إذا أردت أن تعرف التأثيرات السريعة لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية منذ سنوات، فارصد ردة فعل الشارع السوري وحركة الأسعار داخل سوق الصرف الأجنبي. فعقب إعلان القرار مباشرة، احتفل السوريون في الشوارع بهذا الإنجاز المهم بالنسبة إلى دولتهم، ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن الأهم على المستوى الاقتصادي والمالي. أما سوق الصرف في سورية، فقد احتفى بطريقته الخاصة، حيث ارتفعت قيمة الليرة السورية بنسبة 16.5% مقابل الدولار في أقل من ساعتين من إعلان القرار.
قرار ترامب خطوة طال انتظارها سنوات طويلة، خصوصاً أن فرض العقوبات الأميركية، والحرب الأهلية قصما ظهر الاقتصاد السوري وكبّداه خسائر تجاوزت 400 مليار دولار، وأرهقا معيشة السوريين، وجمدا علاقاتهم الاقتصادية والمالية والتجارية والاستثمارية بالخارج، حيث صاحبهما فرض كل أنواع الحظر التجاري والنفطي والمالي، وبالتالي عطلا التحويلات الخارجية، وحوّلا البنوك السورية إلى قطاع منبوذ عالمياً موصوم بالإرهاب وغسل الأموال.
عندما تحرر السوريون من نظام بشار الأسد البغيض والمجرم، لم يحققوا إنجازات ملموسة على أرض الواقع بسبب العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على اقتصادهم
وبموجب العقوبات، جُمِّدَت أموال الدولة السورية وأصولها في البنوك الغربية، وقُطعَت العلاقة بين سورية ونظام السويفت SWIFT المالي العالمي، وأدت إلى هروب الاستثمارات الأجنبية، بل والمحلية على حد سواء، ووضعت عشرات القيود على تعاملات قطاعات حيوية مثل النفط والطاقة والطيران والسياحة، والموانئ والنقل البحري وغيرها من الأنشطة الاقتصادية التي كانت لها علاقات قوية بالخارج.
وعندما تحرر السوريون من نظام بشار الأسد البغيض والمجرم، لم يحققوا إنجازات ملموسة على أرض الواقع بسبب العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على اقتصادهم، التي حالت دون تدفق السيولة النقدية والاستثمارات الخارجية، وعطلت مشاريع إعادة الإعمار التي تحتاج إلى أموال خارجية ضخمة، وحالت دون فتح قنوات تمويل مع مؤسسات التمويل الدولية، والسماح للبنك المركزي السوري والمصارف الحكومية والخاصة باستئناف التعاملات المالية الدولية، وتحرير الأموال المجمدة وإعادة دمج النظام المصرفي السوري عالمياً.
ببساطة، إعلان ترامب الأخير يمثل بارقة أمل للسوريين نحو إنهاء المعاناة المعيشية والأزمات الاقتصادية الحالية وتحقيق انفراج سياسي ومالي ملحوظ، ويبعث برسائل عدة، منها أن هناك تحالفاً دولياً يدعم استقرار سورية واقتصادها تقوده حالياً عدة دول، منها تركيا وقطر والسعودية، وهذا التحالف قد يجذب أطرافاً أخرى، منها الولايات المتحدة وفرنسا والصين، وربما روسيا. كذلك، يبعث ترامب برسالة للشركات الأميركية للدخول في سباق قنص الجزء الأكبر من عقود إعادة أعمار سورية، التي تقدر بنحو 400 مليار دولار بعد رفع العقوبات المفروضة على اقتصادها، وفرصة كذلك أمام الشركات العالمية لضخ استثمارات ضخمة في سورية، وخصوصاً في مشروعات البنية التحتية.
لكن يجب ألا ينسى السوريون أن رفع العقوبات الأميركية خطوة ليست كافية لإحداث تحول جذري في خريطة المشهد الاقتصادي الكلي، وإخراجهم من العزلة التجارية والمالية التي عانوها في السنوات الأخيرة. فسورية تحتاج أولاً إلى استقرار سياسي وأمني حقيقي، وقوانين محفزة للاستثمار، وسوق صرف مستقر، وقطاع مصرفي قوي، وحرية دخول الأموال وخروجها، وبيئة مستقرة تُشجع على جذب الأموال الأجنبية وتوجيهها نحو مشروعات إعادة الإعمار بوتيرة أسرع.
