قمّة بغداد تحت ظلال الحمائم والصقور

منذ ٢ ساعات ١٩

الأثر الواضح من أصداء القمّة العربية التي عُقدت في بغداد (السبت الماضي) أنها مناسبة جديدة لإبراز النزاع ما بين تيّارَين داخل الائتلاف الشيعي الحاكم، وهو نزاع انعكس سابقاً في أكثر من ملفّ وقضية خلال السنوات الماضية من عمر حكومة رئيس الوزراء محمّد شيّاع السوداني. تيّار يدعم عمل الحكومة ويحاول الانفتاح على العالم، وعلى المحيطَين العربي والإقليمي، ويتجنّب التصعيد واستخدام النبرة العالية، أمّا التيّار المضادّ فيقف في الطرف المعاكس، ويريد القطيعة مع العالم العربي، وعزل العراق عن المحيط الإقليمي، والانفتاح حصراً على إيران.
هناك علاقة معقّدة ما بين التيّارَين، فكلاهما في القلبّ المُحرِّك للسلطة في بغداد، ويستفيدان من منافع الدولة ومواردها، ويتجاوران في الحركة والنشاط، بل قد يتّحدان في قضايا محدّدة، لا سيّما المتعلّقة بالشعائر والطقوس الدينية. ولذلك لا ينطبق عليهما وصف "السلطة والمعارضة"، الذي يصدق على بلدان ذات تجربة ديمقراطية واضحة المعالم. أيضاً، لا توجد إمكانية واضحة لتحديد الحجوم، ومَن الأقوى والأكثر حضوراً وتأثيراً على مستوى عمل المؤسّسات، أو في الشارع ومقدار الشعبية التي يحظى بها هذا الفريق أو ذاك. ويفضّل المراقبون والمعلّقون السياسيّون المحايدون أن ينظروا إلى الفريقَين جناحين في سلطة واحدة، سلطة لم تستطع حسم بوصلتها بعد.
في الطرف الآخر من هذه السلطة (ذات الجناحَين) يقف التيّار الصدري، والمعارضون التشرينيّون، والمدنيّون العلمانيّون، وتيّارات اجتماعية محافظة قريبة من مرجعية النجف. يحاول جناحا السلطة إمّا تحاشي الاحتكاك بالتيّار الصدري أو التزلّف له، ومحاولة جذبه إلى دائرة الشراكة بالسلطة، وهي فرضية أعلن زعيم التيّار الصدري، مقتدى الصدر، أكثر من مرّة أنه يرفضها. ولكن في كلّ الأحوال لا تريد السلطة الصدام مع التيّار الصدري أو خلق مشكلة معه. أمّا الأطراف المُعارِضة الأخرى، فهي معرّضة بشكل دائم إلى هجمات إعلامية أو ملاحقات قانونية، لأنها لا تملك مصادر قوّة في الأرض، سوى إيمانها بسلطة القانون، الذي (للأسف!) لا يسعى إلى حمايتهم.
هذه هي خريطة القوى المؤثّرة بشكل عام، وهي ضرورية لفهم الهجمات التي تعرّض لها رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، خلال الأسابيع الماضية، التي وصلت إلى حدّ صناعة رسوم متحرّكة باستخدام الذكاء الاصطناعي تسخر من مساعيه بالانفتاح على الدول العربية، فهذه لم تصدر من قوى معارضة للحكومة، وإنما من أحد جناحَي السلطة، والذي لا يريد الانفتاح إلا على الجمهورية الاسلامية في إيران.
ربّما كان هذا الجناح خلف ترتيب زيارة قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، إلى بغداد قبل 48 ساعة من انعقاد القمّة العربية، في رسالة رمزية تشير إلى صاحب القدح المعلى في بغداد. وهو نفسه الجناح الذي شنّ حملات إعلامية كبيرة في مواقع التواصل ردّاً على إزالة صور تابعة لقادة الفصائل من شوارع بغداد ومن شارع المطار تحديداً.
على الرغم من الحضور المتدنّي للزعماء العرب في القمّة العربية، ومعرفة كثيرين أن القمم العربية لا تنتج غالباً قرارات حاسمة ومؤثّرة، وإنها لقاء من نمط العلاقات العامّة، فإن حكومة السوداني كانت تريد من استضافة الدول العربية زيادة رصيدها بإزاء الجناح المُعارِض، وأن تبيّن إمكانات انفتاح بغداد على العالم، خصوصاً بعد زيارة ترامب العاصفة دول الخليج العربي، وارتفاع نبرة المصالح الاقتصادية، وأنها البوصلة الأكثر فعالية اليوم. لكن ما نغّص هذه الرؤية العراقية الجديدة أنها غير محسومة على مستوى السلطة والقوى الفاعلة والمؤثّرة فيها، وما يحتاجه فريق "الحمائم" من أجل إقصاء "الصقور"، أن ينفتح أكثر على المجتمع المدني العراقي، وقواه المعارضة للحكومة (بجناحَيها)، وأن يفكّ هذه الشراكة المُمْرِضة لجسد الدولة، ويحيّد المتطرّفين، ويقلّص من صلاحياتهم الأمنية والاقتصادية.
إجراءات من هذا النوع كفيلة وحدها بمنح مزيد من الثقة لتيّار الحمائم، إن كان داخلياً أو خارجياً.

قراءة المقال بالكامل