بعدما استهلّ المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي كلمته حول أوضاع اللاجئين العالم، أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك اليوم الاثنين، قائلاً "هذا موسم حروب. هذا وقت أزمات"، أفاد بأنّ "كنّا نعتقد أنّ من غير الممكن أن يزداد الوضع في قطاع غزة سوءاً، لكنّه وصل إلى مستويات جديدة من اليأس تزداد يوماً بعد يوم". وقد تطرّق غراندي إلى الوضع في قطاع غزة، على الرغم من أنّ ذلك لا يندرج في إطار ولاية وكالته، إذ تتولّى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) الشؤون ذات الصلة بهذه القضية، بحسب ما أشار.
وشدّد المسؤول الأممي على أنّ منع الحروب ووقفها، بما في ذلك التمسّك بالسلام والأمن وصونهما، مهمّة مجلس الأمن الدولي، وبيّن أنّ الأخير فشل في ذلك. وإذ تناول العنف حول العالم الذي يخلّف أزمات لجوء كبرى، حذّر المسؤول الأممي من أنّ مفوضية اللاجئين قد تضطرّ إلى تخفيض نشاطاتها بواقع الثلث في مختلف أنحاء العالم بسبب الاقتطاعات في المساعدات الدولية، وأكد أنّ "في حال استمرّ هذا التوجّه، فإنّنا لن نكون قادرين على القيام بالمزيد (...) سوف يتراجع عدد المكاتب والبرامج والعمليات".
“Preventing and stopping war – upholding peace and security – this is the Security Council’s mandate. This is your primary responsibility. And one that this body has chronically failed to live up to.”
My statement of today to the @UN Security Council 👇🏻https://t.co/4NrpjnJ8j2
وتحدّث غراندي عن الصراعات حول العالم اليوم، مبيّناً أنّ "العنف صار العملة التي تميّز عصرنا، من السودان إلى أوكرانيا، ومن منطقة الساحل إلى ميانمار، ومن جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى هايتي". ولفت الانتباه إلى احتدام 120 صراعاً حول العالم، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مبيّناً أنّ وهماً يغذّي عدداً كبيراً من أطراف النزاع في الحروب المختلفة والصراعات؛ وهم بأنّها سوف تنتصر وبأنّ السبيل الوحيد لإنهاء الحروب ليس التفاوض والسلم إنّما التفوّق العسكري وإلحاق أذى بالغ بالأعداء.
ورأى المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنّ في ظلّ تجاهل أطراف النزاع الحقائق على الأرض وإيمانها بأنّ النصر العسكري سوف يؤدّي إلى حلّ وسوف يكون من نصيبها، فإنّه من غير المفاجئ "أن تُهمَل قواعد القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، والسماح بوصول المساعدات الأساسية إلى الناس تحت الحصار، إلى جانب مقتل الآلاف".
وفي خلال إثارته إخفاق الدول الأعضاء في مجلس الأمن في مسؤوليتها المتعلّقة بمنع الحروب ووقفها والحفاظ على السلام والأمن، توجّه غراندي إلى ممثّليها قائلاً "هذه مسؤوليتكم الأساسية. وهي مسؤولية فشل هذا المجلس مراراً وتكراراً في الوفاء بها". أضاف: "أرجوكم لا تستسلموا لهزيمة الدبلوماسية. أتحدّث إليكم اليوم، مجدداً، بالنيابة عن 123 مليون نازح قسراً، وهم من أوائل ضحايا الحروب (...) عالقين في أوضاع مأساوية، وقد سعوا إلى الأمان، أو على الأقلّ حاولوا. لكنّهم سوف يظلّون يأملون بعودة آمنة (إلى بلدانهم)، ولن يستسلموا ولا يريدون لنا أن نستسلم".
غراندي: نحو ثلث الشعب السودان نازح
وتوقّف المسؤول الأممي عند نزوح نحو ثلث الشعب السوداني منذ بدء الصراع في البلاد قبل أكثر من عامَين، في منتصف إبريل/ نيسان 2023، ذلك الصراع الذي أدّى إلى أزمة إنسانية بلا حدود، بحسب ما وصفتها الأمم المتحدة في وقت سابق. وقال غراندي إنّ "كثيرين منهم (السودانيون) أُجبروا على النزوح من ديارهم بسبب أوضاع يصعب وصفها؛ من عنف عشوائي ومرض وجوع وفظائع جنسية متفشية وفيضانات وجفاف". وتناول التكلفة الإنسانية الباهظة التي يتحمّلها الشعب السوداني بسبب الحرب المتواصلة، مؤكداً أنّ "عواقب هذا الصراع امتدّت الآن إلى ما وراء حدود السودان، خصوصاً إلى الدول التي تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوداني؛ من مصر وإثيوبيا وأوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى. أمّا تشاد وجنوب السودان فهما الدولتان الأكثر تضرّراً، إذ تواجهان تحديات هائلة خاصة بكلّ منهما إلى جانب تدفّق اللاجئين إليهما، لكنّهما أبقتا حدودهما مفتوحة رغم النقص الشديد في التمويل الإنساني، إذ لم يُموَّل النداء الإقليمي الأخير للاجئين إلا بنسبة 11% فقط".
وتابع غراندي إحاطته بالأزمة السودانية، شارحاً أنّ "اللاجئين، الذين يصلون بلا شيء ولديهم احتياجات هائلة، لا يحصلون إلا على جزء ضئيل ممّا هو مطلوب بسبب انخفاض تمويل المساعدات، بالإضافة إلى ما تستطيع المجتمعات التشادية القريبة من الحدود تحمّله. ولا تدّخر السلطات جهداً"، لافتاً إلى أنّ "قوانين وسياسات اللاجئين التشادية تُعَدّ من بين الأكثر تقدّماً في العالم. ما ينقص تشاد هو الموارد، حتى تتمكّن من مواصلة استقبال اللاجئين. لا يمكننا تركها وحدها". وحذّر من استمرار الحرب الذي قد يؤدّي إلى مزيدٍ من تفكيك السودان وسط الانتهاكات المستمرة، وأشار إلى وجود نحو 200 ألف سوداني في ليبيا. كذلك حذّر من احتمال موجة نزوح في اتّجاه أوروبا.
غراندي: مليون سوري عادوا إلى بلادهم
في سياق متصل، توقّف المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في خلال حديثه عن سورية، بداية، عند رفع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني علم بلاده الجديد أمام مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك، يوم الجمعة الماضي، واصفاً ذلك بأنّه "نقطة تحوّل مهمّة". وأشار غراندي إلى بارقة أمل في سورية، على الرغم من التحديات الكثيرة، مبيّناً أنّ ثمّة انخفاضاً عاماً في أعداد النازحين السوريين مع بدء أعداد كبيرة منهم بالعودة إلى البلاد من الأردن وتركيا ولبنان. وأوضح أنّ أكثر من مليون سوري عادوا إلى بلادهم بعد سقوط النظام السوري السابق، فيما حثّ الدول على اتّخاذ إجراءات فورية تشمل تشجيع الاستثمار الخاص وضمان الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية في سورية.
من جهة أخرى، تناول غراندي وضع الروهينغا، الذين يصل عدد اللاجئين من بينهم إلى 1.2 مليون لاجئ، معظمهم في بنغلادش. وأثنى المسؤول الأممي على استقبال بنغلادش هؤلاء، مبيّناً في الوقت نفسه أنّهم يواجهون تحديات كثيرة في هذا البلد المضيف، تشمل حرمانهم من الحقّ في العمل مع الاعتماد كلياً على المساعدات، الأمر الذي يزيد من التحديات. كذلك تطرّق إلى الوضع في أوكرانيا ومحنة اللاجئين والنازحين الذين يصل عددهم إلى نحو عشرة ملايين.
