ماسك وسر هجوم ترامب على قطاع السيارات العالمي

منذ ٣ أيام ١٥

في أقوى ضربة لقطاع السيارات العالمي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض تعرفة جمركية جديدة دائمة بنسبة 25% على واردات بلاده من السيارات وقطع غيار السيارات بهدف جلب المزيد من وظائف التصنيع إلى الولايات المتّحدة وجعل الدول والشركات التي تنشط فيها وتمتصّ ثرواتها تدفع، ولم يتوقَّف عند هذا الحدّ فحسب، بل هدَّد بفرض رسوم جمركية إضافية على كلّ من تسوِّل له نفسه القيام بإجراءات انتقامية.

حتى شركة صناعة السيارات الكهربائية الأميركية "تسلا"، المملوكة للملياردير إيلون ماسك، لم تسلم من الهزّة العنيفة التي أحدثتها رسوم ترامب في صناعة السيارات الأميركية ومنافسيها العالميين، فقد انخفضت أسهمها بشكل ملحوظ في تداولات ما بعد فرض الرسوم.

ومنذ وطئت قدماه البيت الأبيض مجدَّداً، وضع الرئيس ترامب نصب عينيه إنهاء تفضيل السيارات الكهربائية لكونها أقلّ تلويثاً للبيئة وأمر إدارته بإلغاء كل الامتيازات التي منحها سلفه بايدن لقطاع السيارات الكهربائية، كإلغاء الإعفاءات الضريبية والحوافز الفيدرالية الممنوحة لشركات تصنيع السيارات الكهربائية في الولايات المتّحدة، ووقف الائتمان (الإعفاء) الضريبي الذي يصل إلى 7500 دولار والممنوح للمواطن الأميركي عند شرائه سيارة كهربائية جديدة، وكذا إجبار مالكي السيارات الكهربائية على المساهمة بأموال في صندوق ائتمان الطرق السريعة The Highway Trust Fund (HTF) من خلال ضريبة قدرها 1000 دولار.
قد يتَّضح من كلّ هذا للوهلة الأولى أن إيلون ماسك، قطب التكنولوجيا وأغنى رجل في العالم، قد خسر رهانه وبدأ يدفع الثمن بعد أن دعم ترامب مادياً في حملته الانتخابية بأكثر من 130 مليون دولار ومنح جائزة قدرها مليون دولار يومياً للناخبين الأميركيين بشكل عشوائي في الولايات المتأرجحة، ومعنوياً من خلال منصّته إكس، إلى جانب مرافقته في جولاته الانتخابية، ومهنياً من خلال تزويده بالاقتراحات الاقتصادية لخفض الإنفاق الحكومي، لكن الملياردير الذي أصبح جزءاً لا يتجزَّأ من منظومة ترامب يسير في الواقع بخطى ثابتة ومدروسة نحو ثراء أكبر واستحواذ أوسع على السوق الأميركية.
في حقيقة الأمر، تجري الرياح التي تُحدثها سياسات ترامب في قطاع السيارات الأميركي بما تشتهي شركة ماسك. ببساطة، تعمل قرارات ترامب على طرد كل الشركات الصغيرة من السوق لعدم قدرتها على العمل في مناخ يخلو من الدعم والحوافز، وتُمكِّن من ثَمَّ من إخلاء الساحة لشركة تسلا التي تُعدّ بحسب مجلة فوربس الأميركية من أكبر مصادر ثروة إيلون ماسك التي وصلت إلى 347.7 مليار دولار في مطلع العام الجاري.

وهذا تخطيط جهنّمي طغا على سلوك ماسك الشيطاني الذي خطَّط من خلال إنفاق ملايين الدولارات على حملة ترامب الانتخابية إلى كسب مليارات الدولارات من خلال دفعه إلى وضع إجراءات جديدة يستحيل معها على منافسي تسلا الصغار الصمود لفترة أطول.
صحيح أنّ عدد مشتري السيارات الكهربائية سيقلّ في الولايات المتّحدة مقارنة بعهد بايدن، لكن كلّ هذا القليل سيصبّ في جيوب ماسك الذي يتوقَّع أن يكسب أكثر ممّا كان يكسبه في ظلّ وجود العديد من الشركات المنافسة الصغيرة.
في الواقع، يضرب ماسك عصفورين بحجر ترامب، الأوّل هو إزاحة المنافسين الصينيين والأوروبيين من السوق الأميركية والثاني هو الاستفراد بشكل شبه تامّ بهذه السوق بعد طرد المنافسين الأميركيين الصغار، وعندما نتكلّم عن السوق الأميركية فنحن نتكلّم عن قدرة شرائية هائلة يصعب على شركات السيارات العالمية أن تجد لها مثيلاً في أسواق أخرى.
لقد وصل الحدّ بترامب أن جعل البيت الأبيض معرضاً لسيارات تسلا واشترى واحدة لنفسه في محاولة منه لدعم مستشاره المقرَّب ومالك الشركة الملياردير إيلون ماسك في ظلّ الدعوات لمقاطعة شراء سياراته وعمليات التخريب التي تتعرَّض لها معارض تسلا بعد أن شجَّعت حركة "إسقاط تسلا" عدداً من الأفراد ليس فقط في الولايات المتّحدة بل في جميع أنحاء العالم على سحب استثماراتهم من الشركة، والتخلُّص من أسهمها، وبيع سياراتهم لثني ماسك عن ممارساته الهادفة إلى خفض الإنفاق الحكومي من خلال التسريح الجماعي للعمال والموظّفين الحكوميين نظراً إلى تولِّيه وزارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، وهي كيان استشاري تابع للمكتب التنفيذي للرئيس الأميركي.

في الواقع أيضا، تهدف حركة "إسقاط تسلا" التي انطلقت على منصّة بلو سكاي، البديل اللاّمركزي لمنصّة إكس المملوكة لماسك، إلى طحن ماسك اقتصادياً من خلال طعن دجاجته التي تبيض ذهباً "تسلا". وكالعادة، تمَّ تعليق هذه الهجمات على شمّاعة المؤامرات والإرهاب.

لا يتوقف الأمر عند الهبوط الحاد في أسهم شركة تسلا للسيارات الكهربائية التي باتت تفقد شعبيتها شيئاً فشيئاً، فهناك خسائر أخرى تكبدتها إمبراطورية الملياردير الأميركي وقطب الأعمال إيلون ماسك منها خسائره في قطاع الفضاء حيث انفجار صاروخ ستارشيب خلال الرحلات التجريبية التي قام بها في طريقه إلى كوكب المريخ وفي منتصف الطريق للمرة الثانية على التوالي، فضلاً عن الهجمات السيبرانية على منصته إكس. وتعرض المنصة لانقطاعات متتالية. الأمر الذي رفع من حدة الانتقادات التي يواجهها ماسك.
خلاصة القول، من غير المستبعد أن ينقلب السحر على الساحر، وأن يخسر ماسك مليارات الدولارات بدل أن يربحها إن استمرّ في العبث مع الداخل الأميركي. وبالفعل خسر الرئيس التنفيذي لشركة تسلا نحو 110 مليارات دولار منذ بداية العام الجاري، منها 11 مليار دولار يوم الخميس 3 إبريل الماضي، إذ تراجعت الأسهم بسبب تباطؤ التسليمات، فضلاً عن دوره المثير للجدل على رأس إدارة الكفاءة الحكومية في إدارة ترامب، مما أثّر سلباً على أداء سهم الشركة.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد اعترف إيلون ماسك بالفعل قبل نحو شهر من الآن بأنه يدير أعماله "بصعوبة بالغة"، إذ انخفضت أسهم شركته للسيارات تسلا في أسوأ انخفاض لها منذ نصف عقد، مما أدى إلى فقدانه جزءاً كبيراً من ثروته الشخصية.

قراءة المقال بالكامل