"غلوبال 195"... تحالف عالمي لملاحقة مرتكبي الجرائم الإسرائيليين

منذ ١ يوم ١٢

مع تواصل حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، والتي لم تتوقف فيها إسرائيل عن استهداف المدنيين والأطفال منذ أكتوبر/تشرين الأول عام 2023 حتى اليوم، تخرج مبادرات عديدة حول العالم لملاحقة مرتكبي الجرائم الإسرائيليين ومحاسبتهم قانونياً، كان آخرها التحالف القانوني العالمي "غلوبال 195" الذي أعلن عنه في العاصمة البريطانية لندن الأسبوع الماضي.
وبحسب المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين في المملكة المتحدة، فإن "غلوبال 195" عبارة عن تحالف مُكرّس لمحاسبة الأفراد الإسرائيليين ومزدوجي الجنسية المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.

وتأتي هذه المبادرة ضمن شبكة عالمية للمساءلة، تضمن استخدام الآليات القانونية المحلية والدولية لملاحقة الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب، أينما كانوا. وقال القيّمون على هذا التحالف خلال الإعلان عن إطلاقه في مؤتمر صحافي يوم الثلاثاء الماضي، بمنطقة ويستمنستر في لندن، إن التحالف سيعمل في الوقت ذاته ضمن ولايات قضائية متعددة لتقديم طلبات إصدار أوامر اعتقال خاصة، وبدء إجراءات قانونية ضد المتورطين. ومن بين الدول الممثلة في هذا التحالف، ماليزيا وتركيا والنرويج وكندا والبوسنة والهرسك والمملكة المتحدة.

تضمن المبادرة استخدام الآليات القانونية المحلية والدولية لملاحقة الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم حرب

تقديم الشكاوى بدأ

يستهدف نطاق عمل "غلوبال 195" أفراداً قاتلوا في جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى شخصيات من مختلف مستويات القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، من كبار صانعي السياسات إلى موظفي العمليات، المسؤولين بشكل مباشر أو غير مباشر عن انتهاكات القانون الدولي.

وقدّم "غلوبال 195" شكاوى في عدد من الولايات القضائية المُمثلة في هذا التحالف، وكما يجري العمل لتقديم المزيد في عدد من الولايات القضائية الأخرى أيضاً، حيث سيُعلن عن بعض هذه الشكاوى في الوقت المناسب، مع تقدم سير العمل، بحسب ما أكده المتحدث عن المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين، جوناثان بورسيل، لـ"العربي الجديد". ولن تقتصر مساعي "غلوبال 195" على تقديم شكاوى جنائية إلى أجهزة إنفاذ القانون الوطنية فحسب، بل سيُباشرون أيضاً دعاوى قضائية خاصة في المحاكم الوطنية ضد المشتبه بهم في جرائم الحرب، سواء كانوا من مواطني تلك الدول أو موجودين ضمن ولايتها القضائية، مستخدمين مكتبة من الأدلة الشاملة مُجمّعة وفقاً لمعايير القانون الجنائي.

في المملكة المتحدة، بُذلت بالفعل استعدادات مُتقدمة لرفع دعاوى قانونية ضد المواطنين البريطانيين المشتبه في انضمامهم إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي أو ارتكابهم جرائم حرب في غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وقال المتحدث باسم التحالف لـ"العربي الجديد" إن "الإبادة الجماعية في غزة أكدت مدى الإفلات من العقاب الذي لا تزال إسرائيل تتمتع به. مع أن هذا ليس تحدياً جديداً، إلا أنه كلما زادت خطورة الانتهاكات، ازدادت الدول الداعمة لإسرائيل استعداداً للتغاضي عنها". وأضاف أنه "مع ذلك، نعتقد اعتقاداً راسخاً أن حركة قانونية عالمية منسقة بين مختلف الدول ستجعل من الصعب على الدول الاستمرار في تجاهل الدعوات المتزايدة للمساءلة. يجب على الدول أن تسأل نفسها: هل يستحق الأمر الاستمرار في التحالف مع دولة مارقة يقودها دعاة حرب، أم قبول القانون الدولي والدفاع عنه؟".

واعتبر بورسيل أن هذه الحركة "ستساعد في القضاء على التردد كوننا هيئة التحقيق الوحيدة. عندما ترى أجهزة إنفاذ القانون أنها ليست الوحيدة التي يُطلب منها السعي للمساءلة، يجب أن تكون أكثر جرأة لاتخاذ الإجراءات التي كان ينبغي عليها اتخاذها بالفعل".
مكتبة من الأدلة

جُمعت الأدلة الرئيسية التي استخدمها التحالف على مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية في إطار تحقيق المركز الدولي للعدالة والسلام في النرويج في قضية "العدالة من أجل غزة". وأوضح القيّمون على التحالف إن هذه الأدلة، التي جمعها بدقة فريق التحقيق التابع للمركز الدولي للعدالة والسلام، والذي يضم خبراء من محققي شرطة العاصمة السابقين، تُلبي معايير الأدلة التي تتطلبها المحاكم الجنائية الدولية والمحاكم البريطانية.

وقال مدير المركز الدولي للعدالة والسلام، طيب علي، في مداخلته بالمؤتمر الصحافي، إن "عرقلة المؤسسات القانونية الدولية في ملاحقة الأفراد المسؤولين عن جرائم الحرب في فلسطين، إلى جانب فشل قوات الشرطة الوطنية في الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني ومبادئ الولاية القضائية العالمية، قد سمحت باستمرار إفلات مجرمي الحرب الإسرائيليين المشتبه فيهم من العقاب". وأضاف: "بموجب القانون الدولي، يقع على عاتق الدول واجب التحقيق في جرائم الحرب ومقاضاة مرتكبيها، إلا أن هذه الالتزامات أُهملت بشكل ممنهج. ويُعدّ إطلاق مبادرة "غلوبال 195" تدخلاً قانونياً ضرورياً لمعالجة هذا التقصير. من خلال تفعيل الآليات القانونية المحلية عبر ولايات قضائية متعددة، نضمن خضوع المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في غزة للمساءلة القانونية وعدم وجود ملاذ آمن لهم". وأكد طيب علي أن الإفلات من العقاب "على الجرائم الدولية الجسيمة ليس مستداماً من الناحية القانونية"، مشدداً على وجوب أن تلتزم الدول بالتحرك، وفي حال إخفاقها، يجب على المجتمع المدني التدخل لضمان تحقيق العدالة".

تتضمن مجموعة الأدلة التي ُجمعت حتى الآن 135 شهادة مباشرة من شهود عيان، مدعومة بمعلومات استخبارية مفتوحة المصدر، وروايات من جميع أنحاء غزة مقسمة على 16% من شمال غزة، 20% من محافظة غزة، 21% من دير البلح، 15% من خانيونس، و28% من رفح.

جوناثان بورسيل: حركة قانونية عالمية منسقة بين مختلف الدول ستجعل من الصعب على الدول الاستمرار في تجاهل الدعوات المتزايدة للمساءلة

وبيّنت نتائج التحقيق نمطاً من الانتهاكات المنهجية، بما في ذلك القصف العشوائي وغير المتناسب للمدنيين، استهداف متعمد ومنهجي للبنية التحتية الحيوية، هجمات على "مناطق آمنة" محددة، تكثيف الغارات الجوية على مخيمات اللاجئين، استخدام التجويع سلاحَ حرب وسياسات التهجير الجماعي القسري. وأكد المتحدث باسم التحالف أنه لن يكشف حالياً في هذه المرحلة من التحقيق عن عدد التوثيقات لأفراد متورطين في هذه الجرائم، إلا أنه أضاف: "لقد وثّقنا، وما زلنا نحقق ونوثّق، عدداً كبيراً من الجرائم التي ارتكبها أفراد إسرائيليون. وتشمل هذه الجرائم أفعالاً ارتكبها سياسيون على المستوى الإداري، بالإضافة إلى أفراد مثل الجنود مزدوجي الجنسية أو غيرهم ممن تورطوا بشكل مباشر في انتهاكات غزة أو ساعدوا في ارتكابها".

محامون ضمن "غلوبال 195"

وقال حسين ديسلي، نائب رئيس رابطة المحامين العالمية (WOLAS) المشاركة في هذا التحالف: "تلتزم الرابطة بدعم مساعي الشعب الفلسطيني نحو الحرية والعدالة والتعويضات والعودة الآمنة، وتدعم حقه في المقاومة، ومنع أعمال الإبادة الجماعية والفصل العنصري وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتصدي لها".

وأضاف: "بناءً على ذلك، تدعم رابطة المحامين العالمية مبادرة "غلوبال 195" بشكل كامل من خلال تقديم الشكوى بتركيا في خطوة حاسمة في تفكيك إفلات إسرائيل من العقاب". ولفت إلى أن "أي محكمة محلية لم تُصدر مذكرات توقيف بحق مجرمي الإبادة الجماعية والحرب الإسرائيليين، ما يكشف عن فشل النظام القانوني الدولي. يجب أن يكون العمل القانوني شاملاً استراتيجياً، لا مُجزأً رمزياً".
وتعمل رابطة المحامين العالمية بجبهة قانونية مُنسقة تكشف عن طبيعة الصهيونية العنيفة، وتحد من نطاقها، وتردع الاستعمار الصهيوني، وتقطع تدفق رأس المال والأسلحة والموارد إلى مشروع الإبادة الصهيوني، بحسب ما قاله ديسلي.

كما ورد في بيان مشترك صادر عن المركز الدولي للعدالة والسلام في النرويج ومنظمة الدفاع عن القانون الدولي، أنه "بصفتنا منظمتي مجتمع مدني تسعيان إلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون، نرى أهمية مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم الفظيعة بغض النظر عن جنسية الجاني أو الضحية. نحن مقتنعون بأن مثل هذه الجرائم ارتُكبت في غزة. ينبغي أن تؤدي هذه الشكوى الآن إلى تحقيقات مستقلة ونزيهة في جرائم الحرب المزعومة، وذلك أيضاً من قِبل مدعين عامين في دول ثالثة مُكلَّفة بولاية قضائية خارج الإقليم".

وقال أوانغ أرمادغايا بن أوانغ محمود، المحامي والمستشار القانوني (مالايا)، في مكتب السادة هاشاهاري وشركائه: "خلال الأشهر القليلة الماضية، أتيحت لنا فرصة الاطلاع على الأدلة الدامغة على جرائم الحرب المرتكبة في غزة، والتي جمعتها المحكمة الدولية للعدالة والسلام. نؤكد على حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، ونعارض جميع أشكال القمع ضدهم، بما في ذلك ارتكاب جرائم دولية مروعة في غزة والضفة الغربية".

وأضاف: "ندعو حكومتنا إلى تكثيف التنسيق القانوني والدبلوماسي اللازم بين الدول للتحقيق مع مجرمي الحرب المزعومين الذين وردت أسماؤهم في الشكوى ومحاكمتهم. كما قدمنا توصيات إلى الحكومة تتعلق بمراقبة الحدود وتقييدها، وتجميد الأصول، وربما فرض عقوبات مالية، وندعو القانونيين الماليزيين للانضمام إلى هذه القضية والانضمام إلى حركة "المحامين الماليزيين من أجل فلسطين". وتسعى الحركة حالياً إلى الحصول على اعتراف رسمي، ونأمل أن تجذب المزيد من المواهب والتفاني في خدمة القضية الفلسطينية".
وقتل جيش الاحتلال أكثر من خمسين ألف فلسطيني منذ السابع من أكتوبر 2023 في قطاع غزة والضفة الغربية، فيما يتواصل القتل بعد أن خرقت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار المبرم أخيراً.

قراءة المقال بالكامل