أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، أول من أمس الأربعاء، قراراً يقضي بتشكيل مجلس الأمن القومي بـ"هدف تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية في البلاد". ووفق القرار، فإن المجلس سيكون برئاسة رئيس الجمهورية، وسيضم في عضويته وزراء الخارجية والدفاع والداخلية، إضافة الى مدير الاستخبارات العامة، ومستشارين يتم تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية وفقاً للكفاءة والخبرة، وخبيراً تقنياً متخصصاً لمتابعة الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بعمل المجلس. ويضاف هذا القرار إلى مجموعة قرارات صدرت عن الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، يبدو أن الهدف الرئيسي منها استعادة ثقة المواطن بالدولة، لا سيما بعد ما رافق العملية العسكرية ضد فلول الأسد في الساحل السوري من انتهاكات وجرائم بحق المدنيين، بما في ذلك تشكيل أكثر من لجنة للحفاظ على السلم الأهلي الذي تعرض بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد إسقاط الأسد، لأكثر من اختبار.
زيدون الزعبي: موضوع السلم الأهلي بحاجة إلى عمل وطني كبير
مساعي الرئاسة السورية
كما سعت الرئاسة السورية الى إرسال تطمينات للأقليات الدينية والمذهبية، وأنها لن تتسامح مع أي شخص أو طرف يهدد السلم الأهلي، لذا شكّلت لجنة في هذا الإطار في الساحل، فضلاً عن لجنة لتقصي الحقائق عما حدث من تجاوزات بحق مدنيين في المنطقة. وواصلت الرئاسة السورية بذل الجهود من أجل التوصل مع الفعاليات الاجتماعية والدينية والعسكرية في محافظة السويداء، لتفاهمات تبدد مخاوف سكانها وتفعّل المؤسسات الحكومية، خصوصاً الأمنية والخدمية. كما توصلت الرئاسة السورية لاتفاق وُصف بـ"التاريخي" مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) قبل أيام.
وهددت التجاوزات التي حدثت أخيراً بحق مدنيين على أساس طائفي، الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد، ما استدعى هذه القرارات والخطوات لرأب الصدع بين مكونات الشعب السوري. ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، وُضع السلم الأهلي أكثر من مرة على محك المخاوف والهواجس، التي تفجرت مدفوعة بتردي الحالة المعيشية وتراجع الاقتصاد وتردد أطراف دولية في رفع العقوبات المفروضة على سورية.
وتعليقاً على سلسلة القرارات والخطوات التي أقدمت عليها الرئاسة السورية خلال فترة زمنية قصيرة، رأى الباحث في مجال الهوية والحوكمة، زيدون الزعبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذه الخطوات "مهمة بالتأكيد، ولكنها غير كافية"، مضيفاً أن البلاد بحاجة إلى إنشاء هيئة عدالة انتقالية في أسرع الآجال، وهيئة للوفاق والسلم الأهلي. اللجنة التي شُكّلت لهذا الغرض جيدة إلا أنها تشمل منطقة الساحل فقط. موضوع السلم الأهلي بحاجة إلى عمل وطني كبير.
في السياق، رأى الباحث السياسي عرابي عرابي في حديث مع "العربي الجديد" أن تشكيل مجلس للأمن القومي من قبل الرئاسة السورية: "سيكون مهماً لدعم البلاد في السياسة الخارجية والاقتصاد والأمن"، مضيفاً أن موضوع السلم والاستقرار من مهام هذا المجلس الذي سيصدر القرارات التي ستنفذها الوزارات المعنية. وأعتقد أن السلم الأهلي يتطلب إجراءات على مستويات متعددة، اقتصادية واجتماعية وتنموية، فضلاً عن العمل السياسي الدؤوب. وعُدّ تشكيل مجلس لـ"الأمن القومي" خطوة غير مسبوقة في تاريخ سورية، فرضتها تحديات داخلية تهدد السلم الأهلي والاستقرار، وخارجية تستهدف السيادة والجغرافية، وأبرز مثال عليها التدخل الإسرائيلي في جنوب سورية، المصحوب بتهديدات لفظية من كبار المسؤولين في تل أبيب حيال الإدارة الجديدة في سورية.
عبد الرحمن الحاج: تشكيل مجلس الأمن القومي يساعد على الاستجابة السريعة للتهديدات
تشكيل مجلس الأمن القومي
حول ذلك، رأى الباحث السياسي عبد الرحمن الحاج في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تشكيل مجلس الأمن القومي خطوة مهمة تساعد على الاستجابة السريعة للتهديدات واتخاذ القرار المناسب". وأضاف أن مأسسة الاستجابة للتهديدات المتعلقة بالأمن القومي خطوة جديدة غير مسبوقة في تاريخ سورية، ولكنها مجرد إجراءات ينبغي اتخاذها لمواجهة التهديدات المحتملة لاستعادة الثقة بسيطرة الدولة وقدرتها على التحكم وبسط الأمن. وبرأيه من أبرز هذه الإجراءات التي على الإدارة القيام بها "استكمال بناء الجيش وإدماج القوات والفصائل فيه بصفتهم أفراداً ليكون ولاء الجيش للوطن وليس لقادة الفصائل"، مضيفاً أن استكمال بناء قوات الأمن وتدريبهم وتسليحهم بشكل مناسب أمر يجب أن يستمر. واعتبر الحاج أن "سورية بحاجة إلى أعداد كبيرة من المجندين في قوات الأمن العام"، مشدّداً على أن الشراكة السياسية في الحكومة الانتقالية من مكونات المجتمع السوري كافة، أمر في غاية الأهمية، لأن شعور الجميع أن هذه دولتهم يأتي من هذه الشراكة. كما رأى الحاج أن "رأب الصدوع الاجتماعية واستقرار المجتمع في سورية يجب أن يُتمم بتشكيل هيئة عدالة انتقالية"، التي قال إنها الوجه الآخر لضمان ألا يحدث تهدد للأمن القومي على المدى الطويل.
