قضية محمود خليل مقدمة للانتقام: قانون نادر لترحيل مؤيدي فلسطين

منذ ١٠ ساعات ١٥

تشكّل قضية الطالب الفلسطيني محمود خليل الذي اعتقلته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتعهدت بترحيله من الولايات المتحدة بسبب نشاطه في جامعة كولومبيا ضد الحرب الإسرائيلية على غزة، اختباراً لإدارة ترامب التي تسعى للاحتيال على القوانين التي ترعى حرية الرأي وذلك لترحيل عدد من الطلاب الذين شاركوا في تظاهرات من أجل غزة في الولايات المتحدة، لتعمد في مخططها هذا إلى خيار استخدام قانون نادر لتطبيقه على المتظاهرين سلمياً في سابقة لم تحدث في تاريخ الولايات المتحدة. وافتخر ترامب في بيان له، الاثنين الماضي، بالقبض على الخريج حديثاً في جامعة كولومبيا محمود خليل، الفلسطيني الجنسية والحاصل على بطاقة الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، وأنه "الاعتقال الأول في سلسلة من الاعتقالات القادمة". بدا بوضوح أن الإدارة بيّتت النية بعد اكتشاف أنه يحمل البطاقة الخضراء للوصول إلى مخرج لاتخاذ قرار لترحيله.

خطورة احتجاز محمود خليل لا تأتي فقط من طريقة إلقاء القبض عليه بدون مذكرة توقيف وبدون توجيه اتهامات له، وإنما لأن البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية يبنيان خطتهما رسمياً على استغلال بند نادر في قانون الهجرة، تم استخدامه بضع مرات لا تعد على الأصابع في تاريخ الولايات المتحدة، ينص على أنه "يُرحّل أي أجنبي، لدى وزير الخارجية أسباب معقولة للاعتقاد أن وجوده وأنشطته في الولايات المتحدة قد تكون لها عواقب وخيمة محتملة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة"، بمعنى أن محمود خليل قد يتم ترحيله في حال قرر وزير الخارجية ماركو روبيو بشخصه أن وجوده يتعارض مع مصالح السياسة الخارجية الأميركية، وأنه كما قال الرئيس "بداية لترحيل آخرين". بالتالي فإن الحكومة الأميركية، التي تفخر بلجوء الناس إلى الولايات المتحدة من مختلف أنحاء العالم لأن حكوماتهم لا تسمح لهم بحرية الرأي، ستعمد إلى ترحيل أحد الحاصلين على الإقامة الدائمة لأنه انتقد دولة أخرى حليفة للولايات المتحدة، ارتكبت - كما تقول مؤسسات دولية - أفعالاً تخالف القانون الدولي وقد ترقى إلى "جرائم حرب". وبالتالي سيكون وزير الخارجية شخصياً قد استخدم بنداً نادراً في التاريخ الأميركي لترحيل طالب من البلاد من أجل تعبيره عن رأيه، لأنه يختلف مع آرائه أو أنه يعبّر عن رأي مضاد للسياسات الخارجية الأميركية.

اعتقال محمود خليل... استهداف حرية الرأي

اعتقال خليل لا يُعدّ المرة الأولى التي تعتقل فيها وزارة الأمن الداخلي مقيمين بطريقة قانونية داخل الولايات المتحدة وتقرر ترحيلهم لأسباب مختلفة من بينها الإدانة بارتكاب جريمة، إذ يتم ذلك على مدار سنوات، ولا تعد المرة الأولى التي تتجاهل فيها إدارة الهجرة عدم وجود مذكرة توقيف في المخالفة للقوانين الداخلية. ولا فارق في ذلك بين الإدارتين الجمهورية والديمقراطية، لكن الفارق هذه المرة استهداف ترحيل شخص لسبب له علاقة بحرية الرأي والتعبير، كما يقول خبراء وقانونيون وسياسيون، في سابقة لم تحدث منذ خمسينيات القرن الماضي عندما رحّلت الولايات المتحدة 3 أشخاص لانتمائهم في الماضي إلى الحزب الشيوعي.

لم تثبت الحكومة الأميركية حتى الآن أن خليل أيّد "حماس"، أو أنه تبرّع أو دعم توجهاتها

وذكرت إدارة ترامب، حسب تصريحاته وروبيو والمتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، أن محمود خليل شارك في أنشطة تدعم "حماس"، غير أن الحكومة الأميركية لم تثبت حتى الآن أن خليل أيّد "حماس"، المصنفة منظمة إرهابية داخل الولايات المتحدة، أو أنه تبرّع أو دعم توجهاتها، إذ إن كل ما فعله خريج جامعة كولومبيا العريقة، حسب ما تشير الفيديوهات والتقارير المنشورة، هو أنه شارك في قيادة تظاهرات للمطالبة بسحب الجامعة استثماراتها من شركات تدعم إسرائيل، ووجّه انتقادات إلى سياسة الولايات المتحدة الداعمة سياسياً وعسكرياً ومالياً لإسرائيل في عدوانها على غزة.

وفي حال استخدام البند النادر في قانون الهجرة لترحيل خليل، يبقى السؤال حول كيف يمكن لوزير الهجرة إثبات تأثير خليل السلبي على السياسة الخارجية الأميركية؟ طبقاً لقانون الهجرة عن طريق خطاب واحد، ووفقاً لمجلس طعون الهجرة لا يحق لوزارة العدل التشكيك في قرار وزير الخارجية لأن لديه السلطة غير المقيّدة في هذا الشأن. واحدة من القضايا النادرة التي تم تطبيق هذا البند عليها، هي عملية ترحيل النائب السابق للمدعي العام بالمكسيك ماريو رويز ماسيو، الذي طالبت المكسيك بتسليمه، ورفضت المحاكم الأميركية طلب الحكومة في واشنطن التي خسرت القضية، ما أدى لاستخدام هذا البند النادر بغرض ترحيله خلال فترة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وتحجج وزير الخارجية آنذاك وارن كريستوفر بأن عدم ترحيله سيُعرّض قدرة الولايات المتحدة على التعاون مع المكسيك في مسائل إنفاذ القانون.

غير أن تطبيق هذا البند يتطلب مراجعة قضائية شاملة، وهو مخصص للحالات التي قد يسبّب فيها وجود شخص في الولايات المتحدة أزمة دبلوماسية، وفق ما قال خبراء قانون لشبكة "إن بي سي" الأميركية. وأوضح ريتشارد بوسويل، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، أنه يجب أن يكون "سبب الترحيل جدياً إلى حد ما"، وأنه "على الحكومة إثبات وجوب ترحيل الشخص". ويبدو أنه لهذه الأسباب اختارت إدارة ترامب احتجاز خليل في لويزيانا وليس في نيويورك التي تم إلقاء القبض عليه فيها، خصوصاً أن السلطة القضائية في لويزيانا محافِظة بما يعني أنها قد تكون أسهل في مقاومة رغبة الحكومة في ترحيل خليل بشكل أكبر بكثير من الولاية الديمقراطية.

خطط لترحيل داعمي فلسطين

الأزمة الأكبر أنه في حال نجاح إدارة ترامب المتعطشة لترحيل المهاجرين في تمرير ترحيل محمود خليل عبر هذا البند النادر، فإن ذلك سيفتح شهيتها لتنفيذ خططها المدعومة من جماعات ضغط إسرائيلية مثل "أيباك"، خصوصاً مع اتهام الرئيس الأميركي علناً للمتظاهرين في الجامعات من أجل وقف الحرب في غزة بأنهم "حصلوا على أموال وأنهم يدعمون حماس"، وهو ما تعهد به بالفعل روبيو، الذي قال: "سنقوم بإلغاء التأشيرات أو البطاقات الخضراء لأنصار حماس في أميركا حتى يمكن ترحيلهم". كما وصفت وزارة الأمن الداخلي الاعتقال بأنه "دعم للأوامر التنفيذية للرئيس ترامب التي تحظر معاداة السامية".

قضية محمود خليل هي الاختبار الأكبر للحريات في الولايات المتحدة خلال 50 عاماً على الأقل

ويرى كثيرون أن قضية محمود خليل هي الاختبار الأكبر للحريات في الولايات المتحدة خلال 50 عاماً على الأقل، ووصفتها الكاتبة الأميركية ميشيل غولدبرغ، في مقال لها هذا الأسبوع في صحيفة نيويورك تايمز، بأنها "أحد أكبر التهديدات، إن لم يكن أكبرها، لحريات التعديل الأول (لا يصدر الكونغرس أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان أو يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية التعبير أو الصحافة، أو من حق الناس في الاجتماع سلمياً، ومطالبة الحكومة بإنصافهم من الإجحاف) خلال خمسين عاماً".

كما وصف السيناتور الأميركي كريس ميرفي، في فيديو نشره على منصة إكس، اعتقال خليل بأنه "اختفاء قسري كما يُطلق عليه في الديكتاتوريات، وهو في السجن بسبب رأي سياسي"، وأنه "لا توجد أي أدلة على أنه خرق القانون أو ارتكب أي سلوك إجرامي، وإنما يعارض سياسات أميركا تجاه إسرائيل". وتابع: "لماذا يجب أن يهتم أي شخص بأميركا بهذا الأمر، لأنه في أميركا الرأي السياسي محمي بالقانون، سواء أعجب خطابك الرئيس أم لا، لكن اليوم إذا كنت مؤيداً لترامب فإن رأيك سيكون محمياً حتى لو كان خطاب كراهية، وأما إذا كنت معارضاً أو تنظم شيئاً ضد ترامب فإنه يمكن أن تجد نفسك في السجن". ورأى ميرفي أن ترامب اختار أن يبدأ بالقبض على مهاجر فلسطيني متمنياً أن "يدفع مكان ميلاده ووضعه القانوني بصفة مهاجر، الناس إلى غضّ النظر"، مضيفاً: "لا يمكن تجاهل الأمر لأنه إذا أصبح عادياً أن يتم السماح للنظام بإخفاء الناس قسرياً لمجرد تظاهرهم ضد سياسات النظام سواء كنت مواطناً أو مقيماً شرعياً واحتجازهم فإنه لا عودة للوراء في أميركا. وهذه الممارسات تتجاوز الخطوط الحمراء، ويجب حماية حرية التعبير. اليوم محمود خليل وغداً أنا وأنت".

قراءة المقال بالكامل