"صخب" ليدي غاغا... تمسّكٌ بزمنين

منذ ٥ ساعات ١٧

أيّة فنانة مخضرمة حين يصدر لها ألبومٌ جديدٌ، بعد زهاء أكثر من عقد ونصف على إقلاعها في مشوارها الفني، تجد نفسها أمام المعضلة نفسها: كيف لها أن توسّع من شعبيّتها في الوقت الراهن، ومن ثم مبيعات أغانيها، بأن تحوز انتباه جيلٍ من المراهقات والشابات، توجّهت أسماعهن نحو نجمات ونجومٍ أصغر سنّاً، باتوا ينتجون الموسيقى بأساليب ووسائل أكثر عصرية، وفي الوقت نفسه، تُبقي على جمهورها من المعجبات، اللاتي رافقنها على طول مسيرتها، وبتن اليوم ينتمين إلى جيلِ من بلغن سنّ الرشد، وأمسيْن عاملات وموظّفات وربّات عائلة. 

تلك أيضاً حالُ النجمة ستيفاني غيرموناتّا، الملقّبة ليدي غاغا (Lady Gaga) وحال ألبومها الذي طُرِح في الأسواق وعلى منصّات الستريمينغ أوّل هذا الشهر معنوناً "صخب" (Mayhem). من خلاله، تسعى ابنة الـ38 عاماً إلى المواكبة على صعيد الشكل، بطرحها تصاميم مبتكرة جذّابة لأكثر من أغنية فيه، فيما تُبقي على البصمة الصوتية العامة المقترنة بهويّتها الموسيقية التي سبق أن تأسست في أجواء العشرية الأولى من القرن الحالي، بحضور أعلامها البارزين، ممن ألهموها وأثّروا بها.   

للوهلة الأولى، يكاد التراك السابع "قاتلة" (Killah) أن يكون أغنيةً من أغاني أيقونة البوب - روك برنس (Prince)، يعزّز ذلك من النزوع العام، كما في كثيرٍ من محتوى الألبوم، إلى استعادة طُرزٍ صوتية ماضية (Retro) إلى خلطة البوب والفانك التي حددت هويّة الأغنية الجماهيرية خلال مرحلة عبورها إلى القرن الحالي. المادة الخام هي نبض غيتار الباص الكهربائي، يكسوه إيقاعٌ، سُوِّي بالمؤثرّات الإلكترونية، يسير وفق وحدات زمنية صغيرة متراصّة متلاحقة، تبثّ في الموسيقى الأُهبَة والحيويّة.

أما الكلمات، فتعكس الشخصية الفنيّة النمطيّة (Persona)  لغاغا، التي تجمع، سواء في ميدان الصناعة الترفيهيّة أو في حضورها عبر وسائل الإعلام، ما بين إغراء الأنوثة والشراسة الذكوريّة، وهو ما يُعرف في الأدب والفن بنمط "المرأة المُميتة" (Famme Fatale)، وعليه يوحي العنوان مجازاً ببِئس مصير أيّ رجلٍ، تنتهي به الشهوة إلى العشق، فالوقوع في الشّرك.

يأخذ التراك الثاني المعنون "أبراكادابرا" (Abracadabra) الأذن في أشبه بقطار صوتي سريع، يتنقّل بين المسارات، يعبر كالبرق من مشهد موسيقي إلى آخر. ينسجم ذلك التلاعب بالمخيلة السمعية عنوان الألبوم "صخب" ومع أجواء مراقص الديسكو. تسري الشهوة للرقص في سائر الجسد استجابةً للمقتطفات الصوتية التي تتعاقب في تسارعٍ، كما لو أن ثمة يداً تُدير قرص جهاز راديو، تُبدّل من موجاته إلى أن تستقر على متن الأغنية، يستحضر الإنتاج الفنّي لغاغا حين ارتقت سريعاً على سلّم الشهرة سنة 2009، إثر فوزها بجائزة قناة MTV وجائزة العالم الموسيقية لأفضل فنانة ونجمة صاعدة.

تُستعاد إيقاعات التكنو، التي راجت آنذاك. أما الكلمات فتتميّز بشعريتها ورمزيتها مع محافظتها على مضمونها الغرامي. تعتبر أن مقاومة الوقوع في الحب معركةٌ خاوية خاسرة. تُناشد المحبوب أن يجنّب كليهما الانجرار إليها، وأن يُسلّم بقدرهما أن يكونا معاً. تختم الكوبليه الأخير بتهديدٍ يائس: "إما الحب الليلة، وإما الموت".

يأتي التراك الثالث تحت عنوان "جنّة عدن" (Garden of Eden). صُمِّم بهدف استمالة ذائقة المراهقات من بين المستمعين. يعتمد قالباً إيقاعياً إلكترونيّاً راقصاً، يجمع بين جنسَيِ البوب والبانك. تقتحم غاغا الأغنية بحماسٍ وتحدٍّ، تدعو الطرف الآخر إلى نزالٍ، حتى يتّضح من الكلمات بأنها تدعو أحدهم إلى حلبة الرقص. بغرض التركيز على الصبغة النسائيّة للأغنية لجهة كلٍّ من الخطاب والمخاطِب، تُضاف إلى دور الغناء الرئيسي طبقات جوقيّة مُستنسخة من الصوت نفسه للمغنيّة، تستعيد عنفوان إصدارات "فرق البنات" التي راجت أواخرَ التسعينيات، وكانت "سبايس غيرلز" من أشهرها. 

تعود موضوعة الحب المحفوف بالخطر لتظهر في أغنية البالاد المعنونة "نصل العشب" (Blade of Grass) ذات الترتيب ما قبل الأخير بين التراكات، وإن بصورة أقل ترهيباً وأكثر إيجابية. تتحدث بنبرة ميلانكوليّة شاعريّة عن قدرة المرأة، عبر منحها حبَّها، على وهب الحياة بدلاً من سلبها. مصاحبةً بعزفٍ رفيق على البيانو، يجمع النغمات وفق سلاسلَ هارمونية سائغة، تستعرض غاغا ملكاتها الصوتية من خلال أداء مؤثّر، يتحدث عن "رياض الحب بمثابة غرسِ أشواك". سوى أنها في الذروة وعند الكوبليه، تُظهر شيئاً من الرحمة، حين تجيب المحبوب عن سؤاله، ما الذي جعل امرأة بعظمتها تقع في حب واحد مثله، بأن تقول له: "لئن تمسّكت بي حتى مماتي، أجعل منك إنساناً جديداً".

يتقدّم ضيف الألبوم برونو مارس التراك الأخير المعنون "فلتمت مع ابتسامة" (Die With a Smile) الذي سبق أن طُرِح أغنيةً مفردةً شهر أغسطس/آب الماضي، فعمَّر على قمة أكثر الأغاني استماعاً حول العالم لمدة عشرة أسابيع. ترافقاً مع ضرب إيقاعٍ رقيقٍ على أوتار الغيتار الكهربائي، يروي المغنّي وكاتب الأغاني الأميركي لمحبوبته، كيف استفاق من حلمٍ، شهد فيه افتراقهما. يُضيف كلٌّ من الصدى الاصطناعي والمعالجات الإلكترونية على الخلفية عُمقاً صوتيّاً يزيدُ من شجون المشهد.

تقود طبول الدرامز مسار الأغنية إلى مزيدٍ من التسخين الشعوري، يبلغ ذروته عند الكوبليه، التي تُفيد بتوكيد دوام حبّ الاثنين أحدهما للآخر، وتجدّد العهد بألّا ينفصلا أبداً ولو انتهى العالم. تنضم إليه ليدي غاغا عبر مذهبٍ مقتضب، لتؤكد من جهتها التزامها بعهدِ شريكها على استمرار الحب. يصدح صوتهما معاً خلال الكوبليه في ثنائية جوقية مُجيّشة للعاطفة، تُعيد موضة الثنائيات الغنائية (Duo) التي شاعت في أغاني البالاد الرومانسيّة أوّل الألفية، وأكسبتها واحدة من معالمها المميزة.

قراءة المقال بالكامل