مدارس الفرصة الثانية في المغرب... تساؤلات عن الجدوى

منذ ١٤ ساعات ٩

وجد الشاب المغربي وليد (17 سنة) في مركز الفرصة الثانية - الجيل الجديد (الحسنى) في الدار البيضاء، فرصة حقيقية لاستدراك ما فاته قبل ثلاث سنوات بعد انقطاعه عن الدراسة إثر فصله بسبب سوء سلوكه، وتحقيق آماله وطموحاته في مستقبل أفضل. يقول لـ "العربي الجديد": "هدفي من الالتحاق بالمركز هو كسب مهارات من أجل البحث عن عمل أو محاولة الهجرة من خلال الحصول على عقد عمل"، مؤكداً أنه يقدر قيمة الفرصة التي منحت له من أجل استعادة مستقبله بعد انقطاعه عن التعليم، وأنه يعمل بجد لتحقيق ذلك من خلال تعلم مهنة صيانة الحواسيب والهواتف الذكية.
ويعتبر العوني واحداً من آلاف التلاميذ المنقطعين عن الدراسة الذين وجدوا في برنامج مدارس الفرصة الثانية ـ الجيل الجديد، الذي أطلقته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في عام 2014، لمنح اليافعين والشباب المنقطعين عن التعليم فرصة التكوين والتعلم واكتساب مهارات حياتية تمكنهم من دخول سوق العمل.
يتلقّى وليد وزملاؤه في المركز تكويناً يهدف إلى تأهيلهم ودعمهم للعودة إلى صفوف الدراسة. كما يستفيدون من تكوين مهني في التجارة الإلكترونية، والمعلوماتية، وصيانة الحواسيب والهواتف الذكية، وصناعة الحلويات والفطائر، والحلاقة والتجميل، وفنون الصباغة والديكور.
ورغم الإصلاحات التي عرفتها منظومة التربية والتكوين في المغرب خلال السنوات الأخيرة، والبرامج التي أطلقتها الحكومات المتعاقبة من أجل تعميم التعليم، إلا أن النظام التعليمي المغربي يعاني جراء تسرب حوالي 300 ألف تلميذ/ة مقاعد الدراسة سنوياً. واقع دفع وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة إلى إنشاء مدارس الفرصة الثانية، التي أوكلت مهمة تسييرها إلى منظمات المجتمع المدني.

يراهن المسؤولون عن قطاع التعليم في المغرب على مدارس الفرصة الثانية

وبينما يبدي مهتمون في الشأن التعليمي في البلاد مخاوفهم من استمرار التسرب المدرسي، وما ينتج عنه من تحديات وتداعيات على المجتمع، يراهن المسؤولون عن قطاع التعليم في المغرب على مدارس الفرصة الثانية لتجنب تلك التداعيات، إذ تعتمد نظاماً دراسياً مرناً ومنصفاً وعادلاً يضمن المساواة بين الجنسين، كما يتوافق مع احتياجات كل شاب وشابة من خلال تقديم التعليم الأساسي وتعزيز المهارات الحياتية والتكوين المهني المصاحب لاكتشاف سوق العمل، بالإضافة إلى الدعم النفسي.
وتتميز مدارس الفرصة الثانية بوجود برنامج يمتد لسنة واحدة بالنسبة للمستفيدين الذين تسمح مؤهلاتهم بالاندماح المهني، ولسنتين لمن اختاروا إعادة الاندماج في التعليم النظامي، في حين يتم دمج الذين يجتازون الامتحانات بنجاح في السلكَين الإعدادي والثانوي في إطار التربية النظامية، ودمج فئة أخرى في منظومة التكوين المهني.

تتولى الجمعية استقطاب المتعلمين وتكوينهم وتوفير التدريبات المهنية والدعم الاجتماعي والمرافَقة للاندماج المهني

ويعتمد البرنامج على عقد شراكات مع جمعيات المجتمع المدني لتدبير المراكز وتطبيق برامج التكوين فيها، بتنسيق وإشراف مباشرَين من قبل الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية المحتضنة لهذه المراكز. وتوفر الوزارة دعماً مالياً للجمعية من أجل المساهمة في توفير التكوين والمركز، وتتولى الجمعية استقطاب المتعلمين وتكوينهم وتوفير التدريبات المهنية والدعم الاجتماعي والمرافَقة للاندماج المهني، وتعمل على تحقيق النتائج المنتظرة من المشروع.

وحتى أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وصل عدد مدارس الفرصة الثانية الجيل الجديد إلى 232، وتضم حوالي 18 ألف مستفيد ومستفيدة، في حين بلغت نسبة الاندماج بين خريجيها إلى 72% من مجموع المسجلين فيها خلال العام الدراسي 2022 - 2023″. وجرى دمج 16% من هؤلاء في مدارس التعليم النظامي، و21% في التكوين المهني، و35% في سوق العمل. في المقابل، تقول عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، حليمة اشويكة، لـ "العربي الجديد": "إذا كانت مدارس الفرصة الثانية محاولة لمعالجة التسرب المدرسي من خلال الشراكة مع جمعيات المجتمع المدني، إلا أنه محكوم على هذه الجهود المبذولة بالفشل، لاعتبارات عدة: أولها أن الإحصائيات تبين أن عدد التلاميذ الذين استطاعت مدارس الفرصة الثانية استيعابهم لم يتجاوز 20 ألف تلميذ وتلميذة، في حين أن أعداد التلاميذ الذين يغادرون مقاعد الدراسة قبل إتمام سنوات التعليم الأساسي يتجاوز 300 ألف. بالتالي، فإن الرهان على مدارس الفرصة الثانية لحل معضلة التسرب المدرسي يبدو مستحيلاً".
وتوضح اشويكة أن أسباب التسرب المدرسي ليست محصورة في غياب الفرصة للعودة إلى مقاعد الدراسة، لكنها موجودة أساساً في عمق المجتمع، وترتبط بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها أسر التلاميذ الذين يعجزون عن متابعة الدراسة. بالتالي، فإن أي تدخل لحل مشكلة التسرب المدرسي يتطلب الحد من المعاناة التي تعيشها الأسر، أي أن المعالجة تتطلب تدخل قطاعات حكومية أخرى في إطار سياسة تتجاوز حدود وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة.
وتلفت إلى أن التجربة بينت أن هذه المدارس تستنسخ مشاكل المدارس النظامية، كونها تعاني مشاكل مماثلة، مثل النقص في أصحاب الاختصاص، والحاجة إلى برامج تستوعب المستفيدين، وغياب التكوين المتخصص، ما يعني أن هذه التجرية ستؤول إلى الأوضاع نفسها التي أدت إلى التسرب المدرسي.
وترى اشويكة أن حل ظاهرة التسرب المدرسي يبدأ أولاً من قلب المدرسة المغربية، وينبغي أن تعمل الوزارة الوصية على القطاع على النظر في أسبابها من خلال برامج ومناهج الدراسة والمجال المدرسي بكل مكوناته، ثم انخراط كل القطاعات الحكومية المعنية لحل المشاكل ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي التي تؤدي بالتلاميذ إلى الانقطاع عن الدراسة.

قراءة المقال بالكامل