بعد حرمان خمس سنوات، عاد أهالي مدينة معرة النعمان في محافظة إدلب إلى مدينتهم لأداء صلاة عيد الفطر في المسجد العمري الكبير. واكتسبت هذه العودة أهمية كبيرة بعد تحرير المدينة من سيطرة قوات نظام الأسد، زادها واقع أن المسجد العمري الكبير يمثل قيمة دينية وتاريخية باعتباره أحد أقدم وأهم معالم محافظة إدلب.
منذ مطلع عام 2020، حُرم سكان معرة النعمان من قضاء الأعياد في مدينتهم، بعدما أجبرتهم الحملة العسكرية التي شنها النظام السوري السابق على النزوح قسراً إلى المخيمات والمدن والبلدات في الشمال السوري. واليوم، بعد مضي عشرة أعياد بعيداً عن مدينتهم، نجحوا في العودة وإحياء طقوس العيد في مسجدهم التاريخي، وسط مشاعر اختلطت فيها الفرحة بالحنين، والأمل بالألم، وتذكروا المآسي التي حلّت بمدينتهم خلال سنوات التهجير.
قال رامي الإزمرلي، أحد أبناء معرة النعمان، لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن نصف شعورنا الحالي بالعودة إلى مدينة معرة النعمان وأداء صلاة عيد الفطر فيها. سماع تكبيرات العيد ورؤية الأهل والأصدقاء أثناء الخروج من المسجد العمري الكبير بعد غياب طويل فرحة عظيمة، واستطعنا أيضاً زيارة المقبرة، لكننا وجدنا القبور مهدمة بعدما قصفتها قوات النظام المخلوع بالبراميل المتفجرة".
أيضاً قال عمر البم لـ"العربي الجديد": "قضينا عيد الفطر في معرة النعمان، وكان مميزاً بعد غياب عشرة أعياد عن المدينة. كنت أحد الأشخاص الذين حُرموا من العودة إلى معرة النعمان، وبالتالي من طقوس العيد التي اعتدنا عليها، ومن بينها الاجتماع مع أبناء أعمامنا وأقاربنا وأصدقائنا. وحتى زيارة قبور الشهداء لم تكن متاحة لنا". أضاف: "عيد الفطر أقدس الأعياد للسوريين، إذ تحتفل به كل البلاد. لكنه يختلف تماماً هذا العام، إذ نشعر فيه بفرحة النصر التي انتظرناها طويلاً، ونأمل في أن تأتي الأعياد القادمة ونحن نعيش في بلد حر وكريم، ونمارس فيه طقوس أعيادنا من دون رقابة أو تحكم من قبل سلطة قمعية".
أما عمران الشامي الذي تهجّر من غوطة دمشق إلى ريف إدلب خلال سنوات النزاع، فأراد أن يؤدي صلاة العيد في المسجد العمري الكبير في المدينة التي احتضنته وأصبحت موطنه الثاني، وقال الشامي لـ"العربي الجديد": "هذا المسجد له مكانة كبيرة في قلبي وقلوب جميع النازحين والمهجّرين الذين لجأوا إلى معرة النعمان خلال أعوام الثورة. في يوم العيد اجتمعت مع جيراني من أبناء المعرة الذين أكرموا ضيافتنا منذ إن قدِمنا إليها عام 2017، واستقبلوني اليوم كأنني أحد أبنائها. هذه لحظة لا تُنسى أعادت لي ذكريات جميلة رغم كل الألم الذي عشناه".
ولم يكن المسجد العمري الكبير في منأى عن آثار الحرب والدمار الذي لحق بمدينة معرة النعمان، إذ تعرّض للقصف والسرقة على يد قوات نظام بشار الأسد أثناء سيطرتها على المدينة في 28 يناير/ كانون الثاني 2020، وكما الحال مع العديد من المعالم التاريخية والأثرية في المدينة، تعرّض المسجد الكبير لأضرار جسيمة شملت تدمير أجزاء منه وسرقة محتويات.
ولم يقتصر الدمار على المسجد إذ طوالت الحملة العسكرية التي شنها النظام السوري أبرز المعالم التاريخية في معرة النعمان، ومنها متحف خان مراد باشا والقلعة والمركز الثقافي، وعدد كبير من المنازل عمرها مئات السنين، ما شكّل خسارة كبيرة للإرث التاريخي والثقافي للمدينة. ورغم الألم الذي تركته سنوات التهجير والدمار تحمل عودة أهالي معرة النعمان إلى مدينتهم وأداء صلاة العيد في المسجد العمري الكبير بصيص أمل في مستقبل أفضل يتطلعون فيه إلى استعادة حياتهم الطبيعية وإعادة إعمار مدينتهم التي عانت ويلات كثيرة على مدى سنوات.