تتسع ظاهرة تربية طيور الزينة في منازل العراقيين، خاصة تلك الصغيرة التي تفتقر إلى حدائق ومساحات واسعة. ويجعل جمالها وعذوبة أصواتها ورقتها ولطفها أسباب اقتنائها لا تنحصر في إضافة البهجة داخل المنزل، بل في كون هذا الأمر هواية تجذب الشباب من كلا الجنسين خصوصاً من هم دون سن العشرين.
ويواكب هذه الظاهرة افتتاح محلات لبيع طيور الزينة ومشاريع لرعايتها وإكثار الأنواع المختلفة التي تجذب الناس إلى شرائها بأسعار مختلفة تبدأ بنحو أربعة دولارات، وتصل إلى ألف دولار في ما يخص بعض أنواع الببغاوات. وتشهد الأسواق ومتاجر مستلزمات الحيوانات الأليفة إقبالاً على شراء طيور الزينة، خصوصاً أنواعها الملوّنة مثل الببغاوات والكناري والحسون والبلبل العراقي وطيور الحب والجاوة والشكري وغيرها. ويعكس ذلك تحوّل هذه الهواية إلى اتجاه جديد يعزز التفاعل مع الطبيعة داخل البيوت العراقية.
تتحدث رحاب عبد الكريم (17 سنة) لـ"العربي الجديد" عن أن طيور الزينة هوايتها المفضلة، وأهمها البلبل العراقي وطيور الكناري التي تربيها منذ أكثر من خمس سنوات. وتؤكد أن هذه الطيور ليست فقط مصدراً للجمال في منزل عائلتها، بل ملاذ نفسي لها ومفتاح لتحسين مزاجها، خصوصاً عندما تشعر بضغوط الدراسة.
وتنطبق الحال نفسها على سالي مهند (21 سنة) التي تقول لـ"العربي الجديد": "الأوقات التي أقضيها مع طيوري الثلاثة من نوع غولدن فينش تحسّن نفسيتي وتساعدني على استعادة التركيز على القراءة. إنها طيور جميلة بألوان زاهية هي الأصفر والأخضر والأحمر والأزرق والأسود والأبيض، وقد تآلفت معنا في البيت حيث تتنقل بحرية داخله وتعود إلى قفصها في وقت النوم أو لتناول الطعام والشراب". ويقول فؤاد منهل (53 سنة) لـ"العربي الجديد": "يزداد ارتباطي بالطيور بفضل ما تقدمه من متعة داخل منزلي الصغير، علماً أنني أستعين بها لأن منزلي لا يحتوي على حديقة".
يزداد الارتباط بطيور الزينة في العراق بفضل ما تقدمه من متعة داخل المنازل الصغيرة
وتمنع الظروف المادية البسيطة شريحة كبيرة من العراقيين من السكن في منازل واسعة تحتوي على حدائق، وهو ما كان يحصل قبل عقود، وهذا ما وقف وراء استعانة فؤاد وغيره بمزروعات ظليلة وطيور زينة لخلق بيئة مماثلة للحديقة. يقول لـ"العربي الجديد": "أصبحت هذه الطيور جزءاً أساسياً ومهماً من المنزل. أقتني منذ ست سنوات هذه الطيور التي ساهم وجودها في إضفاء لمسة جمالية لمنزلي، وهي قد لا تغني عن الحديقة، لكنها تضفي متعة كبيرة عند الجلوس قربها".
أيضاً يقول طارق العاصي الذي يعاني صغر مساحة منزله وعدم وجود حديقة فيه، لـ"العربي الجديد": "استعنت بمهندس ديكور كي يمنح منزلي فسحة مريحة، ويحوّل جزءاً منه إلى حديقة داخلية مصغرة تجمع بين المساحات الخضراء وطيور الزينة ذات الألوان الزاهية والتغريد العذب". يضيف: "لطالما حلمت بوجود مساحة خضراء داخل منزلي، لكن صغر المكان أعاق ذلك فارتأيت تحويل زاوية منه إلى حديقة داخلية صغيرة تجمع النباتات الطبيعية وأقفاص الطيور التي تبعث أصواتها أجواء أشبه بالحديقة الخارجية. وباتت الأصوات العذبة لطيور الكناري والحسون جزءاً أساسياً من يومي، حيث أجد راحة نفسية في متابعتها والاستماع بتغريدها. وأصبحت الحديقة المصغرة مكاناً مفضلاً للعائلة والزوار الذين يشعرون بالاسترخاء بمجرد دخولهم إليها".
يساعد التفاعل اليومي مع الطيور، من خلال مراقبتها أو الاهتمام بها، في تحسين المزاج وزيادة السعادة
ويتفق جميع من يقتنون هذه الأنواع من الطيور على أن تربيتها داخل منازلهم تخلق أجواءً تحسّن الأداء النفسي، وهو ما ينصح به متخصصون في الطب النفسي، بحسب ما تقول مناهل داود لـ"العربي الجديد" التي توضح أن نصائح المتخصصين النفسيين كانت وراء اقتنائها طيور زينة داخل منزلها. وتذكر مناهل (43 سنة)، وهي ربة بيت، أن "عدداً من الأقفاص ينتشر في مدخل بيتها ومواقع أخرى داخله، وتخلق الطيور تأثيرات إيجابية على الحالة النفسية لأفراد أسرتي، إذ تساهم في تقليل التوتر والقلق وتعزيز الشعور بالراحة والسكينة". وتوضح أن "التفاعل اليومي مع الطيور، سواء من خلال مراقبتها أو الاهتمام بها، يساعد في تحسين المزاج ويزيد مستويات السعادة، خاصة لدى الأطفال وكبار السن، وهذا ما نشعر به".
تضيف: "يفيد أطباء نفسيون بأن تربية طيور الزينة يمكن أن تكون وسيلة فعّالة للعلاج النفسي لأنها تساعد الأشخاص الذين يعانون الاكتئاب أو الوحدة على تحسين حالاتهم النفسية من خلال التفاعل الإيجابي معها. أعتني بالطيور وأشعر مع أفراد أسرتي بمزاج نفسي إيجابي بسبب وجودها بيننا".
أيضاً من ميزات طيور الزينة إمكانية استغلالها كي تكون جزءاً من أثاث المنزل وديكوراته، فهي تضيف لمسات فنية وجمالية إلى المكان، وهي من بين الأسباب التي تجعل كثيرين في العراق يقتنونها. ويؤكد رزاق الحسني الذي يملك معرضاً لبيع الأثاث المنزلي، أن كثيرين يطلبون لدى اختيار ألوان وديكورات الأثاث المنزلي أن تتلاءم مع أنواع الطيور التي يقتنونها، ويقول لـ"العربي الجديد": "أنصح دائماً من يشترون الأثاث باقتناء طيور بحسب لونها وأنواعها، ويرغب كثيرون في فعل ذلك إلى جانب آخرين يبحثون عن تمييز منازلهم من خلال تنفيذ فكرة جلب طيور زينة تتناغم مع تنسيق محتويات الصالات والغرف". وبالتأكيد هذه الهواية في صالح أسواق البيع التي تسوّق أنواعاً مختلفة بينها محلية ومستوردة وتبيع كل مستلزمات الأغذية والعلاجات ومواد الزينة الخاصة بها. ويضم سوق الغزل في بغداد الذي يعتبر من بين أكبر وأقدم الأسواق المتخصصة في بيع مختلف الحيوانات، أنواعاً مختلفة من الطيور، منها طيور الزينة التي تلقى الإقبال الأكبر.
وتتعدد أنواع طيور الزينة وتختلف أصواتها وألوانها وأحجامها وطبائعها، لذا يجب أن يعرف مربو هذه الطيور تفاصيل كثيرة عنها لا تنحصر في أساليب اقتنائها بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد" مهدي الكعبي الذي يملك متجراً لبيع طيور الزينة ومستلزماتها. ويؤكد أن "التغييرات التي تطرأ على المجتمع على صعيد الاهتمامات والهوايات تعتبر مصدراً للدخل واليد العاملة، ونأمل في أن تبقى محصورة في الطيور مع التخلي عن هواية اقتناء الحيوانات المفترسة التي باتت معروفة، خصوصاً في أوساط عائلات غنية من أجل التباهي، لكنها تسببت في حوادث مميتة ومؤسفة".
