ما القاتل المتخفّي الذي يحيط بنا جميعاً؟

منذ ٥ ساعات ١١

بي بي سي

نحن مُحاطون بقاتلٍ غير مرئي. شائعٌ لدرجة أننا لا نكاد نلاحظه وهو يُقصّر أعمارنا. يسبب النوبات القلبية ومرض السكري من النوع الثاني، والدراسات تربطه الآن بالخرف. ماذا تعتقد أنه يمكن أن يكون؟

الجواب هو الضوضاء، وتأثيرها على جسم الإنسان يتجاوز بكثير الإضرار بالسمع.

تقول البروفيسورة شارلوت كلارك، من جامعة سانت جورج في لندن: "إنها أزمة صحة عامة، يتعرض لها عدد هائل من الناس في حياتهم اليومية".

لذا، كنتُ أبحث في التوقيت الذي يصبح فيه الضجيج خطيراً، وأتحدث مع من يعانون من مشاكل صحية، وأبحث عن طريقة للتغلب على عالمنا الصاخب.

بدأتُ بلقاء البروفيسورة كلارك في مختبر صوتي هادئ بشكل مخيف، لنرى كيف يتفاعل جسدي مع الضوضاء، وقد زُوّدتُ بجهاز يشبه ساعة ذكية سميكة. ستقيس معدل ضربات قلبي وكمية تعرّق بشرتي. وذلك أثناء تعريضي لسماع أصوات مختلفة.

بدأت أسمع أصوات ضجيج حركة المرور في دكا في بنغلادش، تلاه صوت نباح كلاب، ثم أصوات رواد إحدى البارات تلاها صوت مجموعة أطفال يلعبون، وأخيراً صوت حفلة قرب نافذة غرفة النوم.

أكثر ما أزعجني هو صوت ضجيج حركة المرور في دكا في بنغلاديش، المُصنّفة كأكثر مدينة صخباً في العالم. شعرت فوراً وكأنني في ازدحام مروري هائل ومُرهق.

تلتقط المستشعرات انفعالي فيرتفع معدل ضربات قلبي بشدة ويزداد تعرق بشرتي.

تقول البروفيسورة كلارك، بينما تجهّز الأصوات لأسمعها: "هناك أدلة قوية على أن ضوضاء المرور تؤثر على صحة القلب".

فقط أصوات لعب الأطفال المبتهجين لها تأثير مهدئ على جسدي. أما نباح الكلاب وحفلة الجيران في الساعات الأولى من الصباح فقد أدت إلى رد فعل سلبي.

تقول البروفيسورة كلارك: "لديك استجابة عاطفية للصوت".

تلتقط الأذن الصوت وينتقل إلى الدماغ، وتقوم منطقة واحدة -اللوزة الدماغية - بالتقييم العاطفي.

هذا جزء من استجابة الجسم "القتال أو الهروب"، التي تطورت لمساعدتنا على الاستجابة بسرعة للأصوات، كصوت حيوان مفترس يصطدم بالشجيرات.

تخبرني البروفيسورة كلارك: "بهذه الطريقة، يرتفع معدل ضربات قلبك، ويبدأ جهازك العصبي بالنشاط، وتُفرز هرمونات التوتر".

1_1_11zon

كل هذا جيد في حالات الطوارئ، لكنه مع مرور الوقت يبدأ بالتسبب في أضرار.

تقول البروفيسورة كلارك: "إذا تعرضتَ للضوضاء لعدة سنوات، وكان جسمك يتفاعل معها باستمرار، فهذا يزيد من خطر إصابتك بأعراض مثل النوبات القلبية، وارتفاع ضغط الدم، والسكتة الدماغية، وداء السكري من النوع الثاني".

بصورة خفية، يحدث هذا حتى أثناء نومنا السريع. قد تعتقد أنك تتكيف مع الضوضاء. اعتقدت أنني فعلت ذلك عندما كنت أعيش بالقرب من المطار. لكنّ علم الأحياء يروي قصة مختلفة.

تضيف البروفيسورة كلارك: "لا تغلَق أذنيك أبداً، فعندما تكون نائماً، تظل تستمع. لذا، فإن هذه الاستجابات، مثل ارتفاع معدل ضربات القلب، تحدث أثناء نومك".

2_2_11zon

الضوضاء صوت غير مرغوب فيه. النقل - حركة المرور والقطارات والطائرات - مصدر رئيسي لها، وكذلك أصوات قضاء وقت ممتع. الحفلة العظيمة لشخص ما هي ضوضاء لا تطاق لشخص آخر.

قابلتُ كوكو في شقتها في الطابق الرابع بمنطقة فيلا دي غراسيا التاريخية في برشلونة، إسبانيا.

هناك كيس ليمون طازج مُعلق على بابها أهداه لها أحد الجيران، وثلاجتها تحتوي على تورتيلا طهتها جارتها، وهي تُقدم لي كعكات فاخرة من صنع جارتها الثالثة التي تتدرب على صناعة المعجنات.

من الشرفة، يُمكنك رؤية كاتدرائية المدينة الشهيرة، ساغرادا فاميليا. من السهل فهم سبب عشق كوكو للعيش هنا، لكن ثمنه باهظ، وهي تعتقد أنها ستُجبر على الرحيل.

"صاخب للغاية... صاخب على مدار الساعة"، أخبرتني. هناك حديقة كلاب لأصحابها يتنزهون مع كلابهم التي "تنبح في الثانية، والثالثة، والرابعة، والخامسة صباحاً"، والفناء مساحة عامة تُستخدم في كل شيء، من حفلات أعياد ميلاد الأطفال إلى الحفلات الموسيقية التي تستمر طوال اليوم وتُختتم بالألعاب النارية.

تُخرج هاتفها وتُشغل تسجيلات الموسيقى الصاخبة بصوت عالٍ لدرجة اهتزاز زجاج نوافذها.

كان من المفترض أن يكون منزلها ملاذاً من ضغوط العمل، لكنّها تقول إن الضوضاء "تُسبب لي الإحباط، أشعر برغبة في البكاء".

دخلت المستشفى مرتين بسبب ألم في الصدر، وتعتقد "قطعاً" أن الضوضاء تُسبب التوتر، مما يُضر بصحتها. تقول: "أشعر بتغير جسدي، إنه يُؤثر على الجسم بالتأكيد".

وفي برشلونة، هناك قرابة 300 نوبة قلبية و30 حالة وفاة سنوياً بسبب ضوضاء المرور فقط، وفقاً للباحثة الدكتورة ماريا فورستر، التي راجعت الأدلة المتعلقة بالضوضاء لمنظمة الصحة العالمية.

3_3_11zon

في جميع أنحاء أوروبا، يرتبط الضجيج بـ12 ألف حالة وفاة مبكرة سنوياً، بالإضافة إلى ملايين حالات اضطرابات النوم الشديدة، بالإضافة إلى أن إزعاج الضوضاء خطير وقد يؤثر على الصحة النفسية.

قابلتُ الدكتورة فورستر في مقهى يفصله عن أحد أكثر شوارع برشلونة ازدحاماً منتزه صغير. يُظهر جهاز قياس الصوت أن مستوى ضجيج حركة المرور البعيدة هنا يزيد قليلاً عن 60 ديسيبل.


ما القاتل المتخفّي الذي يحيط بنا جميعاً؟
قراءة المقال بالكامل