مع مرور الوقت، يثبت فشل تجربة المجلس الرئاسي في ليبيا ذي الثلاثة رؤوس، والتي بدأ العمل بها منذ الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات المغربية نهاية العام 2015، إذ تشكل وقتها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بتمثيل ثلاثي لأقاليم ليبيا الثلاثة، الشرق والغرب والجنوب، إلى حين الاتفاق على إطار للانتخابات وانتخاب رئيس للدولة. لكن هذه التجربة، التي استمرت بالتركيبة ذاتها في المجلس الرئاسي الحالي، واصلت إثبات الفشل الذريع في قيادة المرحلة نحو قانون انتخابي يفضي إلى إجراء انتخابات.
على مدار أسبوع، خرج أعضاء المجلس الرئاسي الحالي الثلاثة بمقترحات منفصلة تعكس في عمقها البعيد فشل التركيبة الثلاثية لهذا الجسم، بدأها عضو المجلس موسى الكوني، نهاية الأسبوع الماضي، باقتراح "نظام الأقاليم الثلاثة" بمجالس تشريعية مستقلة، مع منح المحافظات صلاحيات تنفيذية وإدارية، بحجة ضمان حقوق المناطق المهمشة وإنهاء المركزية. أعقبه عبد الله اللافي، العضو الآخر في المجلس، بمبادرة لا تختلف جوهرياً عن مقترح الكوني، إذ دعا إلى تقسيم البلاد لـ13 محافظة مع انتخاب المجلس الرئاسي من أنحاء البلاد جميعها، شرقاً وغرباً وجنوباً.
أما رئيس المجلس، محمد المنفي، فاختار طرحاً آخر، إذ دعا، يوم الأحد الماضي، في كلمة له خلال حفل إفطار للقادة الحزبيين والأمنيين والمجتمع المدني، إلى "استفتاء شعبي" حول القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، من خلال "هيئة محايدة" لم يحدّدها، كما لم يحدّد الجهة التي ستخوّل تنفيذ القوانين بعد إجراء الاستفتاء حولها.
المفارقة أن المقترحات الثلاثة، رغم تناقضها الظاهري، تلتقي في نقطتين: الأولى هي الإقرار الضمني بفشل نموذج المجلس الرئاسي، والثانية هي التركيز على أن الخلافات كلّها تدور حول الانتخابات الرئاسية، وهو ما يوافق الواقع بالفعل، إذ لا خلاف حول قوانين الانتخابات البرلمانية، ما يفضي بالمتابع إلى سؤال: إذا كانت الرئاسة هي عقدة الأزمة، فلماذا لا نبدأ بالانتخابات البرلمانية التي لا خلاف حولها؟
صحيح أن البرلمان لن يحلّ مشاكل ليبيا المتراكمة، لكنه قد يكون الطريق الوحيد لتجاوز أزمة الاستقطاب الحاد بخطابه الثلاثي في انتخابات أي مجلس رئاسي، فوجود برلمان موحد يعني توحيد الميزانية، ويعني إمكانية تشريع قوانين تملأ الفراغ الدستوري وتحفظ لمؤسسات الدولة شرعيتها.
