مع ترقب العالم تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب اليوم الاثنين، رافعاً وعود إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية لا يزال السلام المنشود يبدو بعيد المنال على ضوء استمرار الأعمال القتالية وحالة انعدام الثقة بين طرفي النزاع، ومخاوف كل منهما من أن يستثمر خصمه فترة تجميد النزاع للاستعداد لهجوم جديد لاسترداد أراضي دونباس في الحالة الأوكرانية أو السيطرة على مزيد من المدن والمقاطعات في الحالة الروسية.
كما لا تبدي موسكو تفاؤلاً مفرطاً في واقعية تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة عليها بسبب الحرب الروسية الأوكرانية مع عودة ترامب، إذ توقع الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، قبيل تنصيب ترامب عدم تغيير الإدارة الأميركية الجديدة موقفها من قضية العقوبات ضد روسيا بشكل كبير رغم إشهارها إرادة سياسية للحوار. ويبدي بيسكوف، في تصريح صحافي الجمعة الماضي، توقعاته هذه في معرض تعليقه على تأكيد المرشح لمنصب وزير الخزانة، سكوت بيسنت، أنه سيدعم تشديد العقوبات على قطاع النفط الروسي في حال اتخذ ترامب مثل هذا القرار لإرغام روسيا على مفاوضات السلام مع أوكرانيا.
تشكيك موسكو بجدوى تجميد الحرب الروسية الأوكرانية
يجزم الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، بأن سيناريو تجميد النزاع على خطوط التماس الحالية الذي يروج له ترامب، سيعني مجرد تأجيل الحرب الروسية الأوكرانية من دون إزالة أسبابها الجذرية.
قسطنطين بلوخين: سيناريو تجميد النزاع سيعني تأجيل الحرب من دون إزالة أسبابها الجذرية
ويقول بلوخين، لـ"العربي الجديد": "تتمنى إدارة ترامب تجميد النزاع الروسي الأوكراني على خطوط التماس الحالية ووقف التقدم الروسي عبر المفاوضات، وتحقيق سيناريو أشبه بالكوريتين أو تقسيم ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) مع تقسيم أوكرانيا إلى مناطق نفوذ، ولكن المشكلة تكمن في أن الغرب قد يستثمر هذه الاستراحة، التي قد تمتد لما بين 10 و15 سنة، لتحديث قطاع الصناعات الحربية، أي سيناريو تعويم النظام الأوكراني والحرب المؤجلة بلا حل جذري للأزمة ومن دون ضمان حياد أوكرانيا لروسيا". ويخلص إلى أنه من السذاجة أن تتوقع روسيا أن يقدم ترامب لها هدية في أوكرانيا، بل قد يقلص فقط الدعم المقدم لكييف مقابل خفض موسكو مستوى علاقاتها الاستراتيجية مع بكين التي يراها الخصم الجيوسياسي الأكبر لبلاده في القرن الـ21.
ولم يقتصر التوتر الروسي الأميركي في عهد الرئيس السابق جو بايدن، على التصعيد حول أوكرانيا، بل شهد أيضاً انهياراً فعلياً لمعاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت-3) التي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في فبراير/شباط 2023، تعليق مشاركة روسيا فيها، متهماً واشنطن بتطوير أنواع جديدة من الأسلحة النووية. إلا أن بلوخين يستبعد احتمال وجود انفراج في القضايا الحيوية بين موسكو وواشنطن مثل الرقابة على الأسلحة والاستقرار الاستراتيجي مع ترامب، قائلاً: "لا آفاق كبيرة لإبرام معاهدة جديدة للحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية، نظراً لتعامل الجمهوريين مع مثل هذه القضايا بشيء من السلبية وإصرارهم على فرض شروط، من قبيل تقييد روسيا في تطوير الأسلحة فرط الصوتية وإشراك الصين التي ترفض ذلك".
ويذكّر بلوخين بأن "الجمهوريين انسحبوا خلال ولاية ترامب الأولى بين 2017 و2021 من معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى ومن معاهدة الدرع الصاروخية (الموقعة) في عهد الرئيس جورج بوش (الابن)". وكان بوتين انتقد عند إعلانه عن استخدام صاروخ "أوريشنيك" البالستي فرط الصوتي لأول مرة في أوكرانيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قرار الولايات المتحدة الانسحاب من معاهدة الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى بـ"ذريعة مفتعلة" في العام 2019، واصفاً إياه بـ"الخاطئ"، ومحملاً واشنطن المسؤولية عن "هدم منظومة الأمن الدولي".
يتوقع مالك دوداكوف عدم تحقيق أي انفراجة سريعة في ظل استمرار تباين مواقف موسكو وواشنطن
ويلفت المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي، مالك دوداكوف، إلى انعدام الإجماع بشأن كيفية التعامل مع الملف الأوكراني داخل فريق ترامب نفسه. ويقول، في تعليق لـ"العربي الجديد": "صحيح أن مواقف فريق ترامب حيال الملف الأوكراني تختلف عن مقاربة الإدارة السابقة، ويدعو إلى خفض التصعيد، ولكن المسألة تكمن في ماهية العرض الذي سيقدمه لروسيا في إطار مساعي إنهاء النزاع. حتى الآن ثمة انطباع بانعدام الإجماع في فريق ترامب بشأن هذه المسألة كونه يضم أجنحة من البراغماتيين والصقور والانعزاليين في آن معاً". ويتوقع دوداكوف بدء عملية تفاوضية ما بشأن أوكرانيا بعد تنصيب ترامب قد تستغرق عدة أشهر من دون تحقيق أي انفراجة سريعة في ظل استمرار تباين مواقف موسكو وواشنطن، معتبراً، في الوقت نفسه، أن التقدم الذي تحققه روسيا على الأرض حالياً يعزز مواقفها في المفاوضات، ما يدفع بإدارة ترامب للاستعجال في تمرير خطة ما للتسوية أو تجميد النزاع.
إرهاق أوكراني من الحرب
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعرب، في تصريح صحافي قبل تنصيب ترامب بأيام عدة، عن قناعته بأن الرئيس العائد إلى البيت الأبيض قادر على الضغط على موسكو لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية هذا العام، مؤكداً ضرورة التوصل إلى اتفاق معه يمنح أوكرانيا ضمانات أمنية محددة. إلا أن الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، يشكك في قدرة ترامب على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية مرجعاً ذلك إلى ما يعتبره إصراراً روسياً على القضاء الكامل على الدولة الأوكرانية بصورتها الحالية، مقراً، في الوقت نفسه، بإرهاق المجتمع الأوكراني من الحرب. ويقول سيميفولوس، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" من كييف: "لا خطة واضحة لدى ترامب، ويمكن الجزم بأنه لا تغييرات جذرية ستطرأ على الوضع بعد تنصيبه. صحيح أنه قد يتم عقد نوع من المشاورات حول أوكرانيا بحلول فبراير/شباط أو مارس/آذار المقبلين، ولكن ترامب بدأ يقر بأن الوضع أكثر تعقيداً مما كان يتصوره خلال حملته الانتخابية".
ويرجع تشكيكه في قدرة ترامب على إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية إلى عوامل خارج سيطرته، مضيفاً: "تريد روسيا القضاء على الدولة الأوكرانية، ما يعني أن تجميد النزاع سيكون بمثابة هدنة مؤقتة ستشن روسيا بعدها هجوماً جديداً. أما أوكرانيا، فتكبد روسيا حالياً خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، ولا يزال الرأي العام الأوكراني متقبلاً لاستمرار الحرب رغم إرهاق المواطنين منها".
وكان استطلاع أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع نشر نهاية العام الماضي، قد أظهر تراجعاً جديداً في نسبة الأوكرانيين الذين يبدون استعداداً لتحمل متاعب النزاع مع روسيا لـ"أي فترة مطلوبة" من 63% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى 57% بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي. وبحسب نتائج الاستطلاع فإن 18% من المستطلعة آراؤهم أكدوا استعدادهم لتحمل الحرب لبضعة أشهر أخرى، و3% لنصف عام والنسبة ذاتها لعام كامل.
