يضم كتاب «العلامة الدكتور جمال حمدان.. ولمحات من مذكراته الخاصة» مجموعة كتابات ذاتية للدكتور جمال حمدان لم تُكتب في حينها بغرض النشر، بل لتسجيل ما شغل عقل وقلب الراحل العظيم من أفكار وآراء وهموم حول حاضر ومستقبل مصر خاصة والعالم العربي والعالم الإسلامي عامة، جمعها ونشرها شقيقه الدكتور عبدالحميد صالح حمدان عام ٢٠١٠ بعد ١٧ عامًا من رحيله.
يعود توقيت كتابة هذه الخواطر الفكرية والسياسية- فيما أظن- إلى الثلاث سنوات الأخيرة قبل رحيل جمال حمدان يوم ١٧ إبريل ١٩٩٣؛ لأنه يذكر فيها حرب البوسنة والهرسك التي اشتعلت قبل رحيله بعام يوم ٦ إبريل ١٩٩٢، كما يبدو مهتمًا بشكل كبير بتحليل ظاهرة صعود جماعات الإسلام السياسي، وبنقد فكرهم المتطرف وإرهابهم المسلح، وهو الإرهاب الذي بلغ ذروته في مصر مع مطلع تسعينيات القرن الماضي.
أهم ما يميز هذه الخواطر طابعها التنبؤي الواضح، ولغتها شديد التكثيف والإيجاز التي تقترب من لغة الكتابة الفلسفية الشذرية التي توصل فكرتها ورسالتها في أقل عدد من الكلمات، وتظل في الوقت ذاته متخمة بالمعاني والدلالات وقابلة لتأويلات جديدة.
كما تميزت أيضًا بشجاعة منقطعة النظير في الرصد والتحليل والعرض والنقد، وفى دخول مناطق فكرية وسياسية محرمة ومسكوت عنها، والتعبير عن آراء جمال حمدان واستنتاجاته فيها دون تهيب أو تردد، بشكل يُعطى القدوة والمثل الأعلى للمفكر والمثقف الشجاع صاحب الرسالة الذي يعيش زمنه وهمومه ومشكلاته، ويُساهم بفكره وعقله في بناء المشروع الوطني القومي لوطنه وأمته.
ولنتأمل معًا بعض أفكار وخواطر جمال حمدان حول حاضر ومستقبل مصر والمصريين، والتي جاءت من عقل وقلب مصري صادق وأمين في صورة نبوءات وتحذيرات جعلته مثل زرقاء اليمامة أو مثل الصارخ في البرية يوحنا المعمدان.
يقول جمال حمدان في رصد تغير مكانة وموقع ودور مصر في العالم العربي وعمقها الإفريقي: «إن كل بحث في العالم العربي وخارجه يؤكد حقيقة محزنة واحدة، وهى أن مصر لم تعد وحيدة على القمة في العالم العربي، بل أصبح لها منافسون عديدون، ومنهم أنداد أو مدعون... مصر التي لا تتغير مقولة كانت صحيحة، الأصح الآن مصر تتغير جدًا؛ كل شيء في مصر وحولها يتغير الآن، لكن واأسفاه يتغير نحو الأسوأ: في مياه النيل، في العالم العربي والشرق الأوسط، في العلم، في المعيشة... إلخ».
