أكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري محمد عمرون أنّ الأزمة السياسية مع فرنسا ستطول بسبب ما يصفه بـ"الانهيار الكامل لمساعي التسوية والتفاهمات السياسية الأخيرة"، مشدداً على أنّ الطرفين كانا بحاجة إلى حوار صريح جداً حول القضايا الخلافية، لافتاً إلى أنهما غير مستعدين لذلك في الوقت الراهن لاعتبارات عديدة. وأضاف عمرون: "الكرة في المرمى الفرنسي بالأساس لاتخاذ خطوات تعكس الرغبة في إنهاء الأزمة".
وقال عمرون لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "ما حدث هو انتكاسة قوية، وهو دليل على أنّ البلدين لن يذهبا إلى تهدئة طويلة الأمد، أو إلى انفراج حقيقي في العلاقات الجزائرية الفرنسية بالرغم من المحاولات الدائمة للبحث عن مسكنات لهذه الأزمات، ويبدو أننا وصلنا إلى لحظة الحقيقة مع باريس وأن المسكنات للعديد من الأزمات لم تعد مجدية، خصوصاً في ظل الواقع السياسي الذي تعيشه فرنسا".
وتابع: "الانهيار والانتكاسة يشيران إلى أنّ الأزمة أعمق بكثير من أن يحلّها اتصال هاتفي واحد، وأعمق بكثير من أن تحلّها زيارة وزير خارجية لساعات، وهذه الأزمة عميقة تحتاج إلى وقت أطول وتحتاج أيضاً إلى جرأة سياسية خاصة من الجانب الفرنسي الذي يعي حجم التغيرات التي حدثت في الجزائر، وأنّ الملف الجزائري هو ملف دبلوماسي وليس ملفاً داخلياً فرنسياً"، مشيراً إلى أن "ما تعيشه العلاقات اليوم هي نتيجة تراكمات واختلافات لأزمات لم تحل لسنوات، وأعتقد أنها منطقية بين بلدين لديهما العديد من الملفات التي لم تُعالَج بطريقة صحيحة، وهو ما أوصل إلى هذه الانتكاسة والوضع غير المسبوق في العلاقات بين البلدين".
وكانت أزمة سياسية حادة قد تفجرت بين البلدين، منذ الثامن من إبريل/ نيسان الجاري، في أعقاب توقيف السلطات الفرنسية موظفاً قنصلياً جزائرياً في باريس بشبهة المشاركة في خطف ناشط جزائري مقيم في باريس، ردت عليه الجزائر باستدعاء السفير الفرنسي في الجزائر وطرد 12 موظفاً يتبعون وزارة الداخلية الفرنسي يعملون لدى مصالح السفارة في الجزائر، وردت باريس على القرار الجزائري باستدعاء سفيرها من الجزائر للتشاور وطرد 12 موظفاً في الشبكة القنصلية الجزائرية في فرنسا.
واعتبر المسؤول في البرلمان الجزائري أنّ الجزائر وفرنسا "كانتا بحاجة إلى حوار صريح جداً، لكن يبدو أنّ الطرفين غير مستعدين لذلك في الوقت الراهن لاعتبارات عديدة"، من بينها صعود اليمين المتطرف في فرنسا الذي يعرقل تسوية الأزمة. وقال إنّ "اليمين المتطرف يضغط من أجل اتخاذ قرارات متشددة تجاه الجزائر وتجاه كل ما يعرف بالجاليات المغاربية عموماً، وأعتقد أنه هو الذي كان وراء المناخ السياسي والإعلامي المشحون بين الجزائر وباريس، وهو اليوم في صلب صنع القرار السياسي في فرنسا، وأصبح عاملاً مؤثراً في تماسك الحكومة الفرنسية وفي بقائها أيضاً، وشريكاً في اتخاذ القرار، واستغل هذا الوضع من أجل التأثير على خيارات الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) نحو قرارات أكثر تشدداً مع الجزائر، وهو ما يسميه الوزير ريتايو (وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو) توازن القوى، وهذا لا يساعد على بناء ثقة بين المسؤولين الجزائريين الفرنسيين".
ورداً على سؤال حول ما إذا كان التوجه نحو تجميد كل اللقاءات الثنائية التي كانت مبرمجة بين البلدين، على غرار زيارة وزير العدل الفرنسي جيرالد درامانان، سيعقد الأزمة أكثر، شدد عمرون على أنّ "المناخ الراهن لا يسمح بمثل هذه الزيارات، ولا استكشاف فضاءات التعاون ممكن الآن، وفي ظل الظروف الحالية، حيث هناك قطيعة شبه كاملة، الزيارات لم يعد لها معنى بما فيها زيارة وزير العدل الفرنسي. البلدان يتناقشان أو يتبادلان المواقف عن طريق التصريحات والبيانات، وهذا دليل على أن قنوات التواصل شبه معدومة"، مشيراً إلى أنه "إذا ما تحدثنا عن الرابح والخاسر، فالعلاقات معقدة ومركبة، فالخاسر هنا هو فرنسا سواء في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية والعسكرية، وفرنسا تدرك ذلك".
وعلى ضوء التطورات التي تلت حبس موظف قنصلي جزائري يحوز على حصانة دبلوماسية وطرد 12 موظفاً تابعين للسفارة الفرنسية واستدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، والرد الفرنسي بطرد موظفين في السفارة الجزائرية، قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري: "نحن أمام توتر حقيقي وأزمة متصاعدة، السيناريو الأقرب للحدوث هو جمود سياسي كبير وجمود في التعاون مع ارتفاع منسوب في الضغط والحملات الإعلامية وتبادل الاتهامات، أعتقد أن هذه الأزمة ستطول أكثر على عكس ما توقعه البعض بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الجزائري عبد المجيد تبون والفرنسي وإيمانويل ماكرون وزيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو".
وأضاف عمرون: "الأزمة ستستمر إلا إذا حدثت خطوة من فرنسا تعكس استعدادها للتعامل باحترام متبادل مع الجزائر وبنديّة، مع ضرورة لجم سلوكيات كثير من وزرائها، عندها فقط يمكن أن نتحدث عن علاقات طبيعية وتعاون ثنائي". وأردف: "حل الأزمة بحاجة إلى حوار صريح وعلى المدى الطويل مع الجزائر، أما على المدى القصير، فمن الصعب فتح حوار لأن الملفات متشابكة جداً وكل حدث يحدث في فرنسا له تأثير في مواقف الجزائر والعكس صحيح، الأمر يحتاج إلى فترة هدوء، خاصة أن فرنسا اختارت شريكاً واضحاً في شمال أفريقيا وهو المغرب، بينما الجزائر تتوجه تدريجياً نحو شريك بديل لفرنسا في المتوسط، وهو إيطاليا، سواء في التعاون السياسي ومحاربة الإرهاب أو في الهجرة والطاقة وغيرها".
