لبنان: ذعر مع عودة الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية

منذ ٢ أيام ١٨

لم يُتَح بعد للبنانيين نسيان أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي كان يوجّهها المتحدّث باسم جيش الاحتلال في خلال حربه الأخيرة على لبنان ولا الذعر الذي كان يصاحبها، وها هو أفيخاي أدرعي نفسه يُصدر، اليوم الجمعة، أمراً لإخلاء منطقة في ضاحية بيروت الجنوبية، قبل أن يستهدفها طيران معادٍ. من جديد، تملّك الذعر باللبنانيين، ولا سيّما أهالي ضاحية بيروت الجنوبية عموماً وسكان المنطقة المستهدفة فيها خصوصاً، قبل أن يهرعوا للنزوح منها، علماً أنّ البقعة التي حدّدها جيش الاحتلال ومحيطها مكتظَّين.

وأتت التهديدات ثمّ الغارات الإسرائيلية هذه بعد أقلّ من أسبوع على الاعتداءات التي استهدف الاحتلال من خلالها مناطق عدّة في جنوب لبنان وصلت إلى قلب مدينة صور، وبعد أربعة أشهر ويوم واحد من تاريخ سريان وقف إطلاق النار على أثر الحرب الإسرائيلية المدّمرة، في حين أنّ اللبنانيين لم يتمكّنوا بعد من تنفّس الصعداء. وفي أمر اليوم، توجّه أدرعي إلى أهالي ضاحية بيروت الجنوبية، خصوصاً في منطقة الحدت، وطالبهم بإخلاء المبنى الذي حدّده باللون الأحمر والمباني المجاورة له فوراً، مع الابتعاد مسافة لا تقلّ عن 300 متر عنها، زاعماً أنّ ثمّة منشآت تابعة لحزب الله هناك.

BREAKING | Israel issues an evacuation order, announcing that it will bomb a building in Hadath, southern suburbs of Beirut (Dahiye), Lebanon. pic.twitter.com/ATgISUyU5Z

— The Cradle (@TheCradleMedia) March 28, 2025

على الرغم من أنّ جيش الاحتلال الإسرئيلي لم يوقف ضرباته، لا على جنوب لبنان ولا على شرقه، منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، فقد أثارت عودة إنذارات الإخلاء هلعاً وذعراً في البلاد، خصوصاً بين أهالي ضاحية بيروت الجنوبية، وتسبّبت في حركة نزوح وأزمة سير خانقة، فالبقعة الحدّدة بالإنذار تضمّ مباني سكنية وتربوية وصحية وغير ذلك. ووسط إرباك كبير، خرج المواطنون في بيوتهم ومن أمكان عملهم ومن المؤسسات التربوية بحثاً عن أماكن أكثر أماناً، قبل أن ينفّذ الطيران المعادي تهديدات جيش الاحتلال.

يُذكر أنّ وزيرة التربية والتعليم العالي في لبنان ريما كرامي أصدرت بياناً مقتضباً، بعد التهديدات الإسرائيلية التي وجّهها المتحدّث باسم جيش الاحتلال اليوم الجمعة، دعت فيه "مديري المدارس والثانويات والمعاهد المهنية الرسمية والخاصة الواقعة في المناطق المهدّدة، ومجمع رفيق الحريري الجامعي في الحدت، إلى تعطيل الدروس اليوم وإخلاء المدارس"، مشدّدةً على ضرورة "توخّي الحذر في أثناء نقل الأولاد (التلاميذ) حفاظاً على سلامة الجميع". تجدر الإشارة إلى أنّ الخوف دفع أعداداً كبيرة من أولياء الأمور إلى اصطحاب أبنائهم من مدارسهم، ولا سيّما في العاصمة بيروت، على الرغم من انّها لا تقع في نطاق البقعة المهدّدة، الأمر الذي تسبّب في تفاقم زحمة السير السيّئة في الأساس.

متابعة | مصادر لبنانية: حركة نزوح كبيرة الآن من حي الحدث في الضاحية الجنوبية ببيروت بعد تهديد الاحتلال. pic.twitter.com/gz1rxWeOvh

— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) March 28, 2025

في الإطار نفسه، قال رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية محمد درغام لـ"العربي الجديد" إنّ "حالة الخوف والهلع طبيعية، لكنّنا ننتظر المستجدّات ونحن على أتمّ الجهوزية للتعامل مع أيّ حالة طارئة، وفقاً لصلاحياتنا وإمكانياتنا، لجهة إخلاء المنازل وتسيير أمور السير". وأكد درغام أنّ "كلّ فرق اتحاد البلديات على الأرض لتسهيل حركة المرور، خصوصاً أنّ سكان ضاحية بيروت الجنوبية بمعظمهم عادوا إليها بعد توقف الحرب، والكثافة السكانية فيها كبيرة".

وبينما خرج كثيرون من ضاحية بيروت الجنوبية، فإنّ ثمّة من آثر البقاء بعد المعاناة في خلال النزوح الأخير، من بينهم سارية حمزة، أمّ لطفل ضرير وشابتَين. وتخبر "العربي الجديد" بأنّه بعد إصدار المتحدّث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أمر إخلاء اليوم، شعرت بـ"رعب" و"توتّر"، هي التي تعيش مع عائلتها في منطقة حيّ السلّم بضاحية بيروت الجنوبية. تضيف: "أعصابي منهارة، حتى أنّني لم أتمكّن من إحضار ابني من المؤسسة الخاصة التي تهتمّ به، إنّما أرسلت ابنتي الشابة لجلبه بدلاً منّي"، مشيرةً إلى أنّ "زوجي، من جهته، حاول الوصول إلينا بعدما غادر، على عجل، عمله في خلدة (إلى الجنوب من بيروت)" وذلك وسط زحمة سير كبيرة.

وتتابع حمزة أنّ "بعد وقف إطلاق النار (في نوفمبر الماضي) عدنا إلى منزلنا، إذ إنّه لم يتضرّر من جرّاء الحرب الأخيرة. لكنّنا اليوم فوجئنا بعودة الإنذارات، في حين أنّ لا مكان نلجأ إليه... ما باليد حيلة... لذلك نلازم منزلنا رغم الخطر". وتبيّن أنّ "أهالي المنطقة في حالة هلع، وقد هرع الجميع لإحضار أولادهم من المدارس، الأمر الذي تسبّب في زحمة سير خانقة"، وأعادت ذلك إلى اكتظاظ حيّ السلم الذي لجأ إليه "كثيرون من الذين تضرّرت منازلهم في مناطق أخرى من الضاحية الجنوبية في أثناء الحرب، وذلك إلى حين إنجاز أعمال الترميم والصيانة اللازمة لمساكنهم". وتقول حمزة: "كنّا نعتقد أنّ الحرب انتهت، لكنّ بوادرها عادت مجدّداً"، مشدّدةً على أنّ "لم نعد نحتمّل مزيداً من المآسي... لقد تعبنا".

من جهتها، تتحدّث مايا الخوري، من سكان منطقة الحدت المستهدفة في ضاحية بيروت الجنوبية، لـ"العربي الجديد" عن الأجواء بعد التهديدات الإسرائيلية الأخيرة، مشيرةً إلى "إرباك وخوف، خصوصاً أنّ المكان المستهدف يضمّ مدرستَين وعدداً من المستشفيات والمباني السكنية المكتظة". وتؤكد الخوري: "كلّنا متوتّرون وقلقون ممّا ينتظرنا. لقد عدنا إلى الواقع المؤسف"، ولا تخفي حيرتها في ما يتعلّق بـ"البقاء في المنزل أو النزوح برفقة أولادي إلى منطقة آمنة. بحسب ما يبدو، سوف نشهد تهديدات أخرى متتالية".

في سياق متصل، يشير جوزيف عماد، من سكان منطقة الحدت، إلى أنّه اليوم موجود مع زوجته في زغرتا شمالي لبنان لإنجاز بعض الأمور. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "فور ورود التهديدات الإسرائيلية، تواصل معي ابني الموجود مع زوجته وطفله في الحدت، فطلبت منه توضيب أغراضه والتوجّه نحو الشمال، لأنّ الأوضاع غير مستقرّة بحسب ما يبدو"، مشيراً إلى أنّ "الإنذارات جدية والعدو الإسرائيلي لا ينوي خيراً، بحسب ما هو واضح".

ويوضح عماد أنّ "من بين أهالي ضاحية بيروت الجنوبية مَن عاد إلى منزله بعد وقف الحرب، ومن بينهم آخرون ما زالوا يصلحون الأضرار التي لحقت بمنازلهم (نتيجة الغارات الإسرائيلية) ويعيشون في منازل مستأجرة في الوقت الراهن". ويتابع: "أعرف لبنانيين كثيرين ما زالت حقائبهم جاهزة تحسّباً لأيّ طارئ، حتى يتمكّنوا من النزوح على الفور، إذ إنّهم ليسوا مطمئنّين لواقع انتهاء الحرب". ويلفت عماد إلى أنّ "كثيرين من سكان الضاحية نزحوا إلى أماكن أكثر أماناً (بحسب ظنّهم) في منطقتَي الحدت وبعبدا، من بينهم من بقي في سيارته بالشارع ومَن قصد معارف، غير أنّ زحمة السير رهيبة والأهالي متخوّفون".

وبعد أمر الإخلاء الإسرائيلي ثمّ القصف اليوم، سُجّل إرباك كبير في لبنان ولا سيّما بين أهالي ضاحية بيروت الجنوبية. يقول واحد من هؤلاء، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد" إنّه يراقب المستجدّات. ويؤكد أنّ "ثمّة خوفاً عند بعض الأهالي، ومن بينهم مَن ترك منزله ومن بينهم مَن ارتأى التريّث في انتظار ما سوف يكون. لكن برأيي، الحرب لم تنتهِ، إذ نشهد يومياً خروقات إسرائيلية في جنوب لبنان وما زال القصف والاستهداف المعاديَين متواصلَين". ويشدّد: "لا نريد سوى الأمان والاستقرار ووقف إطلاق النار والاعتداءات وأن نعود إلى حياتنا الطبيعية، خصوصاً أنّنا ما زلنا نحاول لملمة خسائر الحرب الأخيرة".

قراءة المقال بالكامل