في تطور جديد ومثير في واحدة من القضايا التي شغلت الرأي العام المصري خلال السنوات الأخيرة، يواجه رجل الأعمال المعروف حسن راتب، والنائب البرلماني السابق علاء حسانين، اتهامات جنائية جديدة تتعلق بجريمة غسل أموال ضخمة بلغت قيمتها نحو 129 مليون جنيه مصري، على خلفية صدور أحكام نهائية وباتة ضدّهما في قضية الاتّجار في الآثار وتهريبها خارج البلاد. وكشفت مصادر قضائية مطلعة أن القضية الجديدة مقيدة بالعريضة رقم 167713 بالمكتب الفني للنائب العام، وجرى تقييدها كذلك برقم جنايات "مصر القديمة"، في ضوء ما أسفرت عنه التحريات والأدلة الفنية التي جمعتها جهات التحقيق المختصة، التي أشارت إلى ضلوع المتهمين في عمليات غسل أموال جرت على مدار سنوات عدّة، كان مصدرها الأساسي هو أرباح أنشطة الاتجار والتنقيب غير المشروع في الآثار المصرية.
وأوضحت جهات التحقيق أن قرار الإحالة إلى محكمة الجنايات الاقتصادية استند إلى توافر أحد الشروط القانونية الجوهرية لتحريك دعاوى غسل الأموال، والمتمثل في صدور حكم نهائي بات بالإدانة عن الجريمة الأصلية، وهي في هذه الحالة "جرائم الآثار" التي سبق أن أُدين فيها كل من علاء حسانين وحسن راتب. تضمنت الأحكام السابقة ثبوت تورط المتهمين في تشكيل شبكة تخصصت في التنقيب والحفر بمناطق أثرية محظورة، والاتجار في قطع أثرية تعود إلى عصور متعددة، منها عصور ما قبل التاريخ، والعصر الفرعوني، والروماني، واليوناني، وقطع أثرية إسلامية نادرة.
واعتبرت النيابة أن ما قام به المتهمان من استخدام العائد المالي المتحصل من تلك الجرائم في تأسيس مشروعات تجارية ونشاطات استثمارية وشراء أصول وأراضٍ وعقارات، يعد جريمة غسل أموال مكتملة الأركان، هدفها إضفاء المشروعية على أموال جاءت من مصادر غير مشروعة، وهي جريمة يعاقب عليها القانون المصري بعقوبات تصل إلى السجن المشدد والغرامة والمصادرة.
وفي جلسة محاكمة عُقدت اليوم الاثنين، بمحكمة القاهرة الاقتصادية، قرّرت هيئة المحكمة تأجيل نظر أولى جلسات القضية إلى جلسة 9 أغسطس/أب المقبل، وذلك لتمكين الجهات المعنية من تنفيذ قرار حضور المتهم الأول، علاء حسانين، من محبسه.
ويُذكر أن علاء حسانين يقضي حالياً عقوبة الحبس لمدة 5 سنوات بعد الحكم عليه بالإدانة في القضية المعروفة إعلامياً بـ"الآثار الكبرى"، وهي القضية التي كشفت عنها أجهزة الأمن المصرية عام 2021، بعد تحقيقات موسعة أثبتت قيام المتهم بقيادة شبكة تخصّصت في تهريب الآثار إلى خارج البلاد، مستغلة في ذلك ثغرات قانونية وشبكة علاقات واسعة ساعدت في تيسير عمليات التنقيب والنقل. أما حسن راتب، فقد حصل على قرار بالإفراج عنه بعد انقضاء فترة محكوميته في ذات القضية، عقب حكم محكمة النقض بتخفيف العقوبة إلى السجن لمدة 3 سنوات وتغريمه مليون جنيه، بعدما كانت محكمة أول درجة قد قضت بحبسه لمدة 5 سنوات مع الشغل.
القضية الجديدة تفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات قانونية واجتماعية حول ظاهرة "غسل الأموال" في مصر، وكيف باتت مرتبطة بقضايا الجنح والجنايات الكبرى، لا سيّما تلك المتعلقة بالاتّجار غير المشروع في الآثار أو النقد الأجنبي أو حتّى جرائم الفساد والرشوة. ويعتبر كثير من الخبراء أن ملاحقة المتهمين بجرائم غسل الأموال بعد صدور الأحكام النهائية عن الجريمة الأصلية يمثل نقلة نوعية في النهج القضائي المصري، إذ باتت النيابة العامة تعتمد على تتبع حركة الأموال والأنشطة الاستثمارية بعد الجريمة، لتقديم صورة شاملة لمنظومة الجريمة الاقتصادية.
وقال مصدر قضائي بارز، طلب عدم ذكر اسمه، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما يجري حالياً يمثل تنفيذاً دقيقاً لنصوص قانون مكافحة غسل الأموال، خاصة في ما يتعلق بتتبع الأموال الناتجة عن جرائم الاتجار بالآثار، وهي من الجرائم المصنفة ضمن الجرائم الأصلية وفقاً للمادة الثانية من القانون رقم 80 لسنة 2002 وتعديلاته". وفي ظل وضوح عناصر الجريمة من حيث وجود الحكم النهائي للجريمة الأصلية وتوفر أدلة جدية حول عمليات غسل الأموال، يتوقع قانونيون أن تشهد جلسات المحاكمة القادمة مواجهة قضائية حاسمة، قد تؤدي إلى توقيع عقوبات جديدة بحق المتهمين، ما لم تتمكن هيئة الدفاع من تقديم دفوع قوية تنال من أركان القضية.
ومن المنتظر أن تسعى هيئة الدفاع، خصوصاً عن رجل الأعمال حسن راتب، إلى التشكيك في علاقة المشروعات التي أقامها بالأموال الناتجة عن التنقيب غير المشروع، وادعاء استقلالها عن النشاط الإجرامي الأصلي، وهي دفوع تكررت في قضايا غسل أموال مماثلة، إلّا أن قبولها يبقى مرهوناً بتقدير المحكمة لحجم الأدلة الفنية والمالية المقدمة من النيابة.
