في خريف العام 2026، تتجه الولايات المتحدة إلى انتخابات نصفية، هي الثانية في ولايةٍ للرئيس دونالد ترامب، والثالثة التي يُهمين عليها الملياردير الجمهوري، إذ يُحسب للرئيس السابق جو بايدن، رغم قلّه شعبيته و"إنجازاته" التي لم ترض الناخبين، أنه تمكن في عام 2022 من منع حدوث "تسونامي" جمهوري في الانتخابات النصفية الأميركية التي جرت في ذلك العام، وحدّ من خسارة الديمقراطيين، فيما كان ترامب الخاسر في انتخابات الرئاسة عام 2020 قد فرض نفسه لاعباً مؤثراً في النصفية التي تلتها.
الانتخابات النصفية الأميركية أمام مشهد متغير
هذه المرة، تتحضر الولايات المتحدة لمعركة انتخابات نصفية العام المقبل، والتي تشمل السباق على كل مقاعد مجلس النواب في الكونغرس (453)، وثلث مقاعد مجلس الشيوخ البالغ عددها 100، لا تقل حدّة وتحدياً عن سابقتها، إذ يجزم مراقبون أن ترامب تمكن، مع عودته للرئاسة هذا العام، وفي سباق الانتخابات الرئاسية العام الماضي، من فرض مشهد سياسي وانتخابي متغير، ويشي بأن المتغيرات التي طرأت لناحية الخريطة الانتخابية قد تكون دائمة وليست عرضية، سواء من ناحية توسيع الجمهوريين للولايات التي صوّتت لهم، بعدما اكتسح ترامب الولايات المتأرجحة، ومن بينها ميشيغين وبنسلفانيا وويسكونسين التي تعرف بصلابة قاعدتها الشعبية الديمقراطية، أو لناحية توسيع نوع القاعدة المصوتة له، وطرقها أبواب فئات غير البيض متوسطي التعليم، والقاطنين في الأحزمة الحمراء التقليدية، وأريافها. فعلى سبيل المثال، حصل ترامب خلال الانتخابات الرئاسية الماضية التي فاز بها بالتصويت الشعبي، على أصوات وازنة من الأميركيين من أصول أفريقية، واللاتينوس، بينما خسر بايدن أصوات الأميركيين من أصول عربية ومسلمة، بسبب دعمه اللامحدود لإسرائيل خلال عدوانها المستمر على غزة.
حصل ترامب في 2024 على أصوات وازنة من الأميركيين من أصول أفريقية، واللاتينوس، بينما خسر بايدن أصوات الأميركيين من أصول عربية ومسلمة
رغم ذلك، فإن الانتخابات النصفية الأميركية التي تشهد عادة فوز الحزب غير الموجود في البيت الأبيض، وهو ما حصل مثلاً منذ انتخابات 2010 حتى 2022، لم تتضح بعد معالمها. وقبل الانتخابات النصفية عام 2022، شهدت 13 من أصل 19 انتخابات نصفية، خسارة الحزب الفائز بالرئاسة مجلسي النواب والشيوخ. أما في الانتخابات الستة المتبقية، فوحدها انتخابات عام 2002 النصفية شهدت فوز الحزب الجمهوري الحاكم بانتخابات النواب والشيوخ النصفية، وذلك بسبب التفاف الأميركيين حول إدارة جورج بوش الابن، عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
لكن ترامب هذه المرة، يواجه منذ عودته للبيت الأبيض تراجعاً في التأييد الشعبي، كما ضغط أخيراً لإقرار قانون الضرائب الذي تمّ تمريره في مجلس النواب، وينتظر تصويت "الشيوخ"، وهذا القانون مثير للجدل، إذ يخشى مختصون من أن يثقل البلاد بديون تقدر بتريليونات الدولارات، لكن تأثيره الأساسي قد يكون على متوسطي الدخل والفقراء، إذ يشدّد شروط انضمامهم للبرامج الصحية، بينما يتضمن إعفاءات ضريبية للشركات والأفراد. وأقر مجلس النواب مشروع القانون بعدما ضغط ترامب على النواب الجمهوريين ورئيسهم مايك جونسون، على الرغم من المخاوف المتزايدة بشأن الدين الأميركي الذي وصل إلى 124% من الناتج المحلي الإجمالي، ما دفع وكالة موديز الأسبوع الماضي إلى خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، في سابقة من نوعها (من إيه إيه إيه، إلى إيه إيه 1). كما أن ترامب يتعثر في جهوده لوقف الحرب الروسية على أوكرانيا، وإنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، فيما سياسته الخارجية حتى الآن حققت تباعداً مع الحلفاء الأوروبيين وفتحت النار على حلفاء تقليديين مثل كندا. وقد يُحسب في الداخل لترامب إرضاؤه الجمهوريين المتشددين بإطلاق حملة ترحيل واسعة للمهاجرين غير النظاميين، وعملية أمنية يتم تعزيزها لضبط الحدود مع المكسيك، يتحضر ترامب لتمويلها من مشروع قانونه الجديد.
الحزب الديمقراطي... فرص ومآزق
في المقابل، لا يبدو الديمقراطيون أفضل حالاً بغياب "قيادة" واضحة، رغم أن أوساطهم وأيضاً تقارير إعلامية ومجموعات متخصصة ترى أن بالإمكان تحقيق "موجة زرقاء" في الانتخابات النصفية المقبلة، مستندة إلى بيانات محدّدة. ففي صحيفة واشنطن بوست، كتب هاريسون لافيل وليون سيت، من شركة "سبليت تيكيت" لتحليل البيانات الانتخابية، أول من أمس الثلاثاء، أن "موجة زرقاء في صعود، لكنها لا تشبه سابقاتها". ورأى الكاتبان أن الحزب الديمقراطي يحقق بعض التقدم في استطلاعات الرأي المبكرة الخاصة بالانتخابات النصفية، وهو ما يمنحه آمالاً بتحقيق نتائج جيدة في خريف العام المقبل، لكنهما حذّرا من تحديات ماثلة لكلي الحزبين في مشهد انتخابي متغير. فبرأيهما، ضمّ الجمهوريون شرائح جديدة من الناخبين إليهم في الانتخابات الأخيرة، بينما كسب الديمقراطيون ناخبين جدداً، لكنهم "مستقلون جداً"، ولا تشير أنماطهم الانتخابية إلى أنهم يتحمسون للانتخابات النصفية مثل الرئاسيات.
وبحسب التقرير، "هناك احتمال كبير أن تحصل موجة زرقاء مثل عام 2018" خلال ولاية ترامب الأولى، بناء على القاعدة التي تقول بتعثر الحزب الحاكم انتخابياً بين الأشهر الأولى من ولاية الرئيس وبين الانتخابات النصفية الأميركية. ويأتي ذلك، رغم توسع هامش التأييد للجمهوريين لدى الناخبين غير الحاصلين على شهادة جامعية، وتحقيق الحزب مكاسب لدى الأقليات، وتقلص عدد المقاطعات التي تنذر باحتمال حصول تصويت معاكس فيها، بعدما انخفض عددها كثيراً من عام 2000 إلى 2024 (من أكثر من 80 إلى 16)، وهي مقاطعات محسوبة على حزب معين وتصوت له، غير أنها صوتت بشكل مفاجئ في انتخابات ما لحزب آخر، ما يعني أن الديمقراطيين يصعب عليهم التعويل على مثل هذه المفاجآت.
بدأ ترامب مبكراً العمل لمنع سيطرة ديمقراطية على مجلس النواب خشية إطلاق محاولة جديدة لعزله
من جهته، يسلّط تقرير آخر في موقع "بوليتيكال سايس ناو" الضوء على إعادة تعريف مصطلح "النزاهة" في الانتخابات الأميركية، بعد انتخابات عام 2020، واتهام ترامب للديمقراطيين بسرقة الانتخابات، والدعاوى التي رفعت من الحزب الجمهوري في الولايات ضد ما وصفوه بـ"الغشّ" الانتخابي، ما خلق أو أضاف انعدام الثقة في الانتخابات والمؤسسات الحكومية. هذا الأمر، وخلال أربع سنوات، جعل الجمهوريين يطرحون العديد من التوصيات الانتخابية، حيث هناك جهود حثيثة في أنحاء البلاد لإنشاء خطوط ساخنة خاصة بالغش الانتخابي، وزيادة العقبات للوصول إلى حقّ الاقتراع، فضلاً عن تأسيس "وحدات سياسات خارج نطاق القضاء"، وكلّها تشير إلى أن موجة من التركيز على "نزاهة" الانتخابات بدأت تأخذ بعداً جديداً، ومن بين ذلك ما أقدم عليه ترامب بعد وصوله للبيت الأبيض، من توقيع قانون تنفيذي (14248)، بعنوان "الحفاظ على نزاهة الانتخابات الأميركية وحمايتها"، والتقدم أمام الكونغرس بقانون "سايف أكت" لحماية أهلية الناخبين، ما يعني أن ادعاءات الجمهوريين بسرقة انتخابات 2020، لا تزال تهيمن على تفكيرهم. وبرأي التقرير، فإن هذه السياسات ربما تكون مدفوعة ليس بالحرص على نزاهة الانتخابات، بقدر ما هي نافذة سياسات خلقها الضغط السياسي وسردية شعبية ودينامية السياسة الوطنية. وبحسب موقع "أكسيوس" أول من أمس، فإن دونالد ترامب أطلق فعلاً جهوداً مبكرة مع فريقه خلف الكواليس، للمحافظة على سيطرة الجمهوريين على الكونغرس بالانتخابات النصفية، وذلك خشية سيطرة ديمقراطية قد تستعيد محاولات عزله. وبحسب الموقع، فإن حلفاء ترامب يعتقدون، لأسباب معقولة، أن مجلس نواب تحت سيطرة ديمقراطية سيطلق تحقيقات تتعلق بالرئيس، وسوف يتحرك لعزله.
وقال الموقع إن الجمهوريين يقرّون بأن معركة "النواب" لن تكون سهلة، وإذا فاز الديمقراطيون بالأكثرية في الانتخابات النصفية الأميركية المقبلة وأصبح زعيم الأقلية الديمقراطية اليوم حكيم جيفريز رئيساً للمجلس، فإن "التحقيقات ومحاولات العزل، كلّها ستعود لتصبح على الطاولة"، بحسب مات غورمان، وهو مسؤول كبير سابق في حملة الجمهوريين للانتخابات النصفية في عام 2018. ومنذ الآن، يعرب بعض الديمقراطيين عن رغبتهم في التحقيق بسيطرة ترامب على الحكومة، وما إذا كان قد تلاعب بالأسواق حين أعلن عن زيادة الرسوم الجمركية ثم تراجع، كما يريد الديمقراطيين فتح تحقيق في ما إذا كان ترامب قد ساعد الملياردير إيلون ماسك على الفوز بصفقات خاصة بشركة ستارلينك. ولمواجهة فوز ديمقراطي محتمل في الانتخابات النصفية الأميركية في مجلس النواب، يحاول ترامب الحدّ من تقاعد نواب جمهوريين، ورغبتهم في الانسحاب من المشهد، وزيادة الإنفاق الانتخابي، وتقليص تمهيديات الحزب في مقاطعات عبر الإعلان المبكر عن دعم نواب في الخدمة.
