عيد الفطر في سورية... مشاعر متضاربة بين لم الشمل والحزن على الضحايا

منذ ١ يوم ١١

يحلّ عيد الفطر مختلفاً هذا العام في سورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقدرة الناس على لم شملها وزيارة موتاها في القبور، وإن كانت الضائقة الاقتصادية والمخيمات وأحداث الساحل تنغص الفرحة

للمرة الأولى منذ عام 2019، تتمكن خولة الحسن من زيارة قبر والدها بعدما خرجت مؤخراً من مخيم الهول بريف الحسكة الشرقي لتعود إلى قريتها الواقعة إلى الشرق من مدينة الرقة. فالعيد في الشرق يبدأ بزيارة المقابر قبل شروق شمس أول أيام عيد الفطر السعيد، ليتمكن الرجال من قراءة الفاتحة على أرواح ذويهم، بينما توزع النساء بعض الحلوى على الصغار الذين يتنقلون بين زوار المقابر لتهنئتهم بالعيد. كما تزور أمل اليوسف عائلتها القاطنة في ريف دير الزور الشرقي للمرة الأولى بعد سنوات من الفراق نتيجة سكنها في منطقة عفرين منذ عام 2018، وقد فشلت وعائلتها في عبور الحدود نحو الأراضي التركية التي خطط زوجها لأن تكون أولى المحطات نحو أوروبا. لكن العائلة لم تتمكن من مغادرة عفرين إلى أي مكان بسبب الحدود غير الرسمية التي كانت تفصل بين مناطق سورية قبل سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتلاه الاتفاق الذي وقع بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية الذي أنهى زمن المعابر. 

وجهان للعيد في دمشق

العيد في العاصمة السورية مختلف هذا العام بالنسبة لأم يوسف (65 عاماً)، إذ ستتمكن من زيارة قبر ابنها الذي قتل على يد مخابرات النظام في منطقة القدم بداية عام 2011؛ فعلى الرغم من عدم وجود قرار بمنعها من هذه الزيارة، إلا أنها كانت تخشى دائماً "كتاب التقارير". وتشير إلى أن مخابرات نظام الأسد تعتبر زيارة قبور المعارضين والثوار تهمة توجب المحاسبة. وتقول لـ"العربي الجديد": "كنت أزور قبر ابني على عجل. في هذا العيد، سأطيل الجلوس إلى جواره ولن أخشى أن يراني أحد. وبالنسبة لبقية طقوس يوم العيد، لا أجد أن هناك ما يمكن قوله. فسقوط النظام أفضى إلى "انفراجة اقتصادية لدى العائلات الفقيرة، وباتت قادرة على أن تعيش هذه الفرحة. فانخفاض الأسعار مكن من شراء الكثير من احتياجات العيد التي كانت ملغاة خلال السنوات السابقة، كما أن الكعك هذا العام على أصوله، أي أنه يمكن استخدام السمن النباتي، واختيار الحشوة، وصنع الكمية التي نريدها". 
الأسواق في مدينة دمشق مختلفة هذا العام كونها عجت بالبضائع وازدحمت بالناس. سوق الحميدية الشهير استعاد تألقه وازدحامه الذي استمر يومياً في رمضان حتى السحور، مع توافد آلاف الناس إليه للتسوق أو الفرجة، بالإضافة إلى سوق مدينة دوما الذي منع مرور السيارات فيه لشدة الازدحام.

من جهته، يقول الستيني مروان صمادي من أهالي برزة، لـ "للعربي الجديد"، إن "العيد مختلف تماماً هذا العام، إذ سيلتم شمل أسرتي وسأجتمع بأولادي الذين لم أرهم منذ عشر سنوات. كما أن التحضيرات مختلفة بسبب توفر البضائع التي عهدتها دمشق من ملابس وحلويات مستوردة". 
أما أم أيمن، التي فصل زوجها مؤخراً من عمله في شركة الكهرباء، فتقول لـ"العربي الجديد": "سمعت بصدور قرار منحة راتب كامل للموظفين، لكن زوجي فصل من عمله وبات مياوماً، ولن يمر العيد في بيتنا الكائن في حي عش الورور، بالإضافة إلى بيوت أخرى. فعلى الرغم من إمكانية استدانة مبلغ يكفي لشراء ثياب العيد لأطفالي الثلاثة وإعداد كمية مقبولة من كعك العيد، إلا أن فكرة استحالة سداد الدين في موعده دفعتني إلى التفكير بجدية. لا يعنيني العيد بالمطلق. اكتفيت بصنع كيلوغرام أو اثنين من الكعك من أجل أطفالي". 

لا جديد في الشمال

ترى عبلة الجاسم التي تعيش وعائلتها في أحد مخيمات الشمال السوري، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن فكرة العيد هي الأكثر وجعاً بالنسبة للعائلات التي لا تزال تسكن خياماً لا ترد برد الشتاء ولا حر الصيف. ومع احتمال هطول الأمطار الربيعية التي تتسبب بسيول تغمر المخيم حيث تسكن، ويقع على مقربة من مدينة سرمدا، بريف إدلب، تقول إن حلول العيد من دون مصيبة أمر جيد. تضيف: "أحاول في كل عيد إسعاد أطفالي من خلال شراء ملابس جديدة وتوفير نوع من الحلوى". 
وتأمل أن تعود إلى قريتها في ريف درعا خلال عيد الأضحى. "ربما هناك سيتمكن زوجي من العثور على عمل جيد، ونفكر بالعيد مثل بقية الناس". وتستغرب ألا تضع الحكومة الجديدة بعد سقوط النظام إعادة النازحين إلى مناطقهم الأصلية في أولوية. تضيف: "على الأقل كنت سأزور قبر أمي بعد غياب 10 سنوات على الأقل".
في المقابل، تجد منى العبد الله أن العودة النهائية إلى منزلها في البوكمال هو يوم العيد الحقيقي. وتقول لـ"العربي الجديد": "نزحت عام 2014، حين كان تنظيم داعش يتمدد على حساب الفصائل الثورية وقوات النظام في الوقت نفسه. هرباً من هذا الصراع، وصلنا إلى جرابلس حيث نعيش في خيمة قريبة منها. يعمل زوجي في مصنع صغير للطوب الإسمنتي. وفي أيام الحصاد، يعمل عتالاً. تنقل بين العديد من المهن بدخل لا يكفي العائلة في معظم الأحوال. مع ذلك، لا زلنا نحاول أن نكون في أيام العيد على قدر المسؤولية تجاه الأطفال الذين يريدون عيدية وثياباً جديدة وبعض الحلوى. أي عيد يمكن أن يكون لسكان الخيام في سورية؟".

حلوى الكليجة

تعرب أنعام السيد القاطنة في دير الزور عن سعادتها بالعيد من خلال صناعة حلوى الكليجة. تقول لـ"العربي الجديد": "مرت سنوات قاسية على دير الزور خصوصاً خلال الحصار الذي فرضه داعش على أجزاء من المدينة، وكان حينها العيد يعني الكثير من البكاء بسبب الفقر والحاجة وقلة المواد. ثم عادت بعض طقوس العيد لكن المشكلة كانت في الأوضاع الاقتصادية السيئة. الأسعار والحالة النفسية تبدلت بشكل كبير، ويمكن القول إن هذا أول عيد أعيشه مع أسرتي تزامناً مع ممارسة كامل الطقوس التي نحبها منذ عام 2011. أعددت كمية كبيرة من الكليجة، وسأوزع جزءاً منها على المحتاجين. الأوضاع الاقتصادية ليست جيدة بالنسبة لكل سكان دير الزور، خصوصاً الموظفين منهم".
الأمر في مدينة الحسكة مختلف نسبياً، فالأسعار على حالها منذ ما قبل سقوط النظام. وتقول مروى حسان لـ"العربي الجديد": "الحال على ما هو عليه من الناحية الاقتصادية بالنسبة للسكان. لكن من المتوقع أن يكون عيد الأضحى مختلفاً قليلاً، ويمكن أن نرجئ بعض الأشياء. لكن بالنسبة إلي، القليل من المال يساهم في القليل من الفرح". 

حزن في الساحل

تقول الفردوس نعمان، وهي مدرّسة وفنانة تشكيلية، لـ"العربي الجديد"، إن الحديث عن العيد والتحضيرات التي سبقته في مناطق الساحل السوري يعد "نكتة سوداء"، فأي عيد يمكن الاستعداد له بعد الأحداث التي شهدتها مناطق الساحل خلال الأيام الأولى من شهر رمضان، وقد دخل الحزن غالبية البيوت؟ تضيف: "القوة الشرائية لهذ العام في مناطق الساحل شبه معدومة. المنازل في مدينة بانياس على سبيل المثال سرقت أو أحرقت بغالبيتها، وهناك دمار كبير وخسائر مادية ضخمة في ممتلكات السكان، والأثر النفسي للأحداث ما زال مستمراً، ولا أعتقد أن تحضيرات جدية ستقام للعيد في هذه المناطق". وتوضح أن "زيارة القبور خلال يوم العيد الأول موجعة، فالكثير منا سيزور مقابر جماعية للضحايا".
توضح نعمان أن "هناك أثراً لقرارات الفصل التعسفي التي طاولت الموظفين في مختلف القطاعات ضمن مناطق الساحل السوري، وهذا ما عزز من انعدام القدرة الشرائية بالنسبة إليهم. بالتالي، فإن انخفاض الأسعار لم تعد له فائدة ملموسة للحياة في مناطق الساحل عموماً. حصلت على دعم مادي من أصدقاء، بالإضافة إلى كمية من الطحين والسمنة النباتية، لم أستخدمها حتى الآن، لكن قد أخبز بها بعضاً من كعك العيد لأجل أطفالي". 
بدورها، تقول الصحافية رؤى إبراهيم، خلال حديثها لـ"العربي الجديد": "أعيش في صافيتا. المدينة لا تزال آمنة لكن لم يخلُ الأمر من سماع أصوات الرصاص خلال فترة السحور في شهر رمضان". تضيف: "لا أعتقد أن العيد سيمر في المناطق التي تسكنها الطائفة العلوية في الساحل السوري، فمن لم يتضرر بالأحداث التي شهدتها المنطقة مؤخراً تمنعه عوامل أخرى من الاحتفال، منها انعدام الشعور بالأمان واستمرار الإحساس بالتهديد في أي لحظة. وعلى عكس المناطق التي تسكنها المكونات الأخرى من الساحل السوري، لا تزال هناك ممارسات تنغص على السكان، خصوصاً الأيام التي سبقت العيد الذي كان سيغدو مميزاً في ظل انخفاض الأسعار. لكن مع انقطاع الدخل عن الكثير من الموظفين، بالإضافة إلى الاعتبارات الأمنية التي يعيشها السكان، يبدو أن توفير أي مبلغ مهما كان صغيراً سيكون مفيداً".

قراءة المقال بالكامل