أدّى الرئيس اللبناني، جوزاف عون، الثلاثاء الماضي (15 إبريل/ نيسان الجاري) زيارة إلى الدوحة، التقى فيها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وذكرت وكالة الأنباء اللبنانية أن الزيارة تأتي في إطار زيارات الرئيس عون الدول الشقيقة والصديقة منذ تشكيل الحكومة اللبنانية، بعد أيّام من انتخابه رئيساً للجمهورية (9/1/2025)، كما تضمّنت الزيارة سبل تعزيز العلاقات بين البلدَين، إضافة إلى التطرّق لقضايا إقليمية ودولية. تحمل زيارة عون إلى قطر دلالات عدة، تبدأ بعبارة "شكراً قطر"، وقد لا تنتهي بمجموعة من "اللاءات"، التي يوضح من خلالها الإطار الذي يسير عليه عهده الرئاسي.
في حواره الشامل الذي أجراه مع "العربي الجديد"، جاء عون على تلك العلاقة المميّزة والشفّافة التي تربط لبنان بقطر. وفي سياق إجابته عن سؤال محاورَيه عن الدعم الذي تتوقّعونه من هذه الزيارة، قال "لن أحدّد لدولة قطر كيف تدعمنا، طبعاً هدف الزيارة هو شكر قطر". تعتبر قطر من الدول القليلة التي تقف إلى جانب لبنان في محنته بكثير من الأخوّة والتضامن. وجواب الرئيس أنه لن يحدّد لها كيفية تقديم الدعم إلى لبنان دلالة واضحة على أن هذا البلد يدرك تفاصيل ما يعانيه لبنان من أزمات، وما هو مطلوب لاستمراره. يكفي أن قطر لا تزال تقدّم الدعم للمؤسّسة العسكرية في أصعب ظروفها، تلك المؤسّسة التي يتمثّل دورها في الحفاظ على ما تبقّى من هذا الكيان.
"شكراً قطر"، عبارة ردّدها كلّ لبناني بعد عدوان إسرائيل على لبنان في يوليو/ تمّوز 2006، الذي خلّف نسبة هائلة من الدمار، فكان لدولة قطر الفضل الأكبر من بين الدول الداعمة في إعادة إعماره. واليوم، في ظلّ مخلفات الحرب الإسرائيلية الأخيرة، يجد لبنان نفسه أنه أمام سند رئيس لا يريد من لبنان سوى النهوض لمواجهة التحدّيات المنتظرة. قال عون كثيراً لـ"العربي الجديد"، ولكنّه كشف للمرّة الأولى عن تلك "اللاءات" التي سيرسم بها عهده، خصوصاً منها ما يتعلّق بالحوار في لبنان، والذي يرتبط بموضوع تسليم حزب الله سلاحه. إذ لطالما عبّر المسؤولون في الحزب عن ضرورة احتفاظه بسلاحه، لضرورات يراها تتعلّق بمواجهة إسرائيل، وما قاله نائب رئيس المجلس السياسي في الحزب، الوزير السابق محمود قماطي، خير دليل على ذلك، عندما أكّد في احتفال تكريمي لحزب الله، في برج البراجنة، أن "الحزب في طليعة من يريد بناء البلد والاستقرار الداخلي فيه، وأن المقاومة باقية ركناً أساسياً من الدفاع عن لبنان"، طارحاً تجديداً للمعادلة التي طرحها الأمين العام السابق للحزب، "الجيش والشعب والمقاومة"، لتصبح "الجيش والشعب والمقاومة والدولة".
تعتبر قطر من الدول القليلة التي تقف إلى جانب لبنان في محنته بكثير من الأخوّة والتضامن
يضع بعضهم مع ما قاله قماطي في إطار الردّ المباشر على "لا" رفعها الرئيس عون لاستنساخ تجربة الحشد الشعبي في حالة حزب الله. إذ أكّد عون أن من الممكن لعناصر حزب الله الاندماج في المؤسّسات العسكرية، لكنّه رفض بالمطلق فكرة جعل حزب الله قوّة رديفة للجيش اللبناني على طريقة الحشد الشعبي العراقي. لا يمكن تطبيق أي سيناريو في لبنان، باستثناء السيناريو اللبناني القائم على التفاهمات بين الأطراف، في ضوء السير بالقرارات الدولية الداعمة للبنان، التي تشترط لدعمه لإنهاء الحرب وإعادة الإعمار أن ينهي حزب الله جناحه العسكري. لم تعد مطروحة أي معادلة، لا ذهبية ولا خشبية، بل معادلة وطنية تجعل من حزب الله نسيجاً متناسقاً مع النسيج اللبناني، لا فئة رديفة لديها علاقاتها وأجنداتها الخارجية، التي لا تلتقي في كثير من الأحيان مع الأجندة الوطنية.
"لا" أخرى رفعها عون من قطر، ولكن هذه المرّة في وجه الأميركي المهرول وراء التطبيع مع إسرائيل، إذ أكّد في مقابلته مع "العربي الجديد"، أنه لا يمكن حالياً حصول التطبيع أو مفاوضات سلام مع إسرائيل. وكشف أنه أبلغ الأميركيين، ممثّلين بنائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، أنّ السلام مع إسرائيل مستبعدٌ شكلاً ومضموناً، بينما المطلوب من إسرائيل تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، والانسحاب من الأراضي التي تحتلّها في لبنان.
تلخّصت الزيارة إلى قطر في إيجابياتٍ كثيرة، وجاءت بعد يومين من الذكرى الخمسين للحرب الأهلية في لبنان، إذ طرح الرئيس عون فيها "لا" إضافية ترتبط بعدم العودة إلى الاقتتال الداخلي، مؤكّداً أن حزب الله لن ينجرّ إليه، وأنه متفهّم للمواضيع كافّة، ومستعد لمعالجتها تحت سقف بناء الدولة. لهذا وضع لبنان في سكّة النهوض، وهذا ما أكّدته زيارة الرئيس إلى دولة قطر، وأن العودة إلى الحرب تبقى صفحة طويت، إلا إذا تعثّرت إحدى لاءاته، فهنا تختلط الأوراق من جديد، ويصبح البلد مفتوحاً على السيناريوهات كافّة، فهل ستكون الحرب واحدة منها؟
