في المسألتين العلوية والسنّية

منذ ٢ ساعات ١٢

بلور دعم العلويين للنظام وعياً سُنّياً في جزءٍ منه صحيح من حيث مطابقته الواقع، وفي جزئه الآخر مضاعفاً تجاه العلويين، فلو اتصف النظام بالحكم الرشيد، ولو قدّمت الطائفة العلوية مشروعا سياسيا حداثيا، لما نشأت الريبة تجاه العلويين، ولما تضاعفت إشكاليّتهم في الوعي الجمعي السُني الثائر.

لا يمكن فصل أسئلة الديمقراطية والمواطنة والعدالة الانتقالية وطبيعة النظام السياسي عن المسألة الطائفية في المجتمعات العمودية (حيث تتداخل البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية معاً)، فالطائفية هنا جزءٌ أصيلٌ من هذه الأسئلة، بمعنى أن الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب طرح الإشكال الطائفي بكل شفافية، خصوصاً وضع الطائفة العلوية في الحالة السورية.
ولكي يكون طرح المسألة العلوية عقلانياً وموضوعياً، يجب الإجابة عن سؤالين رئيسيين: هل كان النظام السوري في عهد الأسدين طائفياً أم سلطوياً؟ وهل كان العلويون، كجماعة لها هُوية فرعية مثل جميع الهُويات الأخرى، طائفيين مناهضين في تفكيرهم وسلوكهم للأكثرية السُنية؟... على الرغم من أن الإجابة عن السؤالين صعبة، إلا أن محاولة تقديم إجابة عنهما ربما تساهم في فهم الإشكال وتجاوزه على المستوى الوطني في هذه المرحلة الفارقة التي تمر بها سورية.

أن تُرحب الطائفة العلوية بوصول شخصٍ منها إلى رئاسة الجمهورية (حافظ الأسد) وتدعمه، فهذا طبيعيٌّ ومفهومٌ ومبرّر، كما هو حال أي طائفة وإثنية غيرها

نظام الأسديْن
النظام الطائفي هو الذي يُخصص موارد الدولة لأجل هدف محدّد، رفع مستوى الطائفة التي ينتمي إليها على حساب باقي الطوائف. إذا ما بدأنا بالصعيد الديني لوجدنا، من جهة، أن أول ما قام به حافظ الأسد القضاء بالقوة على أي محاولة علوية لبناء مرجعية دينية، حتى لا تتحوّل الطائفة إلى كتلة ذات وزن اجتماعي ـ هُوياتي، يمكن لها أن تلعب دوراً خارج دائرة منظومة النظام الحاكم. ولوجدنا، من جهة ثانية، أن الأسد لم يسمح بشرعنة أي دين على مستوى الدولة، سوى المذهب السُني، المسموح له فقط بالتعبير عن ذاته مؤسّسياً وتعليمياً باعتباره يُشكل هوية سورية، إلى جانب حرّية العبادة للمسيحيين، أما الطوائف الاخرى، فلم يكن يُسمح لهم بإظهار الطقوس الدينية علناً.
على مستوى الاقتصاد، لم يكن نظام الأسد في توزيعه للأعطيات طائفياً، فقد كان يغضُ الطرف عن كل بارونات النظام، بمعزلٍ عن انتمائهم الديني والطائفي، فالأعطيات وعمليات التجارة الشرعية وغير الشرعية كانت توزّع تبعاً لمقتضيات السلطة فقط (الولاء).
وعلى الصعيد الاجتماعي، حرص الأسد الأب على بقاء العلويين فقراء في قراهم، حتى يكونوا خزّاناً داعماً للنظام، لأن التاريخ ونتائج التحليل السوسيولوجي يؤكّدان أن الوفرة الاقتصادية ستؤدّي بالضرورة، إلى التفكير البراغماتي المتعارض مع بنى التفكير العضوية.
وعلى المستوى السياسي، لم يعمل النظام على تحويل العلويين إلى طائفة سياسية من شأنها أن تتحوّل إلى كتلة تاريخية سياسية قادرة على فرض نفسها، فهذا كان خطّاً أحمر، فما هم إلا أدواتٌ في خدمة النظام، ومن يحاول الاعتراض يُقتل على الفور.
ويؤكّد احتياج نظام الأسد الطائفة العلوية أنه، مثل أي نظام سلطوي مهما بلغت قسوته، يحتاج إلى تحالفاتٍ اجتماعيةً متعدّدة الهُويات، على الرغم من أن البنية القسرية له قائمة على الجيش والأجهزة الأمنية، وإذا كانت الأخيرتان تؤكّدان تمركز السلطة عموديا، فإنهما غير كافيتين لتوسيعها أفقياً. ولهذا احتاج الأسد أربعة أركان لضمان توسيع سلطته واستمراريتها:
أولاً، ضرورة تماهي الطائفة العلوية مع النظام، بإحياء مظلومية تاريخية وتضخيمها أيديولوجياً، وعبر توسيع توظيف أفراد الطائفة في جميع مؤسّسات الدولة، رابطاً بذلك حاجتهم الاقتصادية من جهة وبذاكرتهم التاريخية من جهة أخرى من أجل ربط مصيرهم بمصير النظام. ثانياً، التحالف مع البرجوازية السنية الفاعلة، وهو تحالفٌ سرعان ما تحوّل إلى تزاوج بين السلطة والمال. ثالثاً، إدخال أفراد الريف في مؤسسات الدولة كافة، خصوصاً المؤسستين العسكرية والأمنية (أغلبيتهم سُنة)، من أجل القضاء على الهيمنة السياسية والاقتصادية التاريخية لدمشق وحلب. رابعاً، اعتماد أيديولوجيا قومية عابرة للطوائف، تضع القضية الفلسطينية في القلب منها.
وفق هذه المعطيات التاريخية، لم يكن النظام طائفياً، بل كان سلطوياً رثّاً بامتياز، استغل الذاكرة التاريخية العلوية الممتلئة بالمظلومية التاريخية لتدعيم سلطته، ولم يكن اختيار حافظ الأسد العلويين للمناصب الحساسة نابعاً من أيديولوجية طائفية علوية، بقدر ما كان نتاجاً لما تتطلّبه السلطة، إنها العصبية بالمعنى الخلدوني.

الطائفة العلوية
بالنسبة للسؤال الثاني المتعلق بالطائفة العلوية، فهو السؤال الأصعب والأكثر تعقيداً: أن تُرحب الطائفة العلوية بوصول شخصٍ منها إلى رئاسة الجمهورية (حافظ الأسد) وتدعمه، فهذا طبيعيٌّ ومفهومٌ ومبرّر، كما هو حال أي طائفة وإثنية غيرها.
لكن ما حصل منذ ثمانينيات القرن الماضي، بعيْد أحداث حماة (1982)، أن النظام أمنن الطائفة العلوية وعسكرها، وشيئاً فشيئاً، أخذت الطائفة بعموميتها تجد نفسها جزءاً أصيلاً من النظام: ظهر ذلك عبر تسهيل انخراطهم جماعياً في العمل في مؤسّسات الدولة، خصوصاً الأمنية والعسكرية، على حساب غالبية أبناء الطائفة السنّية الذين وجدوا صعوبة كبيرة في الحصول على وظيفة حكومية.
وظهر ذلك عبر استهجان أي عملية نقد فردية للنظام من خارج الطائفة، والأمثلة لا تُعد ولا تُحصر، إلى درجة أن أحداً لا يجرؤ على نقد الأسد أمام أي علوي، مع حالات استثنائية نادرة. المقصود من هذا أن الطائفة العلوية وجدت في النظام عصباً لها، بقدر ما وجد الأخير فيها عصباً له. ومن هنا، كانت للطائفة مصلحة قوية ببقاء نظام الأسد الأب والابن، كما كانت لنظام الأسديْن مصلحة قوية ببقاء العلويين جزءاً أصيلاً من ترتيباتهما الداخلية.
ولا يعني ذلك كله أن ثمة تماهياً كلياً بين الطائفة والنظام، فهذا غير ممكن عملياً، فكثير من العلويين، بمن فيهم المؤيدون للنظام، غير راضين عن سلوكه الداخلي، لكن ثمة فارقاً هاماً بين عدم الرضا هذا والخروج عليه: لقد كان النقد أو عدم الرضا ينبع من داخل الوحدة، لا من خارجها، ولهذا استمرّ العلويون في دعم بقاء النظام دائماً في كل الأوقات، بما فيها العصيبة منها.
وأي محاولة من بعض الأشخاص للحديث عن وقوف سوريين علويين مع المعارضة ضد نظام الأسد هو قول حق يُراد به باطل، فالاستثناء لا يُلغي القاعدة، ولا تنفع هنا محاولة الفصل بن النظام والطائفة العلوية، ولا تنفع أيضاً محاولات بعضهم اعتبار العلويين مجرّد أدوات داخل مشروع الدولة الأمنية، ففي ذلك تقليل من قيمة العلويين بتحويلهم إلى مجرد قطيع لا فكر ولا إرادة لهم.
لم تكن العلاقة المتداخلة بين الطائفة والنظام قائمةً على أيديولوجيا دينية، أي بنظام المعتقدات الديني، ولا بمصالح اقتصادية واسعة، بل من أجل هُوية علوية، وهذا ما يدفعنا إلى النظر إلى الكينونة السياسية في فهم سلوك الطائفة.
يتعلق الأمر بالمستوى السياسي عند المفترق التاريخي الذي انتقلت فيه الطائفة العلوية من طائفةٍ اجتماعيةٍ منغلقةٍ خلال قرون عديدة إلى طائفةٍ اجتماعيةٍ منفتحةٍ منذ مرحلة الاستعمار الفرنسي، ثم إلى طائفة سياسية وسمت تاريخ سورية المعاصر بشخص حافظ الأسد، وانعكس ذلك مباشرةً في وعيها الجمعي، ونشأت أنا جمعية متضخّمة، تقطع مع التاريخ الغابر، وترفض استذكاره، وترفض أيضاً فكرة تغيير الواقع الحالي، مع ما يستجلبه ذلك من مآسٍ في مخيّلة الوعي الجمعي للطائفة، قد تنالها من الحكّام الجدد إذا ما سقط النظام. وهذا ما يُفسّر نجاح النظام بتحويل الطائفة العلوية بعد الثورة إلى خزّانٍ بشريٍّ رئيسٍ في القتال، ذلك أن مخاطرة الفرد بتعريض حياته للموت يتطلّب أكثر من مجرّد ترويع أمني أو منافع اقتصادية أو سياسية.

من الجانب السُني، بلور دعم العلويين للنظام وعياً سُنّياً في جزءٍ منه صحيح من حيث مطابقته الواقع، وفي جزئه الآخر مضاعفاً تجاه العلويين

وقد بيّنت تجارب التاريخ العديدة، خصوصاً في الحروب، أن الحوافز المؤثّرة في سلوك البشر، ليست اقتصادية، فهي الأقل ثباتاً وديمومة، وإنما الحوافز الأكثر خصوصيةً للنفس البشرية، مثل العاطفة الدينية أو العصبية الهُوياتية. وبهذا المعنى، يشكّل هذا النوع من العواطف، إلى جانب الأيديولوجيا العُصبوية، الآليات الرئيسة التي تصوغ اللحمة بين الطائفة والحرب في أوقاتٍ معينة. وهذا ما يفسّر، أيضاً، كيف أن الطائفة العلوية، في عموميّتها، لم تنظر إلى مطالب الثورة عام 2011 أنها مطالب حداثيةٌ ترمي إلى إسقاط نظام دكتاتوري بوليسي لصّ، من أجل بناء دولة الحرية والديمقراطية والمواطنة، بقدر ما نظرت إلى هذه المطالب من منظارٍ طائفيٍّ، هو عودة الهيمنة السُنّية.

أهي علوية سياسية؟
بيّنت الأحداث منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي حجم الانطواء العلوي على الذات، فلم نشهد ظهور قيادة جماعية موحّدة ممثلةً للعلويين قادرة أن تعبّر عنهم وتعبر بهم إلى أمان سياسي من النخبة الحاكمة، حتى بعد التطمينات التي قدّمها الشرع مباشرة أو من خلال رجاله إلى العلويين في الأسابيع الأولى التي أعقبت سقوط النظام.
يؤكد ذلك زيف مقولة "العلوية السياسية" التي ردّدها كثيرون، وأولهم صادق جلال العظم، حين اعتبر هيمنة المكون العلوي على مفاصل الدولة الحساسة كافيةً لنعت هذا المصطلح باعتباره حقيقة قائمة، وبهذا تصبح "العلوية السياسية" مرتبطةً بالشخوص لا بالبرامج السياسية وطبيعة النظام السياسي.
ويُفهم من كلام العظم أن "العلوية السياسية" ظاهرة استثنائية، ولا تكمن استثنائيّتها في طبيعة العلاقات المتداولة في المنظومة السلطوية، ولا في دورها السياسي كمنظومة إنتاج معرفية ـ سياسية، وإنما تكمن استثنائيّتها في أن العلويين كأقلية يستأثرون بحكم بلدٍ يطغى عليه السُنة.
والحقيقة أن هيمنة علويين على المفاصل الخطيرة في النظام لا يؤدّي، بالضرورة، إلى وجود "علوية سياسية" على غرار "المارونية السياسية" في لبنان، ويا ليت "علوية سياسية" نشأت في سورية، فلو حصل ذلك لاضطرّت إلى ترك مسافة مع النظام من أجل تقديم نموذج سياسي يسمح لها بالاستمرار كجماعةً سياسية، مع ما يتطلبه ذلك بالضرورة من تقديم نموذج سياسي حداثي.
وسواء كان النظام هو الذي منع نشوء "علوية سياسية" أم أن هذا الأمر كان خارج المُفكر فيه لدى العلويين، فإن وقوف الطائفة بالعموم إلى جانب النظام، لا سيما بعد اندلاع الثورة، يؤكّد انعدام وجود هذه الظاهرة السياسية، فأقصى ما كانت تأمله الطائفة بقاء نظام الأسد مع تحسين سلوكه الداخلي سياسياً، وتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، أي بقاء مكامن القوة الاجتماعية كوعي هُوياتي، وهذا منوطٌ ببقاء النظام.
من الجانب السُني، بلور دعم العلويين للنظام وعياً سُنّياً في جزءٍ منه صحيح من حيث مطابقته الواقع، وفي جزئه الآخر مضاعفاً تجاه العلويين، فلو اتصف النظام بالحكم الرشيد، ولو قدّمت الطائفة العلوية مشروعا سياسيا حداثيا، لما نشأت الريبة تجاه العلويين، ولما تضاعفت إشكاليّتهم في الوعي الجمعي السُني الثائر. هنا، يبدو من المهم طرح سؤال حقيقة العلويين، بخلاف ما ذهب إليه البعض حين اعتبر سؤالاً غير مهمّ.
لكي يخرج هذا السؤال من العباءة الطائفية إلى العباءة الوطنية، وجب أن يشمل كل مكوّنات المجتمع، لأن معرفة حقيقة هُوية المكونات السورية تسمح لنا بإصدار حكم سياسي يبدو ملحّاً اليوم، ولنا في المثال الدرزي ما يؤكد ذلك، فذهاب وفد درزي سوري إلى إسرائيل يفرض، بالضرورة، طرح سؤال حقيقة الدروز، أو على الأقل حقيقة بعض منهم، إنه سؤال الهُوية الضروري في هذا المفترق التاريخي الذي تمرّ به سورية. وينطبق الأمر نفسه على الأكثرية السُنية، المطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بكشف حقيقتها، أهي مشروع وطني جامع، أم هيمنةٌ سُنّيةٌ بلباسٍ سياسيٍّ متنوّعٍ في الظاهر، كما كان حكم الأسد: دكتاتورية فجّة تحت غطاء تعدّدية حزبية.

السلوك السياسي للحكم الجديد ذي اللون والمسار الأوحد يفتح الباب أمام أطراف داخلية كثيرة لتلمّس مساراتها السياسية والهُوياتية بعيداً عن الدولة

ما العمل؟
وفقا لما تقدّم، يمكن أن أحاجج بأن المكوّن العلوي اليوم هو أكثر المكوّنات استعداداً للانخراط في مشروع وطني جامع، لا بسبب حالة الخوف الجماعية لديهم حالياً، ولا بسبب تعميةٍ أو تقيةٍ سياسيةٍ لتمرير الوقت فحسب، بل والأهم لأنهم خبروا حقيقة النظام خلال السنوات الخمس الماضية تحديدا، وشاهدوا كيف انتهى حكم الأسد اللص.
لقد أدركوا الآن أن آل الأسد كانوا يستغلون الطائفة لحماية عروشهم ليس إلا، وأن نظام الأسد رمى الطائفة على مذبح الثورة.
وبهذا، يمكن القول إن الحالة العلوية اليوم تعبّر عن حالة سياسية خام، فإما أن يُدفع بهم إلى الانطواء على أنفسهم وإعادة تكرار الماضي، أو أن يُدفعوا إلى الانخراط في الدولة الجديدة.
لا توجد لدينا معطياتٌ واضحةٌ يمكن من خلالها إطلاق أحكام سياسية محدّدة تجاه الحكم الجديد في سورية، فلا نعرف على وجه اليقين ما إذا كان يُمارسون تقية سياسية، ظاهرها الانفتاح على كل المكوّنات الاجتماعية وإشراكها في الحكم الجديد، وباطنها الاستئثار السُني بالحكم، عبر إعادة إنتاج عصبية سنّية على غرار ما فعل الأسد بإنتاج عصبية علوية.
في جوهر المشروع السياسي الحديث الذي يُنتجه الشرع، شكلاً من أشكال التنافر الأنطولوجي، فما يحدثُ عملية إقصاء واضحة لجميع مكوّنات المجتمع السوري على المستوى السياسي، في وقتٍ يعدُ فيه الشرع السوريين بمرحلة سياسية تقطع مع استبداد النظام السياسي. والسلوك السياسي للحكم الجديد ذي اللون والمسار الأوحد يفتح الباب أمام أطراف داخلية كثيرة لتلمّس مساراتها السياسية والهُوياتية بعيداً عن الدولة. في هذه المفاصل التاريخية الفارقة في الدول والمجتمعات، يكون للفاعل السياسي الدور الرئيس، إما بأخذ البلد إلى برّ الأمان أو دفعه إلى التهلكة.
وفي الحالة السورية المعقدة، لن يكون أمام الحكّام الجدد سوى سبيلين: الأول، اعتماد النهج الإيراني القائم على هيمنة التيار الديني المتشدّد، سواء في مرحلة الخميني، عندما قرّرت النخبة الحاكمة المتشدّدة منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، ليس بإقصاء التيارات اليسارية فحسب، بل إقصاء الشخوص الإصلاحية داخل التيار الإسلامي.
السبيل الثاني، الارتقاء إلى مستوى استلهام نهج نيلسون مانديلا إذا استطاع الشرع وأركان حكمه إلى ذلك سبيلاً، باعتماد أسلوب مانديلا السياسي، حين ارتقى بنفسه فوق الخلافات، بوصفه رئيساً لكل الشعب، وحين مدّ يده إلى قادة ثوريين آخرين يتبعون أيديولوجياتٍ ومصالح إقليمية مختلفة جدّاً، في وقت كان فيه قادراً على الاستفراد بالحكم، غير أن بصيرته كرجل دولة فرضت عليه اختيار التشارك السياسي لا الإقصاء.
وإذا ما افترضنا أسوأ السيناريوهات، وهو الخيار الأول، فالحلُّ، بالنسبة لباقي مكوّنات الشعب السوري، لا يكون باعتماد السلاح كما حصل في الساحل من فلول نظام الأسد، ولا بالارتماء في الحضن الإسرائيلي كما فعل بعض الدروز، وإنما بإعادة تجميع سياسية لكل القوى من أجل ممارسة الضغط السياسي، مدعومين بشخصياتٍ كثيرة من السُنة ليست راضية على شكل الحكم الجديد وجوهره.

قراءة المقال بالكامل