لم يتمكن ذوو الضحايا في الساحل السوري من دفن ضحاياهم ووداعهم كما أرادوا، نظراً لأعداد الضحايا التي لا تتسع لها مستشفيات محافظتي طرطوس واللاذقية. لذلك، لجأت بعض الجهات إلى إقامة مقابر جماعية لدفن الضحايا الذين انتشلت جثامينهم من الطرقات والأحراج وشرفات المنازل. ويتحدث ناشط إعلامي في محافظة طرطوس، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن صعوبة إجراءات الدفن؛ فخلال الأيام الأولى للمجازر الطائفية، لم يكن يسمح بالدفن وخصوصاً في المناطق التي سيطرت عليها الفصائل المتفلتة، والتي شهدت توترات مستمرة. لكن بعدما دخلت قوات الأمن العام إلى بعض القرى، كان يسمح لأربعة أشخاص فقط ضمن العائلة الواحدة بدفن موتاهم في أوقات محددة. أما بالنسبة للقرى التي كان عدد الضحايا فيها كبيراً جداً، فلم تكن هناك إمكانية للدفن الفردي. لذلك، خصصت أماكن لإقامة مقابر جماعية، كما هو الحال في حي القصور بمدينة بانياس وريفها، وكذلك الأمر في اللاذقية في مناطق القرداحة وصنوبر جبلة، حيث لا تزال هناك جثث متكومة على جوانب الطرقات، بحسب الناشط.
إلى ذلك، يشير زين نيوف، وهو شاب يعيش في العراق قتل والداه وشقيقه في ريف بانياس، إلى أن أحد معارفه جاء برفقة منظمة الهلال الأحمر العربي السوري للإسراع بعمليات الدفن، في ظل الصعوبات التي يواجهها الأهالي. وعمدت المنظمة إلى نقل الضحايا من المنزل إلى إحدى المقابر الجماعية مباشرة دون المرور بالمستشفى أو إعداد تقرير طب شرعي، وذلك بعد مضي يومين على وجودهم داخل المنزل وسط ظروف أمنية صعبة منعت الأقارب من دفنهم في وقت سابق.
وعلمت "العربي الجديد" أن الكثير من المنظمات العاملة في الساحل السوري أمّنت خلال اليومين الماضيين نقل جثث إلى المستشفيات ليتمكن الأهالي من استلامها، في الوقت الذي تعاني فيه تلك المستشفيات من انقطاعات متواصلة في التيار الكهربائي وضغط يفوق قدرتها الاستيعابية.
ويبين مسؤول منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، في الساحل السوري عبد الكافي كيال أنه "في ظل الأوضاع التي تشهدها محافظتا اللاذقية وطرطوس، تقوم فرق الدفاع المدني السوري بواجبها الإنساني بالاستجابة لنداءات الاستغاثة وإخماد الحرائق والإسعاف وانتشال جثامين الضحايا وتقديم عدد من الخدمات المنقذة للحياة، في إطار القدرة على الوصول للنداءات والاستجابة بما يتوافق مع مبادئ العمل الإنساني وسلامة الفرق". ويشير كيال إلى أن فرق الدفاع المدني السوري بدأت بانتشال جثامين الضحايا جراء أحداث تاريخ الثامن من مارس/ آذار الجاري، بعد تلقي بلاغات بدأت من مدينة بانياس، حيث انتشل 122 جثماناً من محافظتي طرطوس واللاذقية حتى يوم أمس الثلاثاء 11 مارس. ويوضح أن هذا العدد يمثل فقط الجثامين التي تم انتشالها وتوثيقها من قبل الدفاع المدني السوري، علماً أنه يتم انتشال الجثامين بعد وصول بلاغات عن أماكن وجودها من قبل السكان، ويتم توثيق الجثامين التي ينتشلها الدفاع المدني السوري أصولاً، ثم يجري نقلها إلى المستشفيات وتسليمها إلى الطبابة الشرعية لتقوم بمسؤوليتها سواء في ما يتعلق بحفظها أو تسليمها أو غير ذلك من الإجراءات المتبعة.
ويبيّن كيال أن أبرز الصعوبات التي تواجههم هي التحديات الأمنية وتعرض فرق الدفاع المدني للاستهداف المباشر بالرصاص أثناء قيامها بواجبها الإنساني، وهو ما صعّب الوصول إلى بعض القرى والمناطق، وخصوصاً الجبلية والأرياف الشرقية. ويتحدث عن صعوبة تتعلق بالقدرة الاستيعابية للجثامين في مراكز الطبابة الشرعية في طرطوس واللاذقية، ولا يمكن انتشال الجثامين دون تنسيق معها. وفي طرطوس، سلمت جثامين من قبل الطبابة الشرعية لذويها بعد تشكيل لجنة لتسليمها بعد التعرف إلى هويات أصحابها.
وفي ما يتعلق بالدفن، يؤكد أن الفرق لا تدفن الضحايا ولا تشارك بشكل مباشر في عملية الدفن بحد ذاتها. وفي ما يتعلق بالمقابر الجماعية، فهي لا تتعامل معها مطلقاً لأن ذلك يحتاج إلى تفويض قانوني وجنائي. حتى بالنسبة للجثامين المدفونة، فلا يمكن نبش أي قبر دون تفويض، لافتاً إلى وصول الكثير من البلاغات عن جثامين مدفونة في بعض القرى لكن لا يمكن التعامل معها إلا بتفويض قانوني وجنائي أيضاً.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أصدرت تقريراً أولياً، أمس، أشارت فيه إلى أن حصيلة ضحايا الانتهاكات التي وقعت في الساحل السوري، ومعظمها في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، بلغت 803 أشخاص، خلال الفترة الممتدة من السادس إلى العاشر من مارس.
