صدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "فيزياء الذرة الحديثة: مقاربة فلسفية تأويلية" للباحثة وأستاذة الفلسفة كلوديا ناصر الدين.
يتألف الكتاب من تمهيد وعشرة فصول وخاتمة، تناقش جميعها أوجه العلاقة بين الفلسفة بوصفها علماً يبحث في الظواهر الميتافيزيقية، والفيزياء بوصفها علماً نظرياً تطبيقياً محسوساً (فيزيقياً)، بدءاً من الفيزياء الكلاسيكية القديمة، ثم التغييرات التي طرأت عليها وأوصلتها إلى الفيزياء الحديثة التي أوجدت نافذة نحو التفكير الميتافيزيقي والجمع بين التفكيرين العلمي والفلسفي، وخصوصاً مع الانقلاب الذي أحدثته النظرية النسبية، ثم وصولاً إلى الفيزياء الذرية (فيزياء الكوانتم)، التي دشنت صلات وصل جديدة بين عقلانية الفلسفة وواقعية الفيزياء.
يتمحور الكتاب حول موضوع أساسي هو تبيان مواطن التقاطع بين فيزياء الذرّة الحديثة (فيزياء الكوانتم) من جهة، والفلسفة من جهة أخرى، ويطرح بفصوله العشرة الأسئلة الفلسفية بامتياز التي تعيد الفيزياء الحديثة إحياءها، والمحاولات الرامية إلى تقريب أواصر العلاقة بينها وبين الفلسفة إلى ذهن القارئ، عبر الإشارة إلى التحولات الجذرية العظيمة التي شهدتها الفيزياء الحديثة مع نظرية آينشتاين النسبية، مروراً باكتشاف ماكس بلانك للطاقة الكمومية، ثم وصولاً إلى نظريات الكمّ (الكوانت) المعقدة مع فيرنر هايزنبرغ وإرفين شرودنغر ولوي دو بروي، التي ساهمت في انتقال الفيزياء من المجال التجريبي المجرد إلى النطاق العقلي، ما يحوّل المادة الفيزيقية للفيزياء إلى مادة ميتافيزيقية ذات علاقة بمناهج التأمل الفلسفي وعُدَّته المنطقية. وإذا كان علماء الفيزياء قد أجابوا عن كل الأسئلة المطروحة في مضمارهم حول موضوع الكتاب، فإن الأسئلة الفلسفية المستعصية حتى الآن حول الذات الإنسانية وكل ما يختلجها من رغبات في بلوغ اللامتناهي لا تزال تطرح نفسها بإلحاح، ما دفع الفيزياء الحديثة إلى إنعاش البحث فيها.
يناقش الكتاب العلاقة بين الفلسفة بوصفها علماً يبحث في الظواهر الميتافيزيقية، والفيزياء بوصفها علماً نظرياً تطبيقياً محسوساً
تتناول الفصول الثلاثة الأولى من الكتاب مسألة هيمنة التفكير الميتافيزيقي على الفيزياء الحديثة، وامتزاج الفيزيقا بالميتافيزيقا فيها على نحو مباشر، وصولًا إلى قمة تطورها مع نيوتن، الذي صاغ أشهر معادلة للجاذبية تعبّر عن النسق المتكامل والنهائي للفيزياء في أربعة قرون (من السابع عشر حتى العشرين).
وتبيّن الفصول الرابع والخامس والسادس تحوّل النظريات العلمية عن مبادئ الفيزياء الكلاسيكية إلى أول وجوه الفيزياء الحديثة، وتتعرض بتبسيطٍ لإحداث النظرية النسبية تغييرًا جذريًا في نظرية الجاذبية النيوتنية وإدخالها مفاهيم جديدة على الفيزياء الكلاسيكية اتفق معظم الفيزيائيين على أنها مهّدت لمعالم الفيزياء الحديثة التي بدأت مع مقاربات فلسفية حول مفهومَي المكان والزمان اللذين أصبحا نسبيّين ويرتبطان عضويًا بحركة الملاحِظ (أي الذات التي ترصدهما).
وتتناول الفصول السابع والثامن والتاسع والعاشر الوجه الآخر للفيزياء الحديثة: النظرية الكوانتية (الكمية)، والقوانين التي تتحكم في عالم الجسيمات الذرّية وما دون الذرّية، وتستعرض مآلات الفيزياء الحديثة في أوائل القرن العشرين واستنفادها الميتافيزيقا مع الفلسفة الأرسطية، متوقفةً أمام فيزياء ديكارت ونيوتن لتدخل في بحث التواشج بين العيني والماورائي الذي يجعل الظواهر الفيزيائية عرضة للتأويل، وإن احتفظت ببقايا من الإرث الوضعي.
يُذكر أن كلوديا ناصر الدين أستاذة جامعية، وكاتبة ومترجمة، حائزة على درجة الدكتوراه في الفلسفة من "الجامعة اللبنانية" عام 2018. نُشرت لها مقالات علمية في مجلات علمية محكمة. ولها مشاركات في كتب جماعية، منها "موسوعة الفلسفة الفرنسية المعاصرة".
