل في كليته وتكامله، ليشكل حالات تشخص ذاتها وتجردها في آن معاً".
