عاش الصحافيون في قطاع غزة اللحظات الأولى لدخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بمزيج من الاحترافية المهنية في مواصلة تغطيتهم الميدانية غير المنقطعة منذ بداية العدوان رغم التأثر الشخصي بعد أن تحولوا خلال المقتلة من ناقلين للأحداث إلى جزء لا يتجزأ من المعاناة اليومية.
وبات بإمكان الصحافيين الفلسطينيين التقاط أنفاسهم، وخلع الخوذ والسترات الزرقاء الثقيلة التي باتت جزءاً من أجسادهم على مدار أيام الحرب، وأخذ قليل من الراحة، بعد أن توقف القصف المتواصل، وهدأت فوهات البنادق والآليات الحربية، على الرغم من تواصل عملهم الميداني في تغطية التبعات الكارثية التي خلفتها المجازر الإسرائيلية على مدار ما يزيد عن خمسة عشر شهراً.
ويتابع الصحافيون رصد أجواء الفرح المترافقة مع بدء سريان الاتفاق وتوثيقها، على الرغم من ثقل المسؤولية التي ألقيت على أكتافهم منذ بداية العدوان، والتي خسروا خلالها مقار عملهم و205 من زملائهم، نتيجة الاستهداف المباشر، علاوة على تهالك معداتهم جراء التدمير والاستخدام المتواصل دون القدرة على تجديدها أو تطويرها.
وفي المقابل يتجه الصحافيون مع اللحظات الأولى لدخول الهدنة حيز التنفيذ إلى المواقع المتضررة لرصد حجم الدمار وتوثيق الحياة وهي تحاول النهوض من تحت الركام، وينتشرون في الأماكن العامة والأسواق والطرقات لرصد ردات فعل الناس مع عودة الحياة تدريجياً، وقد تبدل عملهم من تغطية مشاهد القصف والدمار إلى تغطية قصص الأمل، مثل عودة العائلات إلى منازلها وفتح المحال التجارية.
#شاهد | تكبيرات النصر تعلو في شوارع #غزة فرحاً وابتهاجاً ببدء تنفيذ وقف إطلاق النار pic.twitter.com/ryhsrZYfE0
— العربي الجديد (@alaraby_ar) January 19, 2025وإلى جانب ذلك يتطلع الصحافيون الذين فقدوا معداتهم وكاميراتهم وأجهزة البث والإرسال ولم يتمكنوا من استبدال التالف منها بفعل الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر إلى توفير بدائل وتحسين البنية التحتية الإعلامية التي من شأنها إعانتهم على مواصلة التغطية والزخم الإعلامي اللازم لمواكبة تنفيذ بنود الصفقة وتصوير الحياة اليومية للفلسطينيين.
يقول الصحافي ومدرب السلامة المهنية، سامي أبو سالم، إن العدوان الإسرائيلي منذ خمسة عشر شهراً ساهم في إغفال الصحافيين لحياتهم اليومية بفعل انهماكهم في تغطية تفاصيل ومجريات الإبادة اليومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، والمجازر اليومية، ومشاهد الدماء والشهداء والأشلاء التي لا تجد من يدفنها.
ويلفت أبو سالم لـ"العربي الجديد" إلى أن وقف إطلاق النار سيغير الواقع قليلاً بحيث يتفرغ الصحافيون إلى لملمة جراحهم، والاهتمام بتفاصيل حياتهم التي انشغلوا عنها، في حين سيواصلون عملهم في تغطية الملامح الإنسانية لتبعات العدوان الكارثي الذي لم يترك شيئاً دون أن يقلبه رأساً على عقب.
ويبيّن أن التغطية بعد وقف إطلاق النار ستحمل طابعاً جديداً في محاولة للتخلص من الرعب، على الرغم من ارتباط كل شيء بالحرب، "على سبيل المثال سنتحدث عن إعادة بناء المدارس التي دمرتها الحرب كذلك المستشفيات والبيوت التي قصفت، والبحث عن المفقودين بفعل الحرب، سنتحدث كثيراً عن التداعيات الخاصة بالحرب حتى وإن استمر وقف إطلاق النار طويلاً".
وعلى مستواه الشخصي، سوف يتمكن أبو سالم من البحث عن شقيقه الذي استشهد قبل شهر في جباليا شمالي قطاع غزة دون أن يعرف شيئاً عن مكان جثمانه، ويقول "سأذهب للبحث عن جثة أخيـ وأتمنى ألا تكون قد نهشتها الكلاب الضالة، كما حدث في العديد من الجثامين التي لم تتمكن الجهات المعنية من الوصول إليها بفعل كثافة النيران وشدة القصف، كما سأبحث عن كفن ومكان للدفن، وأبحث عن بيتي وما حل به نتيجة القصف الجنوني، ستكون رحلة بحث مترافقة مع رحلة الكتابة".
في الإطار ذاته، يوضح الصحافي أسامة الكحلوت أن وقف إطلاق النار سيساهم في وقف الإبادة وفي نجاة من تبقى، حيث كانت حرباً جنونية تستهدف كل أطياف الشعب الفلسطيني ولا تفرق بين مدني أو عسكري أو صحافي أو طبيب أو طفل أو سيدة، ويقول: "نستقبل اللحظات الأولى لبدء سريان الاتفاق بفرحة ممزوجة بحزن عميق".
ويبيّن الكحلوت لـ"العربي الجديد" أن تركيز التغطية الصحافية ما بعد وقف إطلاق النار سيكون على التداعيات الخاصة بالعدوان، كذلك على مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين فقدوا أبناءهم، والجرحى والمتضررين جسدياً ومادياً ونفسياً، بينما ستجسد ملامح البناء والإعمار والنهوض من جديد.
ويوضح أن العدوان الإسرائيلي ساهم خلال 471 يوماً في تهالك وتلف وسائل الأمان والحماية والمعدات الخاصة بالعمل الإعلامي بفعل منع دخول الكاميرات والمايكات وأجهزة الإضاءة والأجهزة الخاصة بالتغطية، وعدم القدرة على إصلاحها، نتيجة عدم وجود قطع الغيار المطلوبة، آملاً أن يساهم بدء تنفيذ الاتفاق بإدخال المعدات اللازمة التي يمكنها أن تساعد الصحافيين على مواصلة مهمتهم في نقل الرسالة.
بدوره، يوضح الصحافي أيمن أبو شنب أن أيام العدوان الإسرائيلي كانت قاسية، فيما اختلطت المشاعر ما بين الفرح لوقف إطلاق النار ووقف قتل المواطنين وعودة النازحين إلى منازلهم وأماكن سكناهم في شمال قطاع غزة، والحزن على ما ينتظرهم من دمار كبير في منازلهم والبنى التحتية والمدارس والكنائس والمساجد والمؤسسات الحكومية والأماكن العامة وغيرها من الأماكن.
ويلفت أبو شنب لـ"العربي الجديد" إلى أن العمل خلال الحرب كان الأصعب بفعل تزامنه مع النزوح، وانعدام أبسط مقومات الحياة من مياه صالحة للشرب والغذاء، وعدم توفر الأدوية الخاصة بالمرضى المزمنين، وعدم توفر أماكن آمنة أصلاً، كما كانت الحياة في ظل العدوان "قاسية بمعنى الكلمة لأن الغارات كانت جنونية، ومن نجا منا كأنّه ولد من جديد".
ويبيّن أبو شنب أن الصحافيين تُركوا وحدهم خلال العدوان لمواجهة مصيرهم لعدم توفر الأماكن الآمنة، في ظل موجة النزوح، وعدم وجود السترات والخوذ، والصعوبات الكبيرة في الحصول على الكهرباء والإنترنت لنقل مجريات الأحداث، آملاً أن يساهم وقف إطلاق النار في تحسين الواقع الإعلامي نحو الأفضل.
