"علينا العودة إلى جذورنا حول حرية التعبير على فيسبوك وإنستغرام". بهذه الكلمات، افتتح مارك زوكربيرغ حديثه في تسجيل بطول 5:17 دقائق، يشرح فيه أن "ميتا" ستستغني عن مراقبي المحتوى، كما في منصة إكس، وذلك دعماً لحرية التعبير، وفي الوقت نفسه، لن يعني ذلك فتح المجال أمام مستغلي الأطفال والمجرمين.
يعلن زوكربيرغ بهذا التسجيل ما يشبه دعوة إلى اليمين واليمين المتطرف للعودة إلى الموقع الأزرق، بعد حملات منع متعددة ورقابة على المحتوى انتهت بطرد الكثيرين. تأتي هذه الدعوة كون "إكس" تحولت إلى مرتع لليمينين وأصحاب نظرية المؤامرة، مروجي خطاب الكراهية. الأمر نفسه مع منصة تروث سوشال لصاحبها دونالد ترامب. ومع وصول الأخير إلى البيت الأبيض، توزّع "الجمهور" بين هذه المنصات أصبح أمراً لا يمكن تجاهله.
المحزن في هذا الشأن هو تحول حرية التعبير إلى سلاح يوظفه اليمين المتطرف لبث أكاذيبه وكراهيته، ما يساعد على تنظيف الصفوف والتجنيد والتجييش، لكن كل هذا لا يهم المنصات، فإن كان الأمر يتعلق بزيادة عدد المستخدمين، بالتالي الإعلانات، لا يهم المحتوى، المهم بياناتهم، كل هذا تحت مظلة حرية التعبير. هل يمكن القول إن شركات اتصالات خاصة هي بديل عن الفضاء العام الذي يحميه الدستور لا اتفاقيات الخصوصيّة؟
الواضح أيضاً أن زوكربيرغ يأتي دوماً متأخراً في ما يخص المنافسة مع شركات التواصل الأخرى، فبعد انتشار موقع "أونلي فانز"، وتحوله إلى منصة للإباحية الهاوية، وجد زوكربيرغ نفسه مضطراً إلى السماح بظهور حلمات النساء على "إنستغرام" بعدما كانت ممنوعة، والسبب هو سرقة "أونلي فانز" المستخدمين الباحثين عن العري وشبه العريّ، هذه المرة زوكربيرغ دخل متأخراً في باب "حرية التعبير".
يأتي التخلص من مراقبي المحتوى كونهم "متحيزين سياسياً بشدة" والتخلص من القيود على مواضيع الهجرة والجندر، للتعاون مع ترامب ضد الشركات الأجنبية، وربما المقصود هنا "تيك توك"، لكن هذا يدفعنا أيضاً إلى السؤال حول فلسطين، والعلم الفلسطيني، والإبادة الجماعية في غزة؛ هل ستحافظ "ميتا" على القيود الموضوعة على هذا المحتوى؟ أم سيفتح باب النقاش ضمن "حرية التعبير"؟
هاجم زوكربيرغ أيضاً أوروبا وأميركا الجنوبية وقوانينهما التي تعيق عمل الشركات. وعلى اختلاف أشكال الرقابة بين المكانين، نحن أمام سؤال حول مواجهة بين سلطة الشركة وسلطة الدولة: أيهما يجب أن تقف في وجه الأخرى؟ هذا السؤال يتعلق بالروح الرأسمالية نفسها التي تترجم سياسةً واقتصاداً، فضلاً عن آثاره الثقافية. أن يكون الفضاء الرقمي مفتوحاً من دون قيود أمام الجميع، بحجة حرية التعبير، يعني أن المحاكم يجب أن يتضاعف عملها في ما يخص قضايا التشهير والشتم وخطاب الكراهية، فهل ستتمكن الدول من مواكبة هذا الكم الهائل من الجنح والجرائم المحتملة؟
الواضح أن "ميتا" تواجه أزمة في التعامل مع المستخدمين، خصوصاً مع اختفاء الحديث عن الواقع الافتراضي وتراجعه من الساحة العامة بسبب نتائجه التي لم تعجب كثيرين، بل تحولت نظارات الواقع الافتراضي التي أصدرتها "ميتا" إلى محط سخرية. بالتالي، لا بد من العودة إلى الأصل، والاستثمار في مستخدمي اليمين وجلبهم من جحورهم في منتديات 4chan ليتصدروا وسائل التواصل الاجتماعي.
الأمر مثير للقلق، إذ يدور حديث دائماً حول أن سبب ظهور موجة الأرض المسطحة والمؤمنين بها وانتشارهم يعود إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وخطأ في الخوارزمية تسبب بانتشار واحدة من أكبر نظريات المؤامرة التي لا شك حول خطئها، فهل "حرية التعبير" التي تتبناها "فيسبوك" قد تؤدي إلى انتشار نظرية جديدة، كالأرض المجوفة؟ أو هيمنة السحالي متحولة الشكل على كوكب الأرض؟
