مصر بمواجهة ضغوط ترامب وتحدي ثوابت الأمن القومي

منذ ٢ شهور ٣٩

حالة من الجدل فجّرتها تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي أطلقها أول من أمس السبت، بشأن خططه لنقل جزء من سكّان غزة إلى مصر والأردن. وقالت دوائر مصرية رسمية ودبلوماسية لـ"العربي الجديد"، إن المشروع الذي يروجه الرئيس الأميركي ليس بالجديد، لافتة إلى أنه جزء من تصور طرحه قبيل نهاية ولايته الأولى، ولكنه كان يتخذ أشكالاً أخرى خصوصاً ما يتعلق بسيناء ضمن مشروع "صفقة القرن"، التي كان يروج لها.

وبحسب ما علمته "العربي الجديد"، فإن المشروع بصيغته السابقة لم يكن يقوم على عملية تفريغ قطاع غزة من السكّان بقدر ما هو نقل مسؤولياتهم تجاه مصر، مقابل امتيازات اقتصادية واسعة، حيث كان مقرراً أن يكون ميناء العريش ومطار المدينة مخصصين لاحتياجات القطاع وسكّانه على أن تقام منطقة صناعية كبيرة بتمويل خليجي داخل الحدود المصرية بين سيناء وغزة، وتكون الأولوية لسكّان القطاع للعمل بها، على أن يتضمن ذلك إقامة للعاملين فيها بحيث يعودون إلى مقر إقامتهم يومياً.

دوائر مصرية رسمية ودبلوماسية: المشروع بصيغته السابقة لم يقم على تفريغ غزة من السكّان بل نقل مسؤولياتهم تجاه مصر

ووفقاً للمصادر المصرية، فإن المتغيرات التي تلت ولاية ترامب الأولى والتطورات التي صاحبت العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، فتحت الباب أمام الدوائر الإسرائيلية والأميركية الداعمة للتوسعات الإسرائيلية على حساب دول المنطقة، لتطوير تلك الخطط بما يسمح بتفريغ قطاع غزة بشكل شبه كامل من السكان.

مصر تتعرض للضغوط

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تمسكت مصر برفض كل مشاريع التهجير الرامية لنقل الفلسطينيين إلى سيناء، وبدت القاهرة أكثر تنسيقاً مع الأردن الذي يواجه خططاً مشابهة تستهدف تهجير سكّان الضفة الغربية إلى الأردن لتسهيل عملية ضمها لإسرائيل.

وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية، فقد جرت لقاءات مصرية وأردنية عدة، وأخرى ثلاثية بمشاركة مسؤولين أميركيين، جرى خلالها توضيح خطورة مثل تلك الخطط وتوقيتها على استقرار أنظمة المنطقة وهو ما يعني تهديداً غير مباشر لأمن إسرائيل بحال وصلت أنظمة أخرى للحكم كما حدث في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011.

وكشفت المصادر أن اجتماعاً جرى في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي في مدينة العقبة الأردنية، ضمّ مسؤولين من مصر، والأردن، والولايات المتحدة، وإسرائيل، والإمارات، بحث الطرح الذي أعلن عنه ترامب أول من أمس، وفرص تحقيقه على أرض الواقع. ولفتت المصادر إلى أن القاهرة تمسكت بموقفها الرافض لنقل أي من سكّان غزة إلى سيناء، مؤكدة أن هناك حالة ممانعة شديدة داخل المؤسسة العسكرية المصرية لهذه الخطط.

وأوضحت المصادر أنه إزاء الإصرار الأميركي بدأت دوائر مقربة من مؤسسة الرئاسة بدراسة سيناريوهات لكيفية التعامل مع تلك الخطط، في ظلّ الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها الدولة. وبحسب مصدر آخر، فإن أطرافاً إقليمية ضالعة في الترتيبات الأميركية والإسرائيلية الخاصة بخطط وتصورات تفريغ غزة والضفة الغربية، وإن هناك رصداً مصرياً لمحاولات كانت تجري في غزة تحت مظلات إغاثية، بدراسات واسعة و"رفع حالة" بشأن الشريط الساحلي لغزة، في ظل خطط لإدماجه ضمن طريق تجاري دولي تعمل عليه الولايات المتحدة الأميركية وتشارك فيه أطراف إقليمية.

اعتبارات سياسية وأمنية

كما قالت مصادر مصرية رفيعة المستوى لـ"العربي الجديد" إن أجهزة ومؤسسات مصرية سيادية وازنة كرّرت رفض القاهرة بشكل قاطع أي مخطّطات تهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسراً من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية، وشدّدت على أن هذا الموقف ينبع من اعتبارات استراتيجية وسياسية وأمنية عدة، منها عدم السماح بتصفية القضية الفلسطينية عبر تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكّانها، ما يهدّد حقوق الفلسطينيين ومستقبل دولتهم. وأكّدت المصادر أن سيناء جزءٌ من الأمن القومي المصري، وأن نزوح آلاف الفلسطينيين إلى هذه المنطقة الحسّاسة يشكل تهديداً أمنياً كبيراً، ليس فقط لمصر بل حتى للمنطقة، محذرة من أن الإصرار على تنفيذ هذا المخطط قد يؤدي إلى زعزعة أسس معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ما يفتح الباب أمام أزمات إقليمية كبرى. غير أن المصادر نفسها قالت إن القاهرة لا تمانع في السماح بعبور الفلسطينيين إلى داخل أراضيها في حالات إنسانية محددة، مثل تلقي العلاج أو زيارة عائلاتهم، لكنها ترفض تماماً أي موجات نزوح كبرى تهدف إلى الاستقرار داخل الأراضي المصرية، خصوصاً في سيناء، في إطار حرص القاهرة على حماية الأمن القومي المصري وضمان الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني.

بدأت دوائر مقربة من مؤسسة الرئاسة المصرية بدراسة سيناريوهات لكيفية التعامل مع تلك الخطط

ومع تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن رغبته في نقل سكان من غزة إلى مصر والأردن، تدخل القاهرة في اختبار جديد أمام ضغوط هائلة، محلية ودولية، تهدف إلى إعادة صياغة معادلات القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من ضغوط مستمرة منذ بداية الأزمة، رفضت القاهرة، على مدار العام الماضي، مقترحات استقبال اللاجئين الفلسطينيين في أراضيها، إدراكاً منها أن ذلك قد يفتح الباب أمام تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأمن القومي المصري. ووفقاً لتقارير إعلامية سابقة، عرضت الولايات المتحدة على مصر حزمة مساعدات اقتصادية سخية، تشمل تقديم دعم نقدي مباشر وإسقاط ديون، مقابل قبولها بمخطط تهجير الفلسطينيين من غزّة إلى سيناء. لكن السلطات المصرية أكدت مراراً رفضها لهذه المخططات، وآخرها إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في تصريحات له في 22 يناير/كانون الثاني الحالي، أن مصر ترفض بشكل قاطع تهجير المواطنين من قطاع غزة، حفاظاً على وجود القضية الفلسطينية ذاتها.

ودعا منسق تيار الأمل علاء الخيام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، مصر إلى الاستعداد للتعامل مع أي بديل محتمل في المشهد. وأشاد بالموقف المصري الرافض لمخطّطات تهجير الفلسطينيين، لكنه انتقد ما وصفه بـ"غياب التحرك الفاعل" لوقف الإبادة في غزة، مطالباً القاهرة بتصحيح المسار وتكثيف الجهود لإدخال المساعدات الإنسانية أثناء الأزمات. ودعا الحكومة المصرية إلى دعم المبادرات الدولية الرامية إلى محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، مؤكداً أن مثل هذه الخطوة ستعزز الموقف العربي والدولي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني. وفي الشأن الداخلي، طالب الخيام بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين المؤيدين للقضية الفلسطينية داخل مصر، وفتح المجال لتنظيم فعاليات لدعم الشعب الفلسطيني دون أي تهديد أو تضييق. وأكد أن تضامن الشعوب العربية مع الفلسطينيين يلعب دوراً محورياً في مواجهة المخططات الإسرائيلية ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية.

قراءة المقال بالكامل