أصدرت شركة مايكروسوفت الأميركية بياناً فجر اليوم الجمعة، تطرقت فيه إلى اتهامها بمساندة جيش الاحتلال في عدوانه المتواصل على الفلسطينيين في قطاع غزة، من خلال منتجاتها وخدماتها، خاصة منصة الحوسبة السحابية "أزور" Azure التي وثقت تقارير صحافية استقصائية استخدامها من قبل وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية، فضلاً عن مديرية الاستخبارات.
وأفادت الشركة الأميركية العملاقة بأنها "أجرت مراجعة داخلية" و"تعاقدت مع شركة خارجية"، استجابة لـ"مخاوف الموظفين والعامّة بشأن تقارير صحافية تتعلق باستخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات أزور والذكاء الاصطناعي لاستهداف المدنيين أو إلحاق الضرر بهم في النزاع في غزة". وخلصت، "بناءً على مراجعات شملت مقابلات مع عشرات الموظفين وتقييم الوثائق"، إلى أنه "لا دليل على استخدام تقنيات أزور والذكاء الاصطناعي لاستهداف أو إلحاق الضرر بالأشخاص في النزاع بغزة".
ومع ذلك، أقرّت "مايكروسوفت" بأنها تعمل مع دول وعملاء حول العالم، بما في ذلك وزارة الأمن الإسرائيلية التي "تزودها بالبرمجيات والخدمات المهنية وخدمات أزور السحابية وخدمات أزور للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الترجمة". وأشارت إلى أنه "كما هو الحال مع حكومات عدة حول العالم، تعمل أيضاً مع الحكومة الإسرائيلية لحماية فضائها الإلكتروني الوطني من التهديدات الخارجية".
ووصفت علاقتها بوزارة الأمن الإسرائيلية بأنها "مبنية على أساس تجاري". وأضافت: "كما هو الحال مع جميع عملائنا، فإن استخدام الوزارة لتقنياتنا ملزم بشروط استخدام خدمات مايكروسوفت، بما في ذلك سياسة الاستخدام المقبول ومدونة قواعد السلوك الخاصة بالذكاء الاصطناعي". وأوضحت أنّ هذه الشروط "تُلزم العملاء بتطبيق ممارسات الذكاء الاصطناعي الأساسية المسؤولة - مثل الإشراف البشري وضوابط الوصول - ومنع استخدام خدماتنا السحابية وخدمات الذكاء الاصطناعي بأي طريقة تُلحق الضرر بالأفراد أو المؤسسات أو تؤثر على الأفراد بأي شكل من الأشكال المحظورة قانوناً". وأكدت أنها "لم تعثر على أي دليل على استخدام تقنيات أزور والذكاء الاصطناعي، أو أيٍّ من برامجها الأخرى، لإيذاء الناس"، أو "على عدم امتثال" وزارة الأمن الإسرائيلية "لشروط الخدمة أو مدونة قواعد السلوك الخاصة بالذكاء الاصطناعي".
وأفادت بأنها "توفر أحياناً وصولاً خاصاً إلى تقنياتها يتجاوز بنود اتفاقياتها التجارية"، لذا "قدمت دعماً طارئاً محدوداً للحكومة الإسرائيلية في الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، للمساعدة في إنقاذ الرهائن". وزعمت تقديم "هذه المساعدة مع إشراف كبير وعلى نطاق محدود، بما في ذلك الموافقة على بعض الطلبات ورفض أخرى". وأضافت في بيانها: "نعتقد أن الشركة التزمت بمبادئها بعناية ودقة، للمساعدة في إنقاذ أرواح الرهائن مع احترام خصوصية المدنيين في غزة وحقوقهم الأخرى".
ومع ذلك، أقرّت "مايكروسوفت" بأنها "لا تملك رؤية واضحة حول كيفية استخدام العملاء لبرامجها على خوادمهم أو أجهزتهم الأخرى. وهذا ينطبق عادةً على البرامج المُستخدمة محلياً". كما اعترفت بأنها "لا تملك رؤية واضحة لعمليات الحوسبة السحابية الحكومية" التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية، و"التي تُدعم من خلال عقود مع مُزوّدي خدمات سحابية غير مايكروسوفت".
وختمت الشركة بيانها بالتأكيد أنها "لطالما دافعت عن الأمن السيبراني لدولة إسرائيل وسكانها". وأردفت: "وبالمثل، لطالما التزمنا تجاه دول وشعوب أخرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط. يُوجّه التزامنا بحقوق الإنسان كيفية تعاملنا مع البيئات المُعقّدة وكيفية استخدام تقنياتنا. نتشاطر القلق العميق إزاء فقدان أرواح المدنيين في كلٍّ من إسرائيل وغزة، ودعمنا المساعدات الإنسانية في كلا المكانين. إنّ العمل الذي نقوم به في أنحاء العالم كافة مُستنيرٌ بالتزاماتنا في مجال حقوق الإنسان ومُنظّمٌ بموجبها. وبناءً على كل ما نعرفه حالياً، نعتقد أن مايكروسوفت وفت بهذه الالتزامات في إسرائيل وغزة".
يأتي بيان "مايكروسوفت" بعد 19 شهراً على حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة حيث تجاوز عدد الشهداء الـ53 ألفاً، ووسط تقارير صحافية استقصائية حول مساهمتها في هذه الإبادة واعتراضات واحتجاجات من موظفيها.
كيف ساعدت مايكروسوفت جيش الاحتلال؟
كشفت وثائق داخلية مسربة أن اعتماد جيش الاحتلال على تقنية الحوسبة السحابية وأنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بالشركة ارتفع كثيراً خلال المرحلة الأشد وحشية من حرب الإبادة على القطاع. الوثائق المسربة التي كشفت عنها صحيفة ذا غارديان البريطانية بالتعاون مع مجلة 972+ الإسرائيلية وموقع لوكال كول الإخباري العبري، في يناير/كانون الثاني الماضي، سلطت الضوء على كيفية إدماج إسرائيل تقنيات "مايكروسوفت" في حرب الإبادة التي شنتها على الفلسطينيين في غزة، وكشفت كيفية تعميق الشركة الأميركية علاقتها بجيش الاحتلال بعد السابع من أكتوبر 2023، عبر تزويده بخدمات حوسبة وتخزين أكبر وإبرام صفقات لا تقل قيمتها عن عشرة ملايين دولار لتوفير آلاف الساعات من الدعم الفني. وأشارت إلى أن منتجات وخدمات الشركة الأميركية، خاصة منصة الحوسبة السحابية "أزور"، استخدمتها وحدات في القوات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية، فضلاً عن مديرية الاستخبارات. بصفتها شريكاً موثوقاً به لوزارة الأمن الإسرائيلية، كلفت "مايكروسوفت" بشكل متكرر بالعمل في مشاريع حساسة وسرية للغاية. كما عمل موظفوها بشكل وثيق مع مديرية الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك قسم التجسس النخبوي الذي يحمل اسم الوحدة 8200.
وكشف تحقيق لوكالة أسوشييتد برس، في فبراير/شباط الماضي، أن نماذج ذكاء اصطناعي من "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" استُخدِمَت باعتبارها جزءاً من برنامج عسكري إسرائيلي لاختيار أهداف القصف خلال الحربين الأخيرتين في غزة ولبنان. كذلك تضمن التحقيق تفاصيل عن غارة جوية إسرائيلية "خاطئة" عام 2023 أصابت سيارة كانت تقل أفراداً من عائلة لبنانية، ما أدى إلى استشهاد ثلاث طفلات وجدتهن. وفقاً لـ"أسوشييتد برس"، فقد ارتفع استخدام الجيش الإسرائيلي لتقنيات الذكاء الاصطناعي التي توفرها شركتا "مايكروسوفت" و"أوبن إيه آي" في مارس/آذار 2024، بنحو 200 ضعف مقارنة بالفترة التي سبقت حرب إبادتها الجماعية بغزة. كذلك زادت كمية البيانات المخزنة من الجيش الإسرائيلي على خوادم "مايكروسوفت" إلى أكثر من 13.6 بيتابايت بين شهري مارس/آذار ويوليو/تموز 2024، أي ما يعادل الضعف مقارنة بالفترة السابقة. فيما ارتفعت نسبة استخدام هذه الخوادم من الجيش الإسرائيلي بنسبة قاربت الثلثين خلال الشهرين التاليين فقط لـ7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
احتجاجات الموظفين
خلال احتفال بالذكرى الخمسين على تأسيس "مايكروسوفت"، في الأسبوع الأول من إبريل/نيسان الماضي، قاطعت الموظفتان ابتهال أبو السعد وفانيا أغراوال كلمة المدير التنفيذي لقطاع الذكاء الاصطناعي في الشركة مصطفى سليمان، احتجاجاً على التواطؤ مع الاحتلال الإسرائيلي. وطُردتا خلال أيام. وفي 20 مارس الماضي، واجه رئيس "مايكروسوفت" براد سميث، والرئيس التنفيذي السابق ستيف بالمر، هتافات منددة بالتعاون مع إسرائيل. سبق الهتافات في مارس تجمعٌ حاشدٌ أمام القاعة الكبرى في سياتل، موقع إقامة الفعالية، ضمّ موظفين حاليين وسابقين في "مايكروسوفت". وعلّق المتظاهرون لافتةً على جدار القاعة كُتب عليها: "مايكروسوفت تُموّل الإبادة الجماعية"، في إشارةٍ إلى تكثيف إسرائيل اعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية التي تُقدّمها الشركة منذ 7 أكتوبر 2023. وفي فبراير الماضي، طردت الشركة خمسة موظفين من اجتماع مع ناديلا بسبب احتجاجهم على العقود المبرمة مع دولة الاحتلال.
