فتح مدارس غزة... استئناف التعليم لضمان مستقبل الطلاب

منذ ٢ شهور ٢٨

يعيد استئناف العملية التعليمية بعد شهور من النزوح والدمار والقتل الأمل في نفوس مئات الطلبة والطالبات الذين عادوا إلى مدارس غزة، والذين عطّل العدوان الإسرائيلي مستقبلهم سنتين.

عاد مئات الطلبة الفلسطينيين في قطاع غزة، اليوم الأحد، إلى مقاعد الدراسة من جديد، بعد انقطاع طويل نتيجة العدوان الإسرائيلي، وكانت باكورة افتتاح العام الدراسي بمدارس المحافظة الوسطى، كونها الأقل تضرراً، إضافة إلى مناطق أخرى جرى إصلاح بعض مدارسها لتنطلق العملية التعليمية بشيء من التنظيم، في محاولة لتعويض الطلبة عما فاتهم، على أن يكون موعد الاختبارات النهائية في يونيو/حزيران القادم.
وتأتي عودة الدراسة ضمن المبادرة التعليمية التي انطلقت مرحلتها الأولى في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واختُتمت في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، والتي استهدفت طلبة الثانوية العامة الذين كان من المفترض أن يتقدموا للاختبارات النهائية في شهر يونيو/حزيران 2024.
ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن العدوان الإسرائيلي حرم أكثر من 785 ألف طالب وطالبة من التعليم، ودمّر 132 مدرسة وجامعة بشكل كامل، وألحق أضراراً جزئية بـ348 مدرسة وجامعة، في حين تحولت مئات المدارس إلى مراكز لإيواء النازحين الذين كانوا يهربون من القصف الإسرائيلي، ظناً منهم أن تلك المدارس ستكون ملاذاً آمناً لهم.

استئناف الدراسة جزء من خطة وزارة التربية والتعليم لمعالجة آثار العدوان

يقول مدير مديرية التربية والتعليم بالمحافظة الوسطى، محمد حمدان، لـ"العربي الجديد": "انطلق العام الدراسي الجديد، وفق الموعد المحدد، بعدما جرى الانتهاء من تجهيز الفصول المدرسية، وإزالة الركام منها، وستشهد المحافظة الجنوبية عودة العملية التعليمية أيضاً، في حين أن محافظتي غزة والشمال لا تزال مدارسهما غير مهيأة، ومن المتوقع أن تكون الدراسة فيهما داخل الخيام، لأن غالبية المدارس مدمرة أو تضم نازحين".
ويشير حمدان إلى أنّ "عودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة تأتي ضمن خطة وضعتها وزارة التربية لمعالجة آثار العدوان، تتضمن تعويضهم عن العام الدراسي 2023- 2024، وقرار انطلاق الدراسة في هذا التوقيت جاء بعد إفراغ مدارس المحافظة الوسطى من النازحين، أو عودتهم إلى شمال القطاع، ما سهّل عودة الطلبة إلى المدارس، وقد بذلت وزارة التربية والتعليم جهوداً كبيرة بالتعاون مع البلديات لتجهيز المدارس لبدء العام الدراسي".
يتابع: "يجري تجهيز المدارس وفق الإمكانيات المتاحة نتيجة الظروف التي نعيشها، وتقرر أن يكون الدوام جزئياً، بواقع ثلاثة أيام أسبوعياً، حتى يتسنى لأكبر عدد من الطلبة الالتحاق بالمدارس، وفق الخطة التي أعدتها وزارة التربية والتعليم مسبقاً، والتي تجعل دوام المدارس أكثر مرونة، وتجعل الطلبة غير محتاجين لمبان مدرسية كاملة. نأمل أن تشهد الفترة القريبة القادمة عودة العملية التعليمية لجميع المراحل، كي يتسنى للطلبة متابعة المناهج الدراسية التي تعطّل استكمالها بسبب الحرب".

بدوره، رجح وكيل وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة، خالد أبو ندى، أن تعقد الاختبارات النهائية لطلبة شهادة الثانوية العامة خلال شهر مارس/آذار المقبل.
ويعكس إقبال الطلبة على التوجه إلى المدارس تحدياً للدمار الذي حل بالقطاع، والمآسي التي خلفتها الحرب على مناحي الحياة كافة في قطاع غزة. تقول طالبة الثانوية العامة حنين رمانة، إن حالة من القلق كانت تُسيطر عليها منذ بداية الحرب، خشية على ضياع السنة المصيرية لتحديد مستقبلها، خصوصاً أنها من الطالبات المتفوقات.
وتقول رمانة التي تدرس في مدرسة البريج الثانوية للبنات في المحافظة الوسطى لـ"العربي الجديد": "مخاوفي تضاعفت بعد استشهاد والدي خلال الحرب، ما أثّر سلباً بحالتي النفسية. استئناف الدراسة أعاد لي الأمل من جديد، وجدد بداخلي الطموح بمستقبل أفضل. قمت بالاستعانة بكتب دراسية لأحد الطلبة السابقين، وبدأت مراجعة المواد الدراسية".

توفير القرطاسية والمستلزمات الدراسية عقبات تواجه طلاب غزة

عاد الأمل أيضاً للطالبة سندس عاشور التي عادت إلى مدرستها في مخيم النصيرات، والتي كان من المفترض أن تقدم امتحانات الثانوية العامة في يونيو 2024. وتبيّن لـ"العربي الجديد": "استأنفت الدراسة في شهر نوفمبر الماضي، بإحدى المدارس الحكومية ضمن مبادرة تعليمية جرى الإعلان عنها، وأنهيت دراسة جميع المواد في نهاية شهر يناير الماضي. عودة الدراسة شكّلت لي حافزاً قوياً بعدما أصابني الإحباط مع اندلاع الحرب، وبعد الصعوبات التي واجهتها في الدراسة الإلكترونية، بسبب عدم توفر الإنترنت بشكل منتظم، والنزوح مرات عديدة، وأملي أن أنهي الثانوية العامة، خصوصاً بعد إعلان وزارة التربية والتعليم إمكانية عقد الاختبارات في شهر مارس القادم".

بدوره، يقول الطالب فارس حسين لـ"العربي الجديد": "العودة لمقاعد الدراسة أخرجتني من حالة التيه التي كنت أعيشها طوال فترة الحرب، خصوصاً في ظل انعدام أي أفق لاستكمال الثانوية العامة التي تعتبر مصيرية لتحديد مستقبلي. سنواصل التعليم رغم الدمار والخراب الذي لحق بمدارسنا وجامعاتنا، ولن نستسلم لمحاولات الاحتلال تجهيلنا، لذا بدأت جمع الكتب الدراسية، لكننا بحاجة إلى توفير بعض القرطاسية. كانت هناك حالة من الضبابية حول موعد تقديم الاختبار النهائي، لكن الأمور بدأت تتضح، إضافة إلى حالة الهدوء التي عمّت القطاع، في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار، والتي ساهمت أيضاً في توفير أجواء استكمال الدراسة".
لا يختلف حال الطالبة شذا نصار، التي سارعت للحصول على الكتب الدراسية فور إعلان عودة الدراسة، بعد انقطاع قسري طويل. وتقول لـ"العربي الجديد"، إن "عودة الدراسة أعادت لي الأمل باستكمال تعليمي بعد فترة طويلة من القصف والدمار والخوف. رغم الصعوبات والعقبات التي تواجهنا، خصوصاً في توفر القرطاسية والمستلزمات الدراسية، نأمل أن تستمر العملية التعليمية، وصولاً إلى الامتحان النهائي المقرر عقده في شهر يونيو القادم".
من جانبها، تؤكد مديرة مدرسة ممدوح صيدم الثانوية في مخيم النصيرات، عائشة يونس، أن فكرة عودة التعليم انطلقت في شهر نوفمبر الماضي، استجابة لمطالبات أولياء طلبة الثانوية العامة الذين كان يفترض أن يتقدموا للامتحانات النهائية السنة الماضية. وتوضح لـ"العربي الجديد"، أنه "جرى البدء في تعليم طلبة الثانوية داخل مبنى مدرسة تعرّضت للقصف في وقت سابق بعد إزالة الركام، وكان الدوام جزئياً بواقع ثلاثة أيام أسبوعياً. المرحلة الثانية من المبادرة التعليمية التي بدأت بالفعل، تستهدف طلبة الثانوية العامة الذين كان يفترض أن تبدأ دراستهم في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، على أن يتقدموا للامتحانات النهائية في شهر يونيو القادم".

وتُفيد يونس بأن "مدرستنا تضم حالياً 1800 طالب وطالبة بدوام جزئي لثلاثة أيام بواقع أربع ساعات يومياً، والمدرسة تعمل بإمكانيات محدودة، إذ نعاني من نقص الكراسي والأثاث والقرطاسية وغيرها من المستلزمات التعليمية. عودة الطلبة إلى مقاعد الدراسة ضروري لاستكمال العام الدراسي، وهناك إقبال واضح من الطلبة على التعليم".
ويقول مدير مدرسة المنفلوطي في دير البلح بالمحافظة الوسطى، حسام صلاح، إن المرحلة الأولى من المبادرة التعليمية انتهت في نهاية شهر يناير الماضي، وبدأت المرحلة الثانية التي تستهدف طلبة الثانوية العامة 2007. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "آلية العملية التعليمية ستكون اعتيادية، بحيث يجري توزيع الطلبة على الشعب الدراسية، ومدارس الثانوية ستستقبل طلابها المُسجلين قبل انطلاق الحرب. الدراسة في مدرستنا لم تبدأ بعد، لأن آخر النازحين غادروها قبل أيام قليلة، وقد أصبحت الغرف الدراسية متاحة، ويجري حالياً تجهيز البيئة التعليمية، وفق الإمكانيات القليلة المتاحة، وذلك بعد أن حوّلها النازحون إلى غرف صالحة للسكن. سيجري تدريس كل المواد الدراسية وفق المنهاج التعليمي المُقرر، وجرى توفير معلمين في جميع التخصصات لطلبة الثانوية العامة".
وأظهرت صور متداولة عبر "فيسبوك" عدداً من طلاب جامعة القدس المفتوحة في غزة، داخل أحد الفصول الدراسية التي أصابها الدمار الجزئي، في إشارة تُظهر حجم تمسّك هؤلاء الطلاب باستكمال التعليم، وتحدي الدمار ومحاولات التجهيل.

قراءة المقال بالكامل