قراءات إسرائيلية حول تصعيد أوروبا: العالم ليس معنا والمقاطعة ستزداد

منذ ٧ ساعات ٤

تتوالى الضغوط الدولية على دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومعها ما يبدو أنها أزمات سياسية متعاقبة، في ظل مطالبة دول أوروبية بإنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة ورفع القيود عن دخول المساعدات الإنسانية. وتثير هذه التطورات قلق إسرائيل، التي ترى بأن لهذا الـ"تسونامي" عواقبه، على طريق نبذها وعزلها، وتأثرها دبلوماسياً، وسياسياً، واقتصادياً وفي مختلف المجالات. وترى جهات إسرائيلية بأن تل أبيب في أسوأ حالاتها على الإطلاق على الساحة الدولية، كما تخشى من تدهور وضعها على نحو أكبر إن استمرت الحرب واستمر التجويع.

ووصفت صحيفة هآرتس العبرية ما يجري في اليومين الأخيرين، بأنه "سلسلة من الأحداث السياسية غير المعتادة"، ونقلت عن دبلوماسي أجنبي مطلع على الخطوات ضد إسرائيل، لم تسمّه، أن "الوضع في غزة أصبح لا يُحتمل.. حان الوقت لإيقاف هذا الوضع. صور الأطفال الذين يكافحون للحصول على طبق من الأرز، والتقارير عن الجوع الحقيقي، وعدم اتخاذ إسرائيل إجراءات كافية لنقل المساعدات الإنسانية إلى القطاع، تجعل من المستحيل علينا أن نظل متفرجين".

ومن بين التطورات الأخيرة، التي لا تعجب دولة الاحتلال، إعلان قادة فرنسا، وبريطانيا، وكندا أنهم يدرسون فرض عقوبات على إسرائيل، كما أصدرت 22 دولة غربية بياناً أعربت فيه عن قلقها بشأن الوضع في غزة، وأعلنت الحكومة البريطانية تعليق المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، أعلن وزير خارجية بريطانيا، ديفيد لامي، عن فرض عقوبات على مستوطنين، واستدعيت السفيرة الإسرائيلية، تسيبي حوتوبيلي، إلى وزارة الخارجية البريطانية. وصرّحت وزيرة خارجية السويد، ماريا مالمر ستينرجارد، عن نيتها الدفع نحو فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، وهو إجراء تم تجميده لاحقاً.

أما وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، فقد أعلن دعمه لفكرة إلغاء اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وبعد بضع ساعات، وبدعوة من وزير الخارجية الهولندي، اجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة إمكانية إلغاء الاتفاقية. وقررت 17 دولة من أصل 27 الموافقة على إعادة النظر في الأساس القانوني للاتفاقية الرئيسية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، أي اتفاقية الشراكة. لكن إلغاء الاتفاقية بالكامل، يتطلب إجماعاً، ولذلك يصعب الغاؤها.

ومع ذلك، وفق ما ذكرته صحيفة هآرتس، يمكن إلغاء أجزاء من الاتفاقية بالأغلبية الخاصة، مثل اتفاقية التجارة الحرة التي تسمح لإسرائيل بتصدير منتجاتها إلى الاتحاد الأوروبي دون دفع رسوم جمركية، أو برنامج "هورايزون" الذي يتيح لإسرائيل التعاون بشكل واسع مع الاتحاد في مجالات العلوم والتكنولوجيا.

"كمين سياسي" وتحذير شديد

رغم تشكيك مسؤولين إسرائيل بإمكانية إلغاء الاتحاد الأوروبي الاتفاقية بالكامل، لكنهم أقروا بأن قرار إعادة النظر فيها يمثل تحذيراً سياسياً شديداً. وصرح مسؤول سياسي لصحيفة "هآرتس"، بأن التطورات كانت متوقّعة. وأضاف: "إعلان (كايا) كالاس (مسؤولة السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي) هو حدث مؤسف، لكنه كان يمكن أن يكون أسوأ. كل التحركات خلال الـ 24 ساعة الماضية كانت مخططة مسبقاً. لقد كان ذلك كميناً سياسياً كنا على دراية به مسبقاً. هذه كانت سلسلة من الأحداث التمهيدية قبيل اجتماع وزراء الخارجية في بروكسل، ومن خلال العمل المشترك بين السفراء ووزير الخارجية، تمكنا من الحد من تداعيات هذه الخطوة".

من جهتها، اعتبرت مايا شيؤون تسديكياهو، الباحثة والمحاضرة في الجامعة العبرية، أن هذه الخطوات "تؤدي إلى تدهور إضافي في مكانة إسرائيل كدولة منبوذة، تفقد تدريجياً بعضاً من حلفائها في أوروبا. هذا الانجراف السياسي حدث بسرعة خلال الأسبوعين الماضيين، وقد تؤدي هذه الخطوة إلى تفاقم الأزمة السياسية".

خلال الأيام الأخيرة، أجرى وزير الخارجية الاسرائيلي، جدعون ساعر، محادثات مع نحو عشرة وزراء خارجية أوروبيين، حيث استمع إلى الانتقادات الحادة التي توجهها دولهم. وخلال اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) يوم الأحد، أوضح للوزراء أن انتقادات الدول الأوروبية قد تتحول إلى خطوات عملية. كما أكد المستوى العسكري خلال المناقشة أن أنظمة المراقبة الإسرائيلية تشير إلى أن الوضع الإنساني في غزة قد وصل إلى الخط الأحمر، وأن هناك حاجة فورية لإدخال المساعدات.

انتقادات لخطة توزيع المساعدات

بعد بدء دخول الشاحنات إلى غزة، عقب الضغط الأميركي على إسرائيل، سارع مسؤولون إسرائيليون للتوضيح لنظرائهم أن إسرائيل تعمل بالفعل على الحد من الجوع ولا تكتفي بالتصريحات. إلا أن الخطوة العاجلة التي اتخذتها إسرائيل لم تكن كافية لإرضاء المجتمع الدولي. وفي عدة دول أوروبية، أُثيرت انتقادات أيضاً تجاه الخطة الجديدة لتوزيع المساعدات، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في غضون أسبوعين.

وقال دبلوماسي أوروبي في حديث لصحيفة "هآرتس" قبل يومين: "هذا جنون مطلق، لا توجد أي إمكانية لأن ينجح هذا المخطط". وأضاف: "إسرائيل تغلق 400 نقطة توزيع غذائية في غزة وتستبدلها بأربع أو خمس فقط، مما يعني أن 6 آلاف شخص سيحضرون إلى كل نقطة للحصول على الطعام. آمل بشدة ألا ترتكب هذا الخطأ، سيكون الأمر كارثياً".

تخوفات من موقف الولايات المتحدة

وأفادت صحيفة يديعوت أحرنوت اليوم الأربعاء، أنه في الوقت الذي تتصاعد في الخطوات ضد إسرائيل، تلتزم الولايات المتحدة الصمت، مضيفة أن مكانة إسرائيل الدولية تتراجع وتنهار، وأن الأضرار التي قد تطاول الاقتصاد الإسرائيلي ستكون بالمليارات كما أن وزارة الخارجية اعترفت بأن الوضع أسوأ من أي وقت مضى. ولفتت إلى أن المجاعة في قطاع غزة تتصدر العناوين في العالم وأن إسرائيل وصلت إلى أسوأ وضع لها على الساحة الدولية، بعد تهديد دول مهمّة، مثل بريطانيا، وفرنسا، وكندا بفرض عقوبات عليها، إن استمرت الحرب في غزة، وكذلك الخطوات التي اتخذتها بريطانيا.

ونقلت الصحيفة العبرية، تعبير مسؤولين في البيت الأبيض، عن إحباطهم من الحكومة الإسرائيلية، وقولهم "إنها الوحيدة التي لا تعمل من أجل إبرام صفقة شاملة". وأشارت الصحيفة إلى أن أحزاب اليمين في أوروبا وبخلاف الماضي، تطلق تصريحات صعبة ضد إسرائيل، وأن واحدة من أكثر الأمور التي تثير قلق إسرائيل هو الرد الأميركي على هذه التطورات، بحيث أن الولايات المتحدة سارعت في مرات كثيرة للتصدي لخطوات ضد إسرائيل، إلا أنها تصمت هذه المرة، لتجد إسرائيل نفسها وحيدة، فيما السؤال الأساسي الآن بحسب الصحيفة هو "ماذا ستفعل الولايات المتحدة إن وصلت مطالب وقف الحرب إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإن كانت ستستخدم حق النقض الفيتو كما فعلت في الماضي؟".

ونقلت الصحيفة عن مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية، لم تسمّه، قوله: "نحن أمام تسونامي حقيقي سيزداد سوءاً. نحن في أسوأ وضع كنا فيه على الإطلاق. هذا أسوأ بكثير من كارثة، فالعالم ليس معنا". وأضاف المسؤول: "منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، يشاهد العالم على شاشات التلفاز فقط أطفالاً فلسطينيين يموتون وتدميراً واسعاً للمنازل، وقد سئم من ذلك. إسرائيل لا تقدّم أي حل، لا ترتيبات لليوم التالي، ولا أي أمل. فقط الموت والدمار. المقاطعة الصامتة كانت موجودة سابقاً، لكنها ستزداد قوة. لا ينبغي الاستخفاف بذلك، لن يرغب أحد في أن يكون متضامناً مع إسرائيل".

قراءة المقال بالكامل