تربك ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن زيادة إنتاج النفط وخفض الأسعار ميزانيات العديد من دول الخليج العربي، لا سيما المرتبطة بمشروعات تنموية كبيرة، يصل فيها حد التعادل في موازناتها إلى ما بين 80 و90 دولاراً للبرميل، بينما ترجح بعض التحليلات أن تؤدي سياسات ترامب إلى انخفاض الأسعار إلى 50 دولاراً للبرميل.
وخلال كلمته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا الذي عقد في الفترة من 20 إلى 24 يناير/كانون الثاني الماضي، ربط الرئيس الأميركي بين ارتفاع التضخم العالمي وأسعار النفط، وطالب السعودية ودول أوبك بخفض الأسعار.
يشير الخبير الكويتي في الشؤون النفطية كامل الحرمي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن ترامب يسعى إلى حث الدول الخليجية المنتجة للنفط على زيادة إنتاجها بهدف خفض الأسعار العالمية للخام، في إطار محاولة للحد من التضخم المالي في الولايات المتحدة عبر تقليل تكاليف السلع، بما فيها النفط، لكن أي انخفاض في الأسعار سينعكس سلباً أيضاً على قطاع النفط الصخري الأميركي، الذي يُعد عماد الإنتاج المحلي حالياً، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة تنتج نحو 13 مليون برميل نفط يومياً، وهو أعلى معدلاتها التاريخية، حيث نجحت الإدارة الأميركية السابقة في عهد جو بايدن في رفع الإنتاج بنحو 1.9 مليون برميل يومياً.
ويستبعد الحرمي إمكانية استمرار هذا النمو خلال السنوات المقبلة، فزيادة الإنتاج الأميركي من شأنها أن تؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، وهو ما لا يتماشى مع مصلحة الولايات المتحدة، موضحاً أن العلاقات بين واشنطن والدول الخليجية لن تتأثر بهذه الدعوات، نظراً إلى إدراك الطرفين أن أي خفض إضافي في الأسعار لن يفيد المنتجين الأميركيين، بل سيعيق جهود مكافحة التضخم التي تُعد تحدياً داخلياً في الولايات المتحدة.
ويقول إن دول الخليج نجحت في تحقيق توازن مناسب لسعر البرميل عند مستوى 80 دولاراً، وهو ما يخدم مصالحها من دون الإضرار بالاقتصاد العالمي، فيما تبدو محاولات ترامب لفرض خفض الأسعار من خلال الضغط على الإنتاج الخليجي غير مجدية، خاصة مع حاجة أميركا إلى استيراد نحو ثمانية ملايين برميل يومياً من النفط الخام ومشتقاته، ما يعكس تناقضاً في سياسته النفطية.
بدوره، يقول المحلل في قطاع النفط أحمد حسن كرم، لـ"العربي الجديد"، إن القرارات التي أعلنها ترامب خلال أيامه الأولى في الحكم تركز على دعم قطاع الطاقة باعتباره عصب الاقتصاد في الولايات المتحدة، وتتمثل في إعلان حالة الطوارئ للقطاع، وإعادة فتح عمليات التنقيب عن النفط، وتخفيف القيود المفروضة على الإنتاج المحلي، ما يُشير إلى سعي الإدارة الأميركية لتقليل الاعتماد على النفط المستورد، خاصة من دول الخليج العربي.
لكن كرم يرى أن تأثير هذه القرارات على الدول المصدرة للنفط لن يظهر إلا على المدى البعيد، شرط استمرارها من دون تغيير، إذ يستغرق تنفيذ مثل هذه الخطوات فترة تتراوح بين 10 و15 عاماً، تبدأ باكتشاف المكامن النفطية (خلال 2-3 سنوات)، تليها دراسات الجدوى (1-3 سنوات)، ثم إنشاء البنية التحتية للإنتاج والتخزين والتصدير.
ويفسر هذا الجدول الزمني الطويل سبب غياب تأثير فوري لقرارات ترامب على الأسواق العالمية للنفط، وفي القلب منها السوق الخليجية، حسب الخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي، الذي يؤكد أن أسعار النفط الحالية لن تشهد تغيرات جذرية في المدى المنظور، لا سيما مع تعافي الطلب الآسيوي بقيادة الصين. ويعتبر أن التوازن الحالي بين العرض والطلب يدعم استقرار السوق النفطية، رغم المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي، مشيراً إلى أن نجاح سياسات ترامب مرهون بتواصل الدعم السياسي لها عبر الإدارات الأميركية المتعاقبة، وهو ما لا يُمكن ضمانه في ظل التقلبات الجيوسياسية المتكررة.
