مخاوف من المستورد تجبر العراقيين على شراء اللحوم المحلية رغم غلائها

منذ ١ يوم ١٢

يشهد العراق تزايداً ملحوظاً في إقبال المواطنين على شراء اللحوم المحلية رغم ارتفاع أسعارها التي تصل إلى ضعف أسعار اللحوم المستوردة، لا سيما في شهر رمضان. ويعزو المستهلكون هذا التوجه إلى مخاوف صحية وتحذيرات الأطباء من تناول اللحوم المستوردة، التي تثير شكوكاً حول جودتها ومصدرها، حيث تشير تقارير طبية إلى أن بعض أنواع اللحوم المستوردة قد تحتوي على مواد حافظة وهرمونات قد تؤثر سلباً على صحة المستهلكين. ويؤكد أحمد السعدي، وهو أخصائي تغذية، أن بعض اللحوم التي تدخل إلى العراق تُجمد لفترات طويلة أو تخضع لعمليات حفظ غير صحية، ما قد يؤدي إلى فقدان قيمتها الغذائية أو تسببها بمشاكل صحية عند استهلاكها. ويضيف السعدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحالات المرضية المرتبطة بتناول لحوم غير موثوقة المصدر، مثل التسمم الغذائي واضطرابات الجهاز الهضمي، أصبحت أكثر شيوعاً في الفترة الأخيرة.

ويؤكد السعدي أنه وغيره من الأطباء دائماً ما ينصحون المواطنين بالبحث عن خيارات أكثر أماناً، حتى وإن كانت بأسعار مرتفعة، وذلك "لعدم موثوقية المصادر التي تستورد منها هذه اللحوم، أو تستخدم في استيرادها وسائل غش وتلاعب وفساد". ورغم أن أسعار اللحوم المحلية تصل إلى ضعف سعر اللحوم المستوردة، لكن الكثير من العراقيين يفضلون شراءها لضمان جودتها، لا سيما في المناسبات التي تتطلب إعداد ولائم مثل الولائم الرمضانية، حيث يغدق العراقيون فيها لتقديم أفضل وأجود أنواع الأطعمة.

بدوره، يقول محمد الكناني، وهو صاحب محل جزارة في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "المستهلكين باتوا يفضلون اللحوم المحلية لأنها طازجة ومصدرها معروف، بعكس اللحوم المستوردة التي لا يُعرف الكثير عن ظروف تخزينها ونقلها". ويضيف: "للأسف هناك أزمة ثقة بين المستهلك وباعة اللحوم، بمن فيهم الجزارون، حيث يستخدم بعضهم لحوماً مستوردة ويخلطها مع اللحوم المحلية للبحث عن تكسب أكبر". ويتابع: "هذا الأمر أثر كثيراً على سمعة الجزارين رغم أن لكل واحد منا سمعته التي بناها لسنين طويلة وبعضنا ورثوا المهنة عن آبائهم وأجدادهم". وتشهد الأسواق العراقية ارتفاعاً في أسعار اللحوم المحلية، حيث يراوح سعر الكيلوغرام الواحد بين 20 و25 ألف دينار (15 – 19 دولاراً)، في حين أن اللحوم المستوردة تباع بنصف هذا السعر أو أقل.

ويرجع الكناني السبب إلى "ارتفاع تكاليف تربية الماشية في العراق، وارتفاع أسعار الأعلاف، بالإضافة إلى قلة الدعم الحكومي لهذا القطاع". ويرى خبراء أن ضعف الرقابة على اللحوم المستوردة يزيد القلق بشأن جودتها، لا سيما مع وجود "فساد" تعاني منه مفاصل مختلف القطاعات، بحسب ما تؤكد تقارير محلية، منها رسمية وعلى لسان مسؤولين وتشريعيين عراقيين.

ويقول الخبير الاقتصادي علي الشمري لـ"العربي الجديد"، إن العراق يستورد كميات كبيرة من اللحوم من دول مختلفة، بعضها لا يمتلك معايير صارمة في ما يخص الصحة والسلامة الغذائية، وهو ما يجعل بعض هذه المنتجات أقل جودة وربما غير صالحة للاستهلاك على المدى الطويل. ويرى الشمري أن الحل مطروح منذ سنوات من قبل متخصصين اقتصاديين، طالبوا فيه بضرورة تشديد الرقابة على المستوردات الغذائية وإلزام الموردين بمواصفات صحية صارمة لحماية المستهلكين وضمان عدم انتشار الأمراض الغذائية في الأسواق، لكن "وجود جهات منتفعة من الفساد تمنع تطبيق الحلول"، على حدّ قول الشمري، الذي رفض تسمية هذه الجهات، معلقاً عليها بالقول إنها "متنفذة".

بدورهم، يعبّر المواطنون عن مخاوفهم بشأن اللحوم المستوردة، لما لها من أثر سلبي على صحة الإنسان، وفق ما يعتقدون، خاصة أن كثيرين منهم تعرضوا لحالات تسمم، ومن هؤلاء فرح إسماعيل، وهي ربة منزل في الخمسينيات من عمرها. فرح، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، تبدي عدم ثقتها "بجودة اللحوم المستوردة"، موضحة أنه "أحياناً تكون رائحتها غريبة وطعمها غير مألوف، لذلك أفضل شراء اللحوم البلدية رغم ارتفاع سعرها. منذ سنتين تعرضت لتسمم ودخلت المشفى، وتأكد لي أن تناولي اللحم المستورد كان السبب".

أما مؤيد حسن (52 عاماً)، وهو موظف، فيؤكد أنه توقف عن شراء اللحوم المستوردة بعدما قرأ تقارير عن وجود لحوم غير صالحة في الأسواق، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا نعرف إذا كانت هذه اللحوم بقرية، أم أغنام، أم غير ذلك، أو حتى إذا كانت لحوماً صالحة للأكل. الفساد منتشر في المؤسسات المسؤولة عن الاستيراد، ولا أستبعد أن يكون هناك تلاعب بجودة هذه المنتجات". بينما تعبر سرى داود، وهي طالبة جامعية، عن قلقها من أن بعض اللحوم المستوردة قد لا تكون مذبوحة وفق الشريعة الإسلامية، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنها تتابع باهتمام ما ينصح به الأطباء في هذا الأمر، لافتة إلى أنهم جميعاً "يشددون على ضرورة التأكد من مصدر الأغذية المستوردة وحتى المحلية، بما فيها اللحوم"، وتلفت إلى أن "هناك أخباراً تنتشر في مواقع التواصل ووسائل الإعلام تفيد باستيراد لحوم من دول لا تهتم بمعايير الذبح الحلال، وهذا أمر يقلقني كثيراً؛ لذلك تحرص عائلتي على شراء اللحوم المحلية ومن جزارين موثوق بهم".

قراءة المقال بالكامل