تعكس الموازنة العُمانية لعام 2025، حرص الحكومة على تجنب صدمات النفط العالمية، وتعزيز الإصلاحات الاقتصادية وضبط الأسعار لضمان استقرار الاقتصاد، وزيادة مخصصات الدعم الاجتماعي للفئات الأكثر احتياجاً.
وخصصت الموازنة المعتمدة 40% من إجمالي الإنفاق للقطاعات الاجتماعية والأساسية مثل التعليم والصحة والإسكان، ما يعكس التزام الحكومة تحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
وقدّرت الميزانية العامة للدولة لعام 2025، الإيرادات بـ 11.18 مليار ريال (حوالى 29 مليار دولار)، وتعتمد الإيرادات كثيراً على إيرادات النفط بأكثر من 50%، والغاز بنحو 16%، إذ تشكل إيرادات النفط والغاز أكثر من 70% من إجمالي الإيرادات، فيما يقدر الإنفاق بحوالى 11.8 مليار ريال، بعجز مقدر بنحو 620 مليون ريال، ما يعادل 5.5% من إجمالي الإيرادات.
وخصصت الموازنة مبلغ 1.31 مليار ريال عُماني (3.4 مليارات دولار) لبرامج الحماية الاجتماعية، بما في ذلك دعم كبار السن والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والأرامل والأيتام، ما يمثل زيادة بنسبة 46% مقارنة بعام 2024. كذلك خصصت الموازنة 36 مليون ريال (93.6 مليون دولار) لبرامج التدريب والتشغيل، ما يسهم في خفض معدلات البطالة ودعم الشباب العماني.
وتمكن الموازنة صندوق الحماية الاجتماعية ليكون مظلة للمبادرات الرامية إلى تحسين التغطية التأمينية والحماية الاجتماعية، مع تخصيص 560 مليون ريال عماني لدعم الفئات الضعيفة. وعلى الرغم من الدعم الحكومي، فإن التضخم العالمي قد يؤثر بأسعار السلع الأساسية، ما يتطلب سياسات فعالة لضبط الأسعار وحماية الفئات الضعيفة في السلطنة.
ووفقاً لتقارير صندوق النقد الدولي، فإن الإصلاحات الاقتصادية في عُمان ضرورية لتحقيق الاستقرار المالي على المدى الطويل، ولكنها تتطلب إدارة دقيقة لتجنب الآثار السلبية على المواطنين، إذ إن أي زيادة في الأسعار أو تقليل للدعم قد يؤدي إلى ارتفاع تكلفة المعيشة، خصوصاً للفئات ذات الدخل المحدود.
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي العماني، محمد الوردي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن موازنة السلطنة لعام 2025 تأتي منسجمة مع الخطة الخمسية العاشرة ومبادرات الاستدامة المالية الهادفة إلى تقليل العجز وضمان الاستقرار المالي والاقتصادي.
وينوه الوردي بأن العجز المستهدف، والبالغ نحو 620 مليون ريال، سيُغطى من خلال السحب من الاحتياطيات والاقتراض الخارجي، لافتاً إلى أن الموازنة تعتمد على سعر تحوطي للنفط يبلغ 60 دولاراً للبرميل، رغم توقعات بيوت الخبرة العالمية بأن تراوح أسعار النفط في 2025 بين 70 و85 دولاراً، وذلك لحماية السلطنة من أي صدمات نفطية محتملة.
وفي الشق المتعلق بالدعم الاجتماعي، يؤكد الخبير الاقتصادي أن الموازنة تهدف إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي إلى جانب الاستقرار المالي والاقتصادي، حيث ترصد السلطنة نحو ملياري ريال (5.2 مليارات دولار) لدعم الخدمات الاجتماعية، منها 570 مليون ريال (1.5 مليار دولار) لدعم منظومة الحماية الاجتماعية، و530 مليوناً (1.4 مليار دولار) لدعم الكهرباء.
ويضيف الوردي أن الموازنة العامة العمانية تتضمن تكلفة متوقعة تبلغ نحو 230 مليون ريال (598 مليون دولار) لدعم الوقود، إضافة إلى دعم السلع الغذائية للتحكم في مستويات التضخم، كذلك تولي الموازنة اهتماماً بالجانب التوظيفي، إذ تستهدف توظيف 6 آلاف مواطن في القطاع الحكومي و18 ألف مواطن في القطاع الخاص.
ويلفت إلى تخصيص أكثر من 72 مليون ريال (187.2 مليون دولار) للتدريب ودعم الأجور، مشيراً إلى أن الدعم يهدف إلى تحقيق الاستقرار الاجتماعي وضبط الأسعار ومساعدة المواطنين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، على تحمّل تكاليف المعيشة، بما يحقق الأهداف التنموية لموازنة 2025.
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الموازنة العُمانية للعام الجاري تحافظ على مستويات الإنفاق المقاربة لموازنة العام السابق، حيث يمثل حجم الإنفاق زيادة نسبتها 10% عن موازنة 2024، مع توقعات بنمو يصل إلى 2.7%، وتعتمد بشكل رئيسي على إيرادات النفط والغاز.
وينوه عايش بأن إجمالي الدعم الاجتماعي في الموازنة العمانية يصل إلى 5 مليارات ريال، مشكلاً ما يزيد على 42% من إجمالي النفقات، حيث تعتمد الموازنة على سعر نفط عند 60 دولاراً للبرميل، فيما يبلغ سعر التعادل 65 دولاراً، وتأمل الحكومة وصول السعر إلى 70 دولاراً لتحقيق فائض في الموازنة.
وتركز الموازنة الجديدة على تعزيز فرص العمل في القطاع الخاص من خلال الإنفاق الاستثماري المقدَّر بنحو 4.4 مليارات ريال، حيث تسعى الحكومة العُمانية لتوفير مظلة أمان اجتماعي واقتصادي معتمدة على تقديرات مقبولة لأسعار النفط وتنويع النشاط الاقتصادي حسبما يرى عايش، مشيراً إلى أن سياسات الدعم تهدف إلى ضبط الأسعار والسيطرة على معدلات التضخم بما يحافظ على القوة الشرائية للريال العُماني، كذلك تعمل الحكومة على استبدال المديونية ذات الفوائد المرتفعة بأخرى أقل كلفة، لاستخدام الوفر في الاستثمار ودعم متطلبات الحماية الاجتماعية في مجالات التعليم والصحة وغيرها.
ويخلص عايش إلى أن عام 2025 سيكون عاماً لاختبار أدوات الحماية الاجتماعية ووسائلها، مع الحاجة إلى مراجعة مستمرة لأشكال الحماية على قاعدة تحسين معدلات دخل المواطنين وزيادة النمو الاقتصادي، بهدف الانتقال بالاقتصاد العُماني من اقتصاد يعاني من مديونية مرتفعة وعجز، إلى اقتصاد ذي مديونية وفوائد أقل، مع فائض مستدام في الموازنة.
