قال المستشار لدى معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، ماهر الكرد، إن "إسرائيل تواصل عمليات النهب الاقتصادي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وحتى اليوم، وخصوصًا المنطقة "ج"، التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية". وأشار إلى أن النهب الاقتصادي يتمثل بشكل جوهري في استخدام الأراضي باعتبارها قيمة اقتصادية، مثل استخدام المياه والمصادر الطبيعية والرخام المعروف بـ"النفط الأبيض".
وقدم الكرد ورقة بحثية في الجلسة السابعة للمنتدى السنوي لفلسطين، الذي اختتم دورته الثالثة مساء اليوم الاثنين، ونظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومؤسسة الدراسات الفلسطينية في الدوحة على مدى ثلاثة أيام. وكانت الورقة البحثية بعنوان "المسؤولية الإسرائيلية عن التعويضات الاقتصادية: ملفات التعويضات الاقتصادية"، مع إشارة خاصة إلى مسؤولية إسرائيل عن التعويضات عن الأضرار الناجمة عن حرب أكتوبر/تشرين الثاني 2023، وفقًا لأحكام القانون الدولي.
وتناول الكرد في ورقته ترويج إسرائيل لفكرة أن العبء الرئيسي في تمويل إعادة الإعمار سيقع على عاتق الدول العربية المصدرة للنفط، وعلى المجتمع الدولي. واستعرض الملفات الثلاثة المتعلقة بمسؤولية إسرائيل عن التعويضات الاقتصادية المرتبطة بقضية فلسطين، وهي التعويضات المتعلقة بنتائج التطهير العرقي والنهب الناجم عن حرب عام 1948، والتعويض عن التطهير العرقي الناجم عن حرب عام 1967، والتعويض عن النهب الاقتصادي الذي مارسته إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1967.
أما الملف الرابع للمطالبات الفلسطينية بالتعويضات الاقتصادية، فهو مرتبط بمسؤولية إسرائيل عن التعويض عن الدمار، والأضرار الناجمة عن حربها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023. ونظرًا إلى أن إنهاء الصراع وتحقيق حل الدولتين الذي يدعو إليه المجتمع الدولي يتطلب تحقيق السلام الدائم والشامل، فإن إنهاء جميع المطالب لدى أطراف الصراع هو شرط أساسي. وأشار الباحث إلى وجود تقصير لافت من قبل الجهات الرسمية والبحثية الفلسطينية في متابعة ملف التعويضات الاقتصادية المترتبة على إسرائيل وفق القوانين الدولية منذ عام 1948.
وحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في سبتمبر/أيلول الماضي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لغزة بنسبة 81% في الربع الأخير من عام 2023. وفي منتصف عام 2024، انكمش اقتصاد غزة ليصل إلى أقل من سدس مستواه في عام 2022. وأشار التقرير إلى أن ما بين 80% و96% من الأصول الزراعية في القطاع، بما في ذلك أنظمة الري ومزارع الماشية والبساتين والآلات ومرافق التخزين، قد تضررت، مما أدى إلى شلل في القدرة على إنتاج الغذاء وتفاقم مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفعة بالفعل.
وأكد التقرير أن 82% من الشركات في غزة، التي تشكل محركًا رئيسيًّا للاقتصاد، قد دُمِّرت بالكامل. وفي الجلسة ذاتها، قدمت الباحثة غادة السمان، التي عملت محاضرة في جامعة بيرزيت، ورقة بحثية حول نظام "البيروقراطية النيوليبرالية" المفروض على رام الله. وأوضحت أن هذا النظام هو نظام اقتصادي تحكمه السوق وديناميكياته، ويعد مرحلة متطورة من النظام الرأسمالي.
وأضافت السمان أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لعبا الدور الأكبر في فرض "النيوليبرالية" على الدول الأضعف من خلال التدخل في السياسات الاقتصادية، وفرض نظام السوق الحر، وخصخصة القطاع العام، ودمج الاتفاقيات الملزمة دوليًّا. وأشارت إلى أن النظام النيوليبرالي تجسد في الضفة الغربية، من خلال طبيعة دور وسلوك الحكومة، ومالكي رأس المال، والبنوك. وأوضحت أن فئة قليلة من رجال الأعمال الفلسطينيين تسيطر على أكثر من 50% من قيمة السوق، بينما عملت البنوك على دمج المجتمع في النظام الجديد، وفرض نمط استهلاكي، واستثمار أرباحها خارجيًّا، مع مراقبة حركة رأس المال والتقيّد بالترتيبات والإجراءات العالمية المفروضة عليها من الاحتلال.
وخلصت الباحثة إلى أن البيروقراطية النيوليبرالية اخترقت الضفة الغربية من خلال تجريد الواقع، وإحداث تداخل بين العام والخاص، وانتشار الصراعات المتعددة الأبعاد، والعيش في "المتخيل الاجتماعي". ورأت أن السياسات النيوليبرالية أدت إلى عزل المجتمع الفلسطيني عن واقع الاحتلال، من خلال تفتيت المجتمع والحكومة والقيادة، وإضعاف الطابع الجمعي للمجتمع. وقالت إن ذلك تحقق عبر فرض النظام الفرداني، وفقدان الثقة في الحيز العام، وإحداث فوضى في فكر المجتمع وثقافته ومعاييره، وربطه بالنمط الاستهلاكي والمادي والفردي للنيوليبرالية. وأشارت إلى أن هذه السياسات أدت إلى تجريد المجتمع وإضعافه، وتحفيز الصراعات الداخلية، والانغماس بالذات من خلال العيش في "المتخيل الاجتماعي"، وجعل هذه التحولات تبدو وكأنها أمور طبيعية.
