عيد الفطر في المغرب... احتفالات وزيارات وعادات متوارثة

منذ ١ يوم ٣٠

يستقبل المغاربة عيد الفطر ببهجة وسرور، بعد شهر من صوم رمضان، ويظهر ذلك جلياً من خلال إحياء عادات متنوعة في مختلف أنحاء البلاد؛ إخراج زكاة الفطر قبل الذهاب للصلاة ثم تبادل الزيارات العائلية والتهاني في طقس اجتماعي يعكس عمق الروابط العائلية.

مع أولى ساعات الصباح، تخرج العائلات بلباسها التقليدي نحو المصليات والساحات العامة في المغرب، حيث تعلو تكبيرات العيد في مشهد مهيب وفاتن. بينما يركض الصغار فرحين بثيابهم الجديدة. بعد الصلاة، تبدأ الزيارات العائلية، وتتوافد الأسر لتبادل التهاني بعبارات مثل "عواشركم مبروكة" و"عيد مبارك سعيد". وعلى موائد الفطور، يُقدم الشاي المغربي مع الحلويات والفطائر التقليدية، في لحظات دافئة تُرسخ قيم التآخي.

تقول الخمسينية فاطمة، وهي ربة بيت: "العيد لا يكتمل إلا بزيارة الأهل والجيران، فصلة الرحم من أهم مظاهره، ولذلك أحرص على استقبال عائلتي وضيوفي في بيتي كل سنة لتبادل التهاني وتناول الفطور معا". وتضيف: "تغمرني السعادة وأنا أجهز أطباقاً تقليدية لضيوفي ضمن مائدة متنوعة تضم حلويات تقليدية وأرغفة ساخنة وكؤوس شاي، فالعيد مناسبة لاجتماع العائلة ولا شيء يضاهي فرحة رؤية الأبناء والأحفاد يمرحون حولي".

وقبل حلول العيد بأيام، تعيش الأسر المغربية حالة استنفار، حيث تُنظف المنازل، وهي عادة متوارثة ترمز إلى التجدد واستقبال العيد بهمة ونشاط، ويتم إيلاء عناية خاصة بصالة الضيوف. كما تتحول المطابخ إلى ورش لتجهيز الحلويات ككعب الغزال، وغريبة، والبريوات.

وتشير سمية، وهي شابة تحب تحضير الحلويات مع والدتها، إلى أن "إعداد الحلويات في المنزل هو جزء لا يتجزأ من فرحة العيد، فرائحة الزهر والقرفة في أرجاء المنزل تملؤه بدفء المحبة وتعكس معاني الكرم". وتضيف: "أذكر كيف كانت جدتي تحضر  كعب الغزال، وهي حلوى مكونة أساساً من اللوز المطحون وتجمع على شكل هلال، إلى جانب غريبة، التي تتميز بقوامها الهش ونكهتها الغنية بالقرفة، والبريوات المحشوة بالمكسرات، مما يضفي تنوعاً على مائدة العيد".

ويتميز فطور العيد عند بعض العائلات بتناول "العصيدة"، وهي طبق تقليدي يُحضر من السميد ممزوجاً بالماء والحليب، ويُطهى مع التحريك المستمر حتى يتماسك. تقول سعاد، وهي أم لأربعة أبناء: "تحضير العصيدة طقس أساسي في بيتنا صباح العيد، فهو يعكس دفء العائلة واجتماعها حول مائدة واحدة". وتتابع: "نحرص على تزيينها بقطع الزبدة وقطرات من العسل، مما يمنحها نكهة فريدة تجعلها طبقاً محبباً للصغار والكبار على حد سواء".

في السياق، يوضح الباحث في الثقافة والتراث في جامعة محمد الخامس بالرباط، أسامة خضراوي، لـ "العربي الجديد" أن للأطعمة والحلويات التقليدية رمزية خاصة لدى الأسر والعائلات المغربية، إذ تعد هذه المناسبات فرصة للأسر لإحياء هذه الأجواء من خلال تحضير أهم الحلويات التي تزين مائدة العيد في المغرب مثل كعب الغزال والفقاص وغريبة، بالإضافة إلى فطائر مغمورة بالعسل البلدي كالبغرير والمسمن ورزة القاضي. ويشرح: "في مثل هذه التجمعات العائلية الهامة لا يمكن إغفال وجبات الغذاء التي تتنوع بين الدجاج المحمر أو اللحم بالبرقوق أو الكسكس أو الرفيسة، أما في المناطق الأمازيغية، فنجد طبق تاكلا المكون من سميد الذرة، ويرافقه زيت الأركان والعسل".

ولعل من أبرز المشاهد في عيد الفطر توزيع "العيدية" على الأطفال الذين يخرجون للمرح واللعب بملابسهم الجديدة. يوضح خضراوي: "لا تكتمل فرحة العيد وطقوسه، دون زي تقليدي أصيل وحناء للنساء والفتيات وتوزيع الهدايا بين العائلات والأطفال الذين يرتبط العيد لديهم بجمع الدراهم وشراء الحلوى حرصاً من الآباء على غرس قيم البذل والعطاء والكرم".

كما يزور الناس قبور عائلاتهم وأجدادهم ويجددون الدعوات لهم بالرحمة والمغفرة. ويشير خضراوي إلى أن زيارة القبور تعد عرفاً دأب عليه المغاربة خصوصاً في القرى، صبيحة عيد الفطر. هذه العادة القديمة متوارثة وتغرس في نفوس الأبناء من طرف الآباء، تذكراً للأحباب الذين توفاهم الله وهم في حاجة إلى الدعاء والرحمة في هذا اليوم السعيد.

من جهة أخرى، يقول محمد بولوز أستاذ التعليم العالي والباحث في العلوم الشرعية لـ "العربي الجديد"، إنه "لم يرد في السنة النبوية أو آثار الصحابة تخصيص زيارة القبور بيوم العيد. بل كان النبي يزور القبور في أوقات مختلفة، وكان يحث على زيارتها للموعظة والتذكير بالآخرة". ويشير إلى أن هذه العادة تطورت حتى خصصها الكثيرون بأيام العيد وذلك بشكل تدريجي عبر التاريخ الإسلامي، ولم تكن الظاهرة بهذا الشكل جزءاً من السنن المؤكدة في البداية، وانتشرت بمرور الوقت حتى أصبحت تقليداً اجتماعياً في العديد من الدول الإسلامية.

ولا يستقيم العيد من دون تأدية زكاة الفطر قبل الصلاة، في مشهد يبرز روح التضامن المتجذرة في المجتمع. بالإضافة إلى تنظيم مبادرات خيرية لتوزيع "كسوة العيد" على العائلات المعوزة. يوضح مصطفى، وهو متطوع في إحدى الجمعيات الخيرية: "نحرص كل سنة على تنظيم مبادرات تضامنية لتوزيع ملابس العيد على الأطفال، خاصة الأيتام والمعوزين، فالفرحة تكتمل عندما نرى الابتسامة على وجوههم".

يُعتبر اللباس من أهم مظاهر الاحتفال. فقد ظل المغاربة أوفياء لأزيائهم وهويتهم، وحرصوا على غرس هذه المحبة في قلوب أبنائهم. ورغم تنوع كسوتهم في عيد الفطر بين التقليدي والعصري، لا يزالون حريصين على اقتناء الملابس التقليدية، حيث تتألق الجلابات الرجالية والقفاطين النسائية، في مشهد يعكس عمق الثقافة المغربية وأصالتها، مما يجعل الاحتفال بالعيد لحظة تربط الماضي بالحاضر.

ويعد العيد أيضاً فرصة مهمة للعديد من الأشخاص للسفر من أجل زيارة عائلاتهم والتجمع معهم. ويحرص كثيرون على قطع مسافات لتجديد العلاقات والذكريات، وتعزيز مشاعر المحبة والتآلف. يقول عبد الرحمن، وهو موظف اعتاد السفر لقضاء العيد مع عائلته في البادية: "العيد بدون أهل ليس له طعم، ولهذا أسافر إلى قريتي الصغيرة لأشارك أسرتي هذه اللحظات الدافئة". فيما تشير نسيمة وهي شابة تعمل في مدينة الدار البيضاء بعيداً عن أسرتها: "هذا العيد سيكون مميزاً لأنني تمكنت من أخذ إجازة للسفر إلى بيت العائلة، والاستمتاع بحضن أمي وطعامها المميز".

من جهته، يؤكد الباحث في الثقافة والتراث بجامعة محمد الخامس الرباط، أسامة خضراوي، أن "الاحتفال بعيد الفطر يكتسي قيمة هامة ومتوارثة عبر الأجيال عند المغاربة، ولذلك يسمونه "العيد الصغير" ويأتي قبل "العيد الكبير" أي الأضحى. ويشير إلى أن "هناك العديد من الاجتهادات والأعراف التقليدية التي تميز المغاربة فيما بينهم نظراً إلى التنوع الثقافي بين المناطق الأمازيغية والعربية والجبلية والحسانية، التي تجعل من هذا العيد فرصة للتآزر والتراحم والاختلاف حتى في المأكولات والحلويات والأطعمة التي تزخر بها بلادنا والتي تضفي تنوعاً جمالياً بين جل المناطق المغربية العتيقة".

ويوضح أن من بين العادات المغربية القديمة، عادة "حق الملح" التي دأب عليها المغاربة بتقديم الزوج هدية لزوجته بعيد الفطر، اعترافاً منه بالتضحيات التي قامت بها طيلة شهر رمضان من إعداد مائدة الفطور والعشاء والسحور، بالإضافة إلى تقليد "التفكورة" أو "التفكيدة"، من "التفقد" التي تقوم بها أسرة العريس بتقديم هدية مكونة من قطعة قماش أو مجوهرات من الذهب والفضة لزوجة ابنهم دلالة عن الفرح والحب والاحترام.

قراءة المقال بالكامل