تشنّ الولايات المتحدة منذ منتصف الشهر الماضي (مارس/ آذار) غاراتٍ جويةً على الجزء الذي تسيطر عليه جماعة الحوثي في اليمن، ويجري التركيز في محافظات صنعاء وصعدة والحديدة والبيضاء وذمار، وكانت قد سبقتها غارات إسرائيلية. وبعد قرابة شهر على هذه الهجمات الأميركية تبدو صورة الموقف العسكري غامضةً، وليس هناك تقدير دقيق لحصيلة العمليات، وبقي التصريح نفسه يتردّد على لسان الرئيس دونالد ترامب أن الهجمات "ناجحة بشكل لا يصدّق"، إذ دمّرت أهدافاً عسكريةً رئيسةً، وقتلت قادةً بارزين في الجماعة، في وقت تواصل فيه وزارة الدفاع الأميركية إسناد حاملة الطائرات هاري ترومان، التي تتولّى قيادة العمليات ضدّ الحوثيين في البحر الأحمر، وأعلنت في الأسبوع الماضي توجّه حاملة الطائرات كارل فينسون، المتمركزة في آسيا، نحو الشرق الأوسط للانضمام إلى "ترومان"، كما أمر ترامب بإرسال قاذفات الشبح "بي 2" إلى القاعدة العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وبريطانيا في أرخبيل لاغوس بالمحيط الهندي. وفي الجانب الآخر، أعلن الحوثيون أنهم استهدفوا سُفناً أميركيةً في البحر الأحمر، بما في ذلك "ترومان". ورغم أنه لم تُعلَن إصابةُ أيّ سفينة حتى الآن، إلا أن البحرية الأميركية وصفت الهجمات الحوثية بأنها الأعنف التي واجهها البحّارة الأميركيون منذ الحرب العالمية الثانية.
هدف العملية العسكرية المُعلَن تأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وردع الحوثيين وتحجيم قدراتهم العسكرية، بما يمنعهم من ضرب إسرائيل بالصواريخ والطائرات الحربية المسيّرة، ودفع إيران إلى إنهاء تدخّلها ونفوذها في المنطقة. واللافت هنا أن الغارات لم تأخذ هدنةً مع بدء الجولة الأولى من المفاوضات الرسمية بين الولايات المتحدة وإيران في مسقط (12 إبريل/ نيسان الحالي)، مع أن واشنطن هدّدت طهران بأنها ستتحمّل مسؤولية كلّ طلقة نار يطلقها الحوثيون من اليمن، وقد تلا هذه الرسالة نشر تقارير إعلامية تفيد بأن إيران أمرت جميع مستشاريها وخبرائها العسكريين بمغادرة اليمن، على الرغم من أهمية هذا الموقع في المساومة مع واشنطن والأطراف الإقليمية.
لا يبدو أن الغارات الأميركية ذات مفعول كبير، بدليل أن الحوثيين يواصلون الاشتباك مع السفن الحربية الأميركية في البحر الأحمر، ويرسلون الصواريخ البعيدة والطائرات المسيّرة لمهاجمة إسرائيل، ويؤيّد ذلك ضخامة الحشد العسكري الأميركي والتعزيزات العسكرية التي تتوالى على المنطقة، وهي تعكس ثلاث مسائل في آن واحد. ضرب قدرات الحوثيين، التي تحدثت مصادر إيرانية أنها لا تقلّ أهميةً عن تلك التي كان يتمتع بها حزب الله في لبنان وسورية، وهي حصيلة عمليات بناء استغرقت أكثر من 15 عاماً، وكلّفت مليارات الدولارات، لجهة التسليح والتدريب والتحصينات، التي ساعدت فيها الطبيعة اليمنية الجبلية الوعرة، وضعف الوضع الاقتصادي، الذي سمح بتجييش فئات واسعة من اليمنيين على أساس طائفي. والهدف الثاني إنهاء تهديد إيران في الشرق الأوسط والخليج، وقد بات هذا الأمر أقرب إلى التحقّق أكثر منه قبل تدمير قدرات حزب الله، وإسقاط النظام السوري، وبدء مليشيات من الحشد الشعبي العراقي بحلّ نفسها تحسّباً لمواجهة ضربات أميركية إسرائيلية.
والهدف الثالث تغيير الوضع في اليمن ككل، على نحو يضع نهايةً للمشروع الحوثي الذي استولى على الدولة اليمنية في عام 2014. ويذهب التوجّه الدولي والإقليمي إلى طيّ صفحة هذا الوضع، وإعادة الحكومة الشرعية التي تتّخذ من عدن مقرّاً لها، ولا يبدو أن هذا الهدف سهل التحقّق بالضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية، خاصّة أن القوى العسكرية التي تقف في الصفّ المواجه للحوثيين (في الجنوب والشمال) تتكوّن من أمراء حرب لا يدعمون خيار الدولة اليمنية الواحدة.
