قانون للمجتمع المدني يفك الارتباط مع الأحزاب في الجزائر

منذ ١ شهر ٤٢

أحالت الحكومة الجزائرية إلى البرلمان مسودة قانون جديد للجمعيات والمجتمع المدني، على نحو يكفل الحق الدستوري في إنشاء تنظيمات أهلية ومدنية بمجرد التصريح لدى السلطات بوصفه آلية ديمقراطية تتيح المشاركة في الشأن العمومي، وفي اتخاذ القرار أو المساهمة في تحقيق السياسات، لكنه يتضمن حزمة ممنوعات وضوابط استباقية تقول السلطات إنها ضرورية لتفادي التجارب السيئة التي شهدتها الجزائر، ولا سيما تلك التي أدت إلى المأساة الوطنية بداية التسعينيات.

ويشدد النص المقترح، الذي حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، على فك أي نوع كان من الارتباط بين الجمعيات والأحزاب السياسية، إذ تنص المادة 33 منه على ضرورة التمايز الكامل للجمعيات عن الأحزاب السياسية، و"ألا تكون لها أية علاقة أو صلة تنظيمية بها، كما يمنع عليها أن تتلقى منها بصفة مباشرة أو غير مباشرة إعانات مالية أو هبات أو وصايا مهما كان شكلها"، في خطوة تستهدف الحد من استغلال وتوظيف قوى سياسية للمجتمع المدني روافدَ مجتمعية لها. لكن هذا القانون لا يشدد في المقابل على منع الجمعيات من إبداء مواقف سياسية لصالح السلطة خاصة، حيث غالباً ما يتم توظيف قوى المجتمع المدني لدعم مرشح السلطة في الاستحقاقات الكبرى كالانتخابات الرئاسية، على غرار الرئاسيات الأخيرة.

ويتضمن القانون حزمة ممنوعات على الجمعيات، بينها "منع قبول بأي حال من الأحوال الأموال نقداً مهما كانت طبيعتها أو مصدرها". و"منع تلقي أي تمويلات وهبات ووصايا واردة من الخارج دون علم وموافقة السلطات"، وقبل فترة حذرت السلطات الجمعيات من تمويلات مشبوهة قد تكون جزءاً من عائدات تبييض الأموال والجريمة المنظمة، كما قام المرصد الوطني للمجتمع المدني بسلسلة دورات تكوين لصالح كوادر الجمعيات بشأن تلقي التمويلات والمخاطر المترتبة عليها. ويتاح للجمعيات الجزائرية أن تستفيد من تمويل مشاريع من هيئات أجنبية أو جمعيات أجنبية أو منظمات دولية غير حكومية، لكن ذلك يخضع أيضاً لموافقة وزارتي الخارجية والداخلية.

وفي سياق المحاذير السياسية التي تبديها السلطات الجزائرية والحساسية من البرامج الأجنبية، وضع القانون المطروح شروطاً مشددة بشأن أية اتفاقيات شراكة تعقدها الجمعيات الجزائرية مع جمعيات أجنبية أو منظمات دولية، حيث فرض عليها الحصول على موافقة وزارة الخارجية عبر وزارة الداخلية، أو حاكم الولاية، كما أخضع انضمام الجمعيات الجزائرية إلى أية منظمات غير حكومية إقليمية أو دولية إلى الموافقات المسبقة نفسها. ووضع في السياق آلية جديدة لتمويل الجمعيات، حيث اعْتُمِدَت آلية تمويل مشاريع عمل محدد بآجال وآليات تنفيذ في إطار الشفافية وترشيد النفقات العمومية، عوضاً من الإعانات التي كانت تمنح من دون ضوابط، وكانت تمثل واحدة من مسالك الفساد المالي، كما ستخضع الجمعيات إلى نظام الرقابة المالية وفقاً للنهج القائم على المخاطر.

وبدأت أمس الخميس مناقشة هذا القانون داخل لجنة نيابية خاصة شُكِّلَت من قبل البرلمان، قبل إحالته إلى النقاش العام، فيما طلب المرصد الوطني للمجتمع المدني (هيئة تتبع الرئاسة) من الجمعيات والمنظمات تقديم مقترحات بشأن مسودة القانون الذي أفرد فصلاً خاصاً بالجمعيات التي تعمل بشكل أساسي في مجال جمع وتوزيع الأموال، كما وضع سجلاً للمستفيدين الحقيقيين من هذه الأعمال، وضبط الأموال التي تلقتها ومصادر إنفاقها، على أن ينشأ لدى وزير الداخلية سجل وطني للمستفيدين الحقيقيين من الجمعيات.

وتشدد ديباجة القانون على أن وضع هذه الضوابط والتدابير يستهدف "جعل الجزائر في منأى عن الفتنة والعنف والتطرف وخطابات الكراهية، وكذا منع استغلال الجمعيات في كل أشكال الفساد وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وهذا طبقاً للاستراتيجية الوطنية للوقاية من تبيض الأموال وتمويل الإرهاب، وتضمن حماية الوحدة الوطنية والسلامة الترابية للبلاد والسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة ومكونات الهوية الوطنية ورموز الدولة ومؤسساتها ومقتضيات الأمن والدفاع الوطنيين والنظام العام والآداب العامة وأمن الأشخاص والممتلكات وحقوق الغير وحرياتهم وحرمة حياتهم الخاصة".

وفرض هذا القانون للمرة الأولى شروطاً وضوابط تخص فتح مكاتب المنظمات الدولية غير الحكومية داخل التراب الوطني، إذ "لا يمكن أن يرخص للمنظمة الدولية غير الحكومية بفتح مكتب لها في التراب الوطني إلا إذا كانت الحكومة الجزائرية تربطها مع الدولة الأصلية للمنظمة علاقات واتفاقيات تعاون، وكانت أهدافها غير مخالفة للقانون الجزائري، كما يتيح إنشاء جمعيات الصداقة والتبادل مع الأجانب، والتي تسير كلياً أو جزئياً من طرف أجانب يقيمون في التراب الجزائري، من الدول التي للجزائر علاقات تعاون معها فحسب".

قراءة المقال بالكامل