أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، خلال إحاطة قدمها لمجلس الأمن اليوم الخميس، تأكد صحة الفيديو المتداول الذي يظهر عضو مجلس النواب الليبيي إبراهيم الدرسي، المغيّب منذ عام في بنغازي، وهو يتعرّض للتعذيب والإهانة داخل أحد السجون السرية. وقال خان، خلال إحاطته، مخاطبا أعضاء مجلس الأمن: "تتذكرون مشاهد ذلك الرجل المقيّد بالسلاسل، بآثار التعذيب على وجهه وصوته المرتجف.. إنه عضو البرلمان إبراهيم الدرسي، الذي أرغم على الاعتراف ضد نفسه لأنه رفع صوته دفاعا عن الليبيين"، مؤكدا أن تحقيقات مكتبه أثبتت صحة الصور والفيديو المتعلقة بالدرسي.
وجاء الإعلان الدولي لينهي رواية طالما حاولت أجهزة أمن حكومة مجلس النواب، الخاضعة لسلطة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ترويجها، وتتعلق بنفي صحة الفيديو وادعائها بأنه "مفبرك بواسطة الذكاء الاصطناعي". وتزامن إعلان خان اليوم مع تصعيد قبيلة الدرسة، التي ينتمي إليها النائب، مطالبها عبر إعلانها، خلال اجتماع للقبيلة مساء الأربعاء، منح قيادة حفتر مهلة أسبوعين للكشف عن مصيره عبر ثلاث خيارات، تسليمه حيّا لأهله أو للقضاء، أو تسليم جثته إن كان ميتا، أو الاعتراف باختفائه رسميا لتبدأ القبيلة تحركا نحو محكمة الجنايات الدولية.
وإن لم يتهم خان حفتر بشكل صريح في حادثة اختفاء الدرسي، لكن تحول خطاب القبيلة، من خلال كلمات شيوخها، من مطالباتها السابقة للحكومة بالكشف عن مصير الدرسي إلى توجه مطالبها بشكل مباشر إلى قيادة حفتر، يعزز مسؤولية الأخير في القضية، ما قد يخلق عزلة محلية ودولية عليه. ومنذ تفجر أزمة الدرسي بتسرب فيديوهاته في الخامس من الشهر الجاري، لزم حفتر الصمت التام، بل ظهر بعد ثلاثة أيام من تسرب الفيديو بشكل مفاجئ في زيارة لموسكو للمشاركة في عيد النصر، واهتمت وسائل إعلام مقربة منه بشكل كبير في إظهار صورته كقائد عسكري بارز حظي باستقبال عسكري رسمي، ثم في لقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وتبدو مظاهر الأزمة التي تحيط بحفتر عديدة، فقد ألغت قياداته احتفال "عملية الكرامة" التي كان مقررا إقامتها الأسبوع الجاري بمناسبة مرور 11 عاما على إطلاقها، خاصة وأنه احتفال بات مرتبطا في الأذهان باختفاء الدرسي عقب خروجه من احتفال الكرامة العام الماضي. ويكشف الصمت المطبق من قيادة حفتر، مقابل النشاط المكثف لممثليه في التواصل مع النائب الليبي، عن ارتباك في إدارة الملف، وسط مخاوف من انهيار تحالفات قبلية ظلت لسنوات حجر الزاوية في سيطرته.
ولا يطاول التصدع قبيلة الدرسي وحدها، فاجتماع أمس الأربعاء ضمّ شيوخ مكون "الحرابي"، الذي يندرج فيها النائب الليبي، ويضم المكون ثلث قبائل شرق البلاد، ما ينذر بكسر حاجز الخوف، الذي طالما هيمن به حفتر على المنطقة لسنوات؛ خاصة في ظل وجود قبائل أخرى تعاني من سياسات الإقصاء، مثل قبيلة البراغثة التي تعيش غضبا مكتوما منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عندما حاصرت آليات ومسلحو لواء طارق بن زياد، الذي يقوده صدام نجل حفتر، منزل وزير الدفاع السابق المهدي البرغثي، وجرى حينها اعتقاله مع عائلته قبل تسليم جثته لاحقا سرا لذويه. وجاء ذلك حنيئذ رغم وعود حفتر لقبيلته بعدم المساس به؛ بل طاولت الاعتقالات شيوخ البراغثة أنفسهم الذين أطلق سراحهم لاحقا بعد تعهدات بعدم فتح قضية ابنهم المهدي.
وفي مناطق وسط البلاد، تعيش قبيلة المغاربة، التي دعمت حفتر في حروبه للسيطرة على منطقة الهلال النفطي سخطا، ففي فيديو متداول نهاية الشهر الماضي، ظهر عميد القبيلة صالح الأطيوش خلال لقاء مع الصديق حفتر، الذي كلفه والده بملف المصالحة الاجتماعية، وهو يطالبه بالإفراج عن أبناء القبيلة المعتقلين في سجون والده، في مشهد يكشف حجم التصدعات القبلية. ويضاعف إعلان خان عن صحة فيديو الدرسي أزمة حفتر، فلا يقتصر على فضح الانتهاكات، بل قد يفتح الباب لمحاسبة دولية قد تطاول قيادات بارزة في قيادة حفتر، ويدفع قبيلة الدرسي إلى خيار اللجوء للمحكمة الجنائية، ما قد يشجع قبائل أخرى على سلوك نفس المسار.
