عيد الفطر في تونس مناسبة ينتظرها الكبار والصغار، ويزداد الاهتمام باستعداداته منذ النصف الثاني من شهر رمضان، ثم تزداد التحضيرات في الأسبوع الأخير، لا سيما أنّ العديد من النساء يحرصن على إعداد حلويات للاحتفال واستقبال الضيوف
في محل صغير لبيع لوازم صنع الكعك في تونس، تحمل الخمسينية ربيعة بن أحمد قائمة مقتنياتها كي لا تنسى أيا منها. تطلب الدقيق والبيض وماء الزهر والقرفة ولوازم أخرى تحتاجها لصنع حلويات العيد. وتقول لـ"العربي الجديد": "اعتدت في مثل هذه الأيام على صنع الكعك استعداداً للعيد، وأحرص على اقتناء كل ما يلزمني بنفسي". تضيف: "صنع كعك العيد في المنزل عادة لا أستغني عنها منذ ثلاثين سنة. تعلّمت كل تفاصيلها من والدتي، علماً أنني اشتري حلويات من المحال في الأيام العادية، لكن العيد لا يحلو إلا بالحلويات التقليدية التونسية، مثل الغريبة والمقروض وكعك الورقة والدبلة وغيرها، وهي تُباع في المحال أيضاً، لكن تلك التي تصنع في البيت ذات نكهة خاصة".
وتعتبر ربيعة من بين نساء تونسيات يحافظن على عادة صنع حلويات تقليدية في المنزل، وهن يُشاهَدن في أيام ما قبل العيد ينتقلن بين محال بيع لوازم صنع الحلويات وبين أفران طهي الكعك التي تنتشر في الأحياء وينشط عملها خصوصاً خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان.
وتقول الستينية عائشة فرحاني لـ"العربي الجديد": "اختلفت العادات قليلاً، ففي السابق، كنا نعيش في أحياء شعبية وأزقة ضيّقة، وكان مفهوم الجيرة قائماً بكل معنى الكلمة، إذ كانت النساء في نفس الحي يجتمعن في بيت واحد للمشاركة في صنع حلويات العيد، ويتقاسمن المهام بينهن ويتعاونّ في كل شيء، أما اليوم، فاندثرت هذه العادة تقريباً، وباتت كل امرأة تصنع حلويات العيد بمفردها في البيت من دون مشاركة أقارب أو جيران. كانت الأجواء في السابق أفضل بكثير من الآن، لكن عادة صنع كعك العيد في المنزل لم تندثر".
إلى ذلك، تشهد الأسواق خلال الأيام التي تسبق عيد الفطر حركة أكثر من الأيام العادية خلال شهر رمضان، وتعج محال بيع الملابس بالزبائن منذ ساعات الصباح حتى موعد الإفطار، ثم تعود الحركة ليلا بعد الإفطار وحتى موعد السحور. وتنتعش خصوصاً تجارة ملابس الأطفال، ويحرص التجار على تزيين محالهم لجلب أكبر عدد من الزبائن.
ويشير عبد الرحمن سالمي الذي يبيع ملابس الأطفال لـ"العربي الجديد" إلى أن تجارته "تنتعش خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان، ويتنافس الباعة في عرض بضائعهم لجلب أكبر عدد من الزبائن خصوصاً أنّ شراء الملابس في تونس، وتحديداً للأطفال، يرتبط بمناسبات معينة على غرار عيدي الفطر والأضحى أو العودة المدرسية". ويتحدث زين العابدين بلحراث، رئيس جميعة "تراثنا"، لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "التونسيين كانوا في السابق يحرصون على شراء اللباس التقليدي للأطفال، خصوصاً للذكور، مثل البلغة والجبة والشاشية وفرملة وغيرها. وكان الصغار يحتفلون بالعيد بارتداء اللباس التقليدي التونسي حين يرافقون الكبار إلى المساجد التي تعج في يوم العيد بمصلين يحرصون على ارتداء اللباس التقليدي التونسي. لكن هذه العادة تغيّرت على مرّ السنين، ولم يعد الآباء يشترون اللباس التقليدي، لكن يبقى العيد مناسبة احتفالية تسعد الأطفال".
وبالطبع، تحرص النساء خلال الأيام التي تسبق عيد الفطر على تنظيف وتزيين المنازل استعداداً لاستقبال الضيوف. وهذه عادة راسخة حافظت عليها العائلات، ما يجعل التجار يتنافسون خلال هذه الأيام على بيع أجمل ديكورات البيوت، وتكون غالبية زبائنهم من النساء اللواتي يخترن الأجمل لتزيين بيوتهنّ منذ ليلة الـ27 من شهر رمضان، أي ليلة القدر.
وفي يوم العيد، تفرح العائلات بلقاء الأقارب والأصدقاء، والاستمتاع بالأطعمة التي تُميز هذه المناسبة. ويقول حاتم الرياحي، المتخصص في التراث، لـ"العربي الجديد": "لا تزال العائلات التونسية تحافظ على العادات والتقاليد ومظاهر عدة من العيد على غرار تزيين المنازل وإعداد حلويات العيد في المنزل، وأيضاً على شراء ملابس للأطفال. من هنا، تشهد المدن والقرى حركة تجارية كبيرة، لا سيما خلال الليل حين تعج المحال والأسواق بالزبائن وتنتعش التجارة. والعائلات التونسية لا تزال تحرص على شراء الهدايا كي تتبادلها في يوم العيد، في حين يتمسك كثيرون بالاحتفال بالعيد بارتداء اللباس التقليدي، خصوصاً من يؤدون صلاة العيد الذين يلبسون الجبة التونسية والشاشية، لذا يتميّز العيد بأجواء احتفالية تختلف كثيراً على الأيام العادية".
وتحتفظ ثياب العيد برونقها وبهجتها الخاصة، فيسعد بها الأطفال الذين يرتدونها في الصباح الباكر للخروج للعب أو للذهاب للصلاة مع الآباء أو لزيارة الأقارب والذهاب إلى الساحات والحدائق العامة للاحتفال، وأيضاً بالحصول على العيدية التي يمنحها أقرباؤهم لهم خلال الزيارات العائلية. والعيدية "مقدّسة" لدى الأطفال الذين يعتبرونها أكثر ما يميّز عيد الفطر بالنسبة إليهم، وهم يظهرون فرحتهم بالعيدية التي تُسمى في تونس "مَهبَة العيد"، وتكون أكبر حتى من أي أموال قد تُمنح لهم في باقي الأيام.
وفي ما يتعلق بالزيارات والمعايدات، لا يزال عيد الفطر في تونس فرصة لصلة الرحم وتبادل الزيارات بين الجيران والأقارب لتقديم التهاني وتبادل الهدايا. ورغم أن عادات وتقاليد كثيرة تغيّرت، لا تزال تقاليد عدة راسخة لدى التونسيين، مثل زيارة المقابر بعد الخروج من صلاة العيد حين تكتظ المقابر بالزوار لقراءة القرآن الكريم على موتاهم، والتصدّق بالأموال على أرواحهم، أو حتى توزيع مأكولات وحلويات صدقة.
وتنفرد تونس بعادة حق الملح يوم العيد. وسُميت بهذا الاسم لأنّ المرأة تضطر إلى تذوق الأكل ودرجة ملوحته على طرف لسانها من دون بلعه، وتشمل تقديم الزوجة يوم العيد فنجان قهوة إلى الزوج الذي لا يُعيده فارغاً بل يحرص على وضع قطعة حلي من ذهب أو فضة داخله، وذلك بحسب قدرته، هديةً للزوجة. من هنا تنتعش أسواق الذهب خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان.