شهادات عن تنكيل الاحتلال بأهالي عزون الفلسطينية.. تعرية وضرب وتحقيق

منذ ٣ ساعات ١٤

سبع ساعات من الرعب عاشتها بلدة عزون شرق قلقيلية شمال الضفة الغربية، بعد أن اقتحمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منتصف فجر أول أمس الثلاثاء، في عملية عسكرية هي الأوسع منذ 23 عاماً، شملت اعتقالات جماعية، وتحقيقات ميدانية، وتخريب منازل، وإغلاق كل مداخل البلدة، وضرب شديد، ولم ينس الأهالي ما حدث من معاناة وانتقام.

في ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء، داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل بلال اسليم (38 عاماً)، إمام مسجد عزون الكبير، وعاثت فيه خراباً، محطمة محتوياته بالكامل، قبل أن تعتقل اسليم وابنه يوسف (18 عاماً)، الطالب المتفوق في الثانوية العامة. يصف اسليم لـ"العربي الجديد" ما جرى قائلاً: "اقتحموا المنزل وحطموا كل شيء، ثم نزعوا ملابس ابني يوسف بالكامل، ولم يتركوا له سوى ملابسه الداخلية، وأبقوه في البرد القارس حتى الساعة الثامنة إلا ثلثاً صباحاً". لم يكن يوسف وحده من تعرض لهذه الإهانة، بل أجبر جنود الاحتلال شاباً آخر، وهو محمد طاهر، على التعري أيضاً، متجاهلين قسوة الطقس.

لم تقتصر الانتهاكات على ذلك، بل تعرض اسليم للضرب المبرح منذ لحظة اعتقاله، حيث يقول: "بعدما قيدوا يدي وعصبوا عيني، أجبروني على الانبطاح أرضاً في منزلي، ثم على وجهي، قبل أن يصعد عدد من الجنود على ظهري ويبدؤوا بالقفز عليه بأحذيتهم العسكرية بهدف كسره، لقد نجوت من الكسر بأعجوبة، لكنني أصبت برضوض مختلفة". لم ينتهِ العنف عند هذا الحد، فقد واصل جنود الاحتلال ضرب بلال أثناء اقتياده إلى مركز التحقيق الميداني الذي أقاموه شمالي البلدة، حيث تعرض لمزيد من الضرب والإهانة، فيما يؤكد اسليم أن ما جرى بحقه وبحق ابنه لم يكن سوى "عملية انتقامية".

"لم يشفع لي عمري"

عضو بلدية عزون، رياض اسليم، البالغ 66 عاماً لم يسلم من تنكيل قوات الاحتلال الإسرائيلي، التي اقتحمت البلدة وشنّت حملة مداهمات واسعة استهدفت منازل السكان، من دون تمييز بين شاب أو مسنّ. يقول اسليم لـ"العربي الجديد": "الاحتلال داهم المربع السكني الذي أعيش فيه مع أقاربي، فتّش المنازل، واعتقل الشبان والرجال". لم يكن اسليم وأحد أبنائه بمنأى عن الحملة، إذ تم اعتقالهما، وتقييد أيديهما، وتغطية أعينهما، قبل أن يُقتادا إلى مركز التحقيق الميداني، وهناك، احتُجز مع نحو 200 معتقل، تعرضوا لتحقيق ميداني استمر قرابة سبع ساعات، قبل أن يُطلق سراحهم وهم ما زالوا معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي. 

يروي اسليم كيف أجبرهم جنود الاحتلال على السير بهذه الحالة، ثم ألقوا قنابل الصوت لترهيبهم وإيقاعهم أرضاً. يقول اسليم: "لم يراعوا البرد، ولا كبر السن، ولا أي شيء، لقد رأيت أحد المعتقلين يصطدم بعمود كهرباء ويسقط، فانهال عليه الجنود بالضرب". يؤكد اسليم أن ما جرى في عزون لم يكن سوى "عملية تخويف وترهيب"، مشيراً إلى أن المستوطنين نشروا عبر مواقعهم صوراً توثق التنكيل بسكان البلدة، في تأكيد أن هذه الانتهاكات تهدف إلى إرضائهم.

ضرب مستمر

لم يكن عقبة حواري (39 عاماً) يتوقع أن يتم ضربه أمام منزله من قبل قوات الاحتلال، خلال اقتحامها عزون، وعصبت عينيه، وقيدته، قبل أن تنقله إلى إحدى الجيبات العسكرية، حيث تعرض للضرب. يقول حواري لـ"العربي الجديد": "لم يكتفوا بذلك، بل نقلوني إلى مركز التحقيق الميداني المقام شمال البلدة، وهناك واصلوا ضربي"، مؤكداً أن ما جرى لم يكن سوى "انتقام وحقد"، من دون أي مبرر.

عزون: اقتحام غير مسبوق منذ 23 عاماً

يروي رئيس بلدية عزون، فضل حواري، تفاصيل ما جرى في حديث لـ "العربي الجديد"، قائلاً: "نحو الساعة 12 منتصف الليل، اقتحمت قوات الاحتلال البلدة من عدة محاور، وأغلقت كل المداخل، حيث انتشر أكثر من 500 جندي في الأحياء، وبدؤوا بحملة مداهمات واسعة للمنازل، وتخريب محتوياتها". ووفق حواري، فإن قوات الاحتلال داهمت المنازل بعنف، وحطمت محتوياتها، وأخضعت السكان لتحقيق ميداني، قبل أن تعتقل حوالي 200 مواطن، بينهم كبار في السن، مشيرًا إلى أن جميع المعتقلين نُقلوا إلى منطقة قرب البوابة الحديدية المقامة عند معسكر الجيش الإسرائيلي في المدخل الشمالي للبلدة، حيث خضعوا لتحقيق ميداني قاسٍ، وأجبر بعضهم على خلع ملابسهم رغم برودة الطقس القاسية.

وإلى جانب حملة الاعتقالات، يؤكد رئيس بلدية عزون أن قوات الاحتلال فجّرت عبوات ناسفة داخل منزل قيد الإنشاء. نحو 500 جندي من قوات الاحتلال شاركوا في الاقتحام، مستخدمين 40 آلية عسكرية، ومدرعتين ثقيلتين من نوع (جنزير)، إضافة إلى جرافة عسكرية ضخمة، وهو مشهد عسكري غير مسبوق منذ 23 عامًا.

وبعد ساعات من الاعتقالات والتحقيقات الميدانية، أفرجت قوات الاحتلال عن معظم المعتقلين، فيما بقي 10 مواطنين رهن الاعتقال، بينما تعرض بعضهم للضرب العنيف أثناء الاعتقال والتحقيق، مما أدى إلى إصابة اثنين منهم برضوض وكسور، استدعت نقلهما إلى المستشفى لتلقي العلاج.

إجراءات مشددة منذ السابع من أكتوبر 2023

وتعيش عزون أجواء اقتحامات متكررة شبه يومية، تحت إجراءات إسرائيلية خانقة منذ سنوات، حيث يشير رئيس البلدية إلى أن مداخل البلدة الأربعة مغلقة أو تخضع لقيود مشددة، على النحو التالي: المدخل الشرقي مغلق منذ 25 عامًا، والمدخل الشمالي مغلق تمامًا منذ 7 أكتوبر 2023، من دون أي إشارات على إعادة فتحه، والمدخل الغربي يشهد وجود حاجز عسكري دائم، حيث يتعرض السكان لتفتيش ومضايقات يومية، والمدخل الجنوبي هو الوحيد الذي يمكن استخدامه، لكنه يخضع لرقابة مستمرة.

ويوضح حواري أن عزون تعيش تصعيدًا إسرائيليًّا غير مسبوق منذ 7 أكتوبر 2023، حيث أسفرت الاقتحامات والاعتداءات المتكررة عن استشهاد 12 مواطنًا من البلدة، واعتقال نحو ألف شخص، لا يزال 176 منهم أسرى في سجون الاحتلال، وإصابة 20 مواطنًا خلال المواجهات أو الاعتداءات الإسرائيلية.

وتعتبر عزون البالغ عدد سكانها نحو 12 ألف نسمة، من البلدات الفلسطينية المتضررة من الاستيطان، إذ صادر الاحتلال آلاف الدونمات من أراضيها لصالح المستوطنات، كما أن الشارع الاستيطاني (55) يخترق مساحات واسعة من أراضيها.

قراءة المقال بالكامل